حمود بن علي الطوقي
منذ انطلاق النهضة المباركة، في مطلع السبعينيات من القرن الماضي شكّل التعليم الركيزة الأساسية لبناء الإنسان العُماني، وهو ما أكده السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – في خطابه الخالد حين قال: "سنعلّم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر". اليوم، وفي ظل النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – تستمر مسيرة البناء، ولكن برؤية عصرية تتناغم مع متطلبات العصر الرقمي.
ما رأيناه اليوم خلال الزيارة السامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان المفدى- أيده الله- إلى مدرسة السلطان فيصل بن تركي بولاية العامرات في مُحافظة مسقط، يعكس هذه الرؤية المستقبلية؛ حيث بدت المدرسة نموذجًا يُحتذى به، ليس فقط على مستوى التجهيزات، ولكن أيضًا على مستوى البيئة التعليمية التي تُشجع على الإبداع والابتكار. لقد عبّر جلالته أثناء حديثه مع أبنائه الطلاب والكادر التدريسي عن فخره بما تحقق في هذه المدرسة، مشيرًا إلى أهمية الارتقاء بمستوى المدارس الأخرى لتواكب المرحلة التعليمية التي تطورت من التعليم التقليدي إلى التعليم التقني.
وأثناء حديثه الأبوي والتوجيهي مع أبنائه الطلبة، وبحضور معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم كان جلالة السلطان يرسم خارطة الطريق لجودة التعليم في السلطنة، معتبرا أنَّ التعليم ليس مجرد عملية تدريسية، بل مشروع وطني يرتبط بمستقبل عُمان. وهذا ما أكده جلالته صراحة على ضرورة أن تكون وزارة التربية والتعليم حريصة على تقديم تعليم مقرون بنظرة مستقبلية تتماشى مع متطلبات المرحلة القادمة من إعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر وهذا ليس بالأمر الهين بل يتطلب وضع استراتيجيات تعليمية تتبنى الإبداع، وتواكب التطورات التقنية، وتعزز القيم الوطنية لدى الطلبة.
ونحن نتابع تجول حضرة صاحب الجلالة في الصفوف الدراسية واستماعه إلى أبنائه الطلاب، نستحضر تلك المرحلة التي كان يتجول فيها السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه– في المدارس، ويستمع إلى إبداعات الطلاب وطموحاتهم. ها هي القيادة الرشيدة للنهضة المتجددة تواصل المسيرة المظفرة، مؤكدةً أن التعليم سيبقى دائمًا محورًا أساسيًا في بناء الوطن وتحقيق تطلعاته.
هذه الزيارة السامية في نظرنا كآباء وأولياء أمور. ليست مجرد زيارة اعتيادية؛ بل هي رسالة عميقة تدعو إلى مراجعة البنية التعليمية في عُمان بشكل شامل. فقد أكد جلالة السلطان أنَّ الاهتمام لا يجب أن يقتصر على المدارس النموذجية فقط؛ بل ينبغي أن تمتد الجهود لتأهيل أكثر من ألف مدرسة منتشرة في ربوع السلطنة، لتصبح جميعها على مستوى واحد من التجهيزات والابتكار.
إننا على يقين أن جلالته- حفظه الله- يؤمن بأنَّ المدرسة ليست مجرد مكان لتلقي العلم، بل هي بيئة تربوية متكاملة تسهم في تشكيل شخصية الطالب وصقل مهاراته، مما يقتضي توفير بنية تحتية متطورة ومرافق تعليمية حديثة.
إنَّ رؤية جلالة السلطان تتجاوز التجهيزات التقنية لتضع القيم والمبادئ في صلب العملية التعليمية؛ فالمدارس العمانية ليست فقط مراكز للتعلم؛ بل هي فضاءات تُغرس فيها الهوية العمانية والقيم الوطنية. هذا التوازن بين التقنية والقيم يُبرز نهجًا فريدًا لعُمان في مواكبة التطورات العالمية مع الحفاظ على أصالتها.
زيارة جلالة السلطان الى مدرسة السلطان فيصل بن تركي، سيخلدها التاريخ وستظل راسخة في ذاكرة أبنائنا الطلبة في هذه المدرسة، لأنها تمثل فخرًا لكل الطلاب والكادر التدريسي المنتمي لهذه المدرسة التي اختارها جلالة السلطان المُعظم؛ لتكون أولى محطاته للالتقاء بأبنائه الطلاب. وما رأيناه اليوم في هذه المدرسة يُعد مفخرة لكل أبناء عُمان، ويمثل خطوة جديدة نحو تحقيق رؤية جلالة السلطان في بناء منظومة تعليمية تكون منارة للتميز والإبداع.
لقد أسعدنا وقوف جلالة السلطان- حفظه الله- على قاعة مصادر التعليم أو المكتبة المدرسية، والتي تضم كتبًا قيمة من مختلف مشارب التعليم. تأملتُ كثيرًا هذه القاعة التدريسية والتعليمية وكناشر لمجلة مرشد للأطفال، كنت أتمنى أن تكون هذه المجلة حاضرة في أرفف مكتبات المدرسة والمدارس الأخرى؛ فهي مجلة عُمانية المنشأ والهوية، ووجودها بين الطلبة يُعزز رسالتها النبيلة في غرس ثقافة الانتماء والهوية والمواطنة؛ إذ إن مجلة مرشد تسهم بشكل كبير في بناء وعي الأطفال وتعريفهم بقيم وطنهم، ونتطلع لأن يكون لها دور أوسع في كافة المؤسسات التعليمية لتصل إلى كل طفل عماني يحمل في قلبه حب وطنه وهويته.