عقلية الحلول واستدامة الإنجاز

فاطمة الحارثية

 

يَمُرُّ علينا الكثير من المُعضلات والتَّحديات في حياتنا، المسار يستمر بحكم سُنة الله على الأرض، البعض ينغمس في تلك المشكلات، والبعض الآخر يُسوف، وآخرون يتجاهلونها، ولا بأس في ذلك؛ فالمشكلات والأزمات أنواع قد تكون جزءًا من مخاطر خيار أو قرار، وقد تكون عقدة الخلاص، فقط لا ترهق نفسك في تحليل المشكلة أو التعمق بها؛ بل عش عقلية الحلول وتحويل التحديات إلى فرص.

وربما يرى البعض لو أنَّ الحل موجود لما تأزمت الأمور وتحول الوضع إلى مشكلة، في الحقيقة مُعظم المشكلات ما كانت لتتأزم إلّا بسبب الأطراف التي تُحقق المبتغى والهدف، والاختلاف أو الشخصنة، وأطراف ثالثة لا دخل لهم بالموضوع غير سماح أصحاب الشأن بتدخلهم، بصياغ واضح أننا نمتلك القدرة على صناعة المشكلات مثل امتلاكنا القدرة على صناعة الحلول وتنفيذها؛ علما بأنَّ الثقة نمنحها لمن نشاء بغض النظر إن كان مستحقاً أم لا، وفي هذا التأثير المطلق في التعقيدات اللاحقة في الشؤون المختلفة وحلها.

ويتفق الكثير منَّا على أنَّ الحل الأولي للمشكلة هو حُسن التواصل، وفهم جذورها أو مسبباتها، وللأسف الغالبية تنغمس في مناقشة المشكلة أكثر من اللازم، مما يتسبب في تفاقم الوضع وارتفاع شدة الخلاف، فتتحول العقبة البسيطة إلى عُقد، والاختلاف في وجهات النظر إلى قطيعة، والعائق الصغير إلى مأزق، مما يُعيق الإنجاز ويُشتت بلوغ الأهداف، على المستوى الفردي أو الأسرى أو حتى المؤسسي. واللهث خلف الحل والفوز السريع يُفقد الساعي مُتعة التعلم، وسعة الإدراك ولذة الإنجاز الحقيقي، ونحن الآن مُقبلون نحو التقييم وقياس الجهد، يبذل المتقاعس طوال العام جهدا جبارا وبما أنه كان في "الراحة"؛ فطاقته أعلى من المرهق الأمين المجتهد طوال العام، وهذا ينطبق على جميع المستويات، كلا يُقيم على شاكلته، علماً بأنَّ الجهد يحتاج إلى حصاد وبرهان بين، ولتحقيق الظلم يُمارس بعض المسؤولين فن تغيير المهام بحجة التأخر لينال خاصتهم ثمار جهد الغير، والبعض الآخر يبحث عن الصغائر ليفاضل ويُميل الدفة حيث يهوى. إنه موسم تقلب الوجوه والقلوب وتبيان الأنفس. حكت لي فتاة فاضلة في لقاء عارض في إحدى المؤتمرات، عن ممارسات التنمر التي تسبق فترة التقييم السنوي، وتعمد المسؤول الضغط عليها حتى تفقد صبرها وتدافع عن نفسها ليجد ثغرة السلوك ليُدمر جهد عام كامل، ويُجحف حقها مع سبق الإصرار والترصد، وما أن أتمت قصتها حتى بادر أحد الشباب على ذات الطاولة بسرد عن الإذلال - تقشعر منه الأبدان- الذي يتعرض له في موسم الحصاد، قد يقول البعض إنهم يبالغون، وأقول السرد الصادق لا يتناقض في الوصف والقول لذلك أصدق ما بلغني وقيل لي، لو يستطيع القلم رسم مشاعر القهر على وجههم لما ذهب بعيدا عن صور ألم الظلم والاستعباد من القرون الماضية.

لا شك أنَّ عقلية الحلول، مهمة في تنظيم وضبط قياس الإنجاز والمنجزات وأيضاً القائمين والعاملين عليها، وعلى القياس أن يتجاوز الفرد إلى الفريق والقسم، وتعزيز استراتيجيات وأنظمة التقييم بات ضرورة حقيقية لحفظ الولاء والانتماء واستدامة الأداء المُرضي. ينضم إلى سوق العمل جيل مختلف له قواعده ورؤيته الخاصة في الأمور، وعقلية الحلول السريعة أحد أهم صفاته الذي وُجدت فيه ليتأقلم، ويواكب سرعة التغيير والتعاقب الاقتصادي والاجتماعي، وعلى الأجيال الأقدم منه أن تُراعي ذلك، وتوليه الاهتمام اللازم لتحقيق التوازن المطلوب، لتستمر الجهود في تحقيق الرؤية والرفاه.

وإن طال...

تكليف خلافة الأرض لتعميرها كان على الجميع، لم نُكلف بالفردية؛ بل النفع العام، فلا تبع آخرتك من أجل بضع ريالات، ولا تضع معايير أنت ذاتك لا تستطيع أن تُحققها، أطلب المستطاع لتُطاع، والممكن لتتمكن. وإن كُلفت أن تحاسب وتقييم على الأرض، ومتكئ على عذر "رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا" وإن كان عليك شداد غلاظ، تذكر رد الحق في عُلاه "يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا".

الأكثر قراءة