الدوحة- أحمد الجهوري
شهدت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، افتتاح مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة، الذي انعقد في مركز قطر الوطني للمؤتمرات تحت عنوان "الأسرة والاتجاهات الكبرى المُعاصرة"، بتنظيم من معهد الدوحة الدولي للأسرة، عضو مؤسسة قطر.
حضر حفل الافتتاح عدد من الشخصيات البارزة، من بينهم فخامة الدكتورة فيوسا عثماني سادريو رئيسة جمهورية كوسوفو، وفخامة الدكتور حسين علي مويني رئيس زنجبار، وسعادة السيدة آريا علي حرم رئيس جمهورية غويانا التعاونية، وسعادة السيدة شاناز إبراهيم أحمد حرم رئيس جمهورية العراق، وسعادة السيدة ليديا أبيلا حرم رئيس مجلس وزراء مالطا، وسعادة السيدة جانيت كاغامي حرم رئيس جمهورية رواندا، بالإضافة إلى عدد من أصحاب السعادة الشيوخ والوزراء.
وألقت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر كلمة تناولت فيها التحديات التي تواجه الأسر حول العالم، مع التركيز على التحديات الخاصة بالأسر العربية، قائلة: "لا شكّ أن قضايا الأسرة وتحدياتها تتماثل في المجتمعات جميعها، ولكنّها تختلف في خصوصياتها من بلد إلى آخر، فهناك مشتركات كثيرة بين الأسر من شمال العالم إلى جنوبه، أبرزها تحديات التكنولوجيا وتأثيرها، واللغة الأم في عالم معولم، وصراع الهويات، وكل ذلك يتطلب فهمًا عميقًا وإدراكًا لأثرها على الأسرة وهويتها".
كما سلطت الشيخة موزا الضوء على أهمية الحفاظ على اللغة العربية ودورها الأساسي في تشكيل الهوية الثقافية العربية، قائلة: "اللغة العربية هي نحن، وبدونها نغدو هجيناً بلا هوية، لأن اللغة هي الوعاء الذي تتشكّل فيه ثقافتنا، وبالاثنتين معاً، اللغة والثقافة، تُصاغ هويتنا". وبهذا التأكيد، دعت الشيخة موزا إلى التركيز على دعم اللغة العربية وصونها لتظل ركنًا أساسيًا في تكوين الشخصية العربية ونقل القيم للأجيال القادمة.
وفي كلمته، شددت سعادة السيدة أمينة محمد نائبة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، على ضرورة تعزيز الجهود الدولية من أجل حماية الأسرة، واعتبرت أنَّ المؤتمر يُشكل فرصة هامة لدفع الجهود نحو دعم الأسرة.
وقالت: "يمكن للعمل الذي ستبدأه اليوم أن يساعد في دفع الجهود الدولية. إنه نداء للعمل، ونداء للحماية، ونداء استباقي، ونداء من أجل التمكين، ومن أجل الاستثمار بالأسرة، باعتبارها إحدى الركائز الرئيسية التي تُبنى عليها المجتمعات العالمية، العادلة، والمزدهرة".
وأشارت السيدة أمينة محمد إلى أهمية الحوار الذي يدور في المؤتمر، قائلة: "ستشكل هذه الجلسات إطار عمل وتوجيه للسياسات التي نسعى من خلالها إلى بناء مستقبل أكثر شمولية، ومستقبل عادل ومنصف لأسرنا". وقد عكست كلمتها التزام الأمم المتحدة بتبني سياسات تساند الأسرة كركيزة لتحقيق التنمية المستدامة.
وفي سياق حديثها عن تداعيات النزاعات على الأسرة، لفتت سعادة السيدة أمينة محمد الانتباه إلى العبء الذي يقع على النساء والأطفال في مناطق النزاع مثل غزة والسودان وأوكرانيا وميانمار، مؤكدة أن "من واجبنا في هذا المؤتمر أن نسعى لضمان أن تكون الأسرة من حق الجميع، وألا نترك أحداً خلف الركب". وأشارت إلى أهمية توجيه الجهود الدولية لدعم الأسر المتضررة من النزاعات وتخفيف معاناتها.
وشهد الافتتاح جلسة نقاشية بعنوان "حتمية السياسات الأسرية"، شارك فيها كل من فخامة الدكتورة فيوسا عثماني سادريو رئيسة جمهورية كوسوفو، وفخامة الدكتور حسين علي مويني رئيس زنجبار، وتمت مناقشة تأثير الاتجاهات العالمية الكبرى على الأسرة، واستعراض الإنجازات التي تحققت خلال العقد الماضي، مع وضع خارطة طريق للمستقبل.
وشاركت في الجلسة سعادة السيدة مريم بنت علي بن ناصر المسند وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة في دولة قطر، والدكتورة دييسي كوسترا رئيسة منظمة الأسرة العالمية، والبروفيسور جينيفر لانسفورد أستاذة الأبحاث المتميزة في السياسات العامة بجامعة ديوك.
وألقت سعادة الوزيرة مريم المسند الضوء على دور الأسرة كحجر أساس في المجتمع، مشيرة إلى أنَّ الأسرة تُعتبر حجر الأساس في المجتمعات حيث أظهرت الحضارات الناجحة على مر العصور أن التمسك بالقيم الأسرية يُساهم في استقرار المجتمع وتطوره، وهو ما تعيه دولة قطر تمامًا وتضعه نصب أعينها عند صياغة السياسات.
كما تناولت الوزيرة المسند السياسات الأسرية في قطر وأهمية ميثاق الأسرة الذي أطلقته الوزارة سابقًا، والذي يحتوي على قيم أساسية كالأمانة، والتعاون، والحوار، والاحترام المتبادل، وأكدت أن هذه القيم تُعد جزءًا من رؤية قطر للحفاظ على تماسك الأسرة ودعم دورها في المجتمع. وأشارت إلى أن دولة قطر تسعى من خلال استراتيجياتها الوطنية للتنمية إلى تعزيز مكانة الأسرة عبر مشاريع ومبادرات متعددة، تشمل التعليم والقوانين والسياسات الاجتماعية.
وفي اليوم الثاني من المؤتمر، عُقدت جلسة بعنوان "الحنين إلى الانتماء: ما الذي ينتظر الأسر المهاجرة؟"، حيث شاركت فيها سعادة السيدة شاناز إبراهيم أحمد حرم فخامة رئيس جمهورية العراق، التي تحدثت عن التحديات التي تواجه الأسر في المجتمعات الجديدة.
وقالت سعادتها: "حين تغادر الأسر إلى بلاد جديدة، يتطلع أفرادها إلى حياة أفضل، لكنهم غالبًا ما يواجهون ظروفًا قاسية تُعمق شعورهم بالغربة، ما يبقي حنينهم إلى أوطانهم يقظًا، مهما طال زمن الغربة".
وأضافت أن الأسر تغادر بيوتها على أمل العودة قريبًا، لكن الواقع غالبًا ما يختلف؛ فلا يوجد لاجئ يدخل المخيم معتقدًا أن إقامته ستطول. إلا أن السنوات تمضي، وتظل العديد من العائلات عالقة في المخيمات، ما يستدعي تهيئة ظروف معيشية أفضل لهؤلاء اللاجئين، بما يحفظ كرامتهم ويخفف من معاناتهم. وأشارت سعادتها إلى أن سياسات الهجرة المتبعة في العديد من الدول تركز على تقييد حركة المهاجرين، مع فتح الأبواب أمام المهنيين المهرة فقط، مما يؤدي إلى هجرة الأدمغة من الدول التي تحتاج إليها بشدة، مشددة على أهمية معالجة الأسباب الجذرية للهجرة بهدف التخفيف من آثارها وتحسين أوضاع الأفراد والدول.
ولفتت سعادة السيدة شاناز إلى غياب سياسة عالمية تضع الأسر في صلب أولوياتها، مؤكدة الحاجة إلى توفير سياسات تعزز من انتماء المهاجر أو اللاجئ إلى البلد الجديد، عبر توفير الدعم النفسي والعاطفي من خلال مراكز مختصة ومبادرات شاملة تساعدهم في الاندماج والتكيف.
من جانبها، ألقت سعادة السيدة زهراء بهروز آذر نائب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لشؤون الأسرة، كلمة في جلسة بعنوان "السياسات الأسرية في العالم العربي: مقارنة مع أفضل الممارسات العالمية"، وأكدت خلالها أن الأسرة رغم اختلاف الثقافات، تشكل نواة المجتمع والركيزة الأساسية للتنمية، وتبقى الملاذ الآمن في مواجهة التحديات.
وأشارت سعادتها إلى الآثار السلبية لهذه التحديات على بنية الأسرة، مشددة على ضرورة وضع خطط ملائمة للتقليل من هذه الآثار عبر تبني سياسات للدعم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتحسين القوانين ذات الصلة بتعزيز استقرار الأسر. كما أكدت أن تعزيز الأسس التي تقوم عليها الأسرة يتطلب احترام القيم المجتمعية، والقدرة على التكيف والمرونة، وتقوية أواصر التضامن بين أفراد الأسرة.
ونوهت سعادتها إلى أهمية وضع برامج توعية وتثقيف ودعم تلائم خصوصية كل مجتمع وتراعي طبيعته، موضحة أن "برامج التوعية لا يجب أن تكون موحدة عالميًا، بل ينبغي تصميمها محليًا بمشاركة الجهات المعنية كافة، لتناسب خصوصيات كل مجتمع". ولفتت إلى ضرورة صون القيم المتوارثة عبر الأجيال وإعادة صياغتها بما يتناسب مع متطلبات العصر، وبما يجذب اهتمام الأجيال الجديدة ويحافظ على الترابط الأسري.
ويُنظم المؤتمر بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة كشريك استراتيجي، واللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات في وزارة الخارجية القطرية كشريك تنفيذي، إلى جانب دعم من إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ومركز مناظرات قطر كشريك شبابي.
وعلى هامش المؤتمر، أُقيمت فعاليات عديدة تهدف إلى تعزيز التواصل والحوار بين الحضور، مثل "نسيج الأسرة"، وهي تجربة تتيح للمشاركين الفرصة لصناعة أعمال ثقافية في بيئة مشجعة على التعاون والإبداع. كما تضمّنت الفعاليات "مجلس الحكمة"، الذي دعا الحضور لاستكشاف الرابط بين التراث والقضايا الحديثة، إلى جانب شاشة تفاعلية متنقلة تعرض كيفية تطبيق السياسات الأسرية في مناطق مختلفة من العالم، وملعب عائلي يضم أنشطة تعليمية، ومساحة "براحة الأسرة" المخصصة للتواصل بين العائلات وقضاء أوقات ممتعة.
وفي السياق ذاته، قدم "ركن النقاش" مساحة للحضور الراغبين بتبادل الحديث والتعاون، حيث أتاح لهم الفرصة للانخراط في مناقشات تفاعلية تحت إشراف مديري جلسات أو خبراء متمرسين، كما ضم العروض التقديمية المقدمة من شركاء المؤتمر. وشملت الفعاليات "جلسة مع الخبير" التي عُقدت في المنطقة الخاصة بمعهد الدوحة الدولي للأسرة، والتي أتاحت للحضور فرصة الحديث المباشر مع خبراء المعهد.
بالإضافة إلى ذلك، تضمن المؤتمر "المجلس الشبابي"، برعاية مناظرات قطر التابعة لمؤسسة قطر، والذي وفر منصة للحوار البناء بين وجهات نظر عالمية متنوعة، بما يرسخ فكرة النقاش المنفتح وتبادل الآراء البنّاء بين الشباب.