سد وادي عاهن

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

 

وادي عاهن من أكبر الأودية في مُحافظة شمال الباطنة، يبلغ طول مجراه قرابة 150 كيلومترًا؛ حيث يبدأ جريانه من ولاية ينقل بمُحافظة الظاهرة مرورًا بولاية صحار ثم ولاية صحم، ولأنَّ كمية المياه التي تنساب في هذا الوادي أيام الأمطار هائلة جدًا؛ فقد سعت وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه في تسعينيات القرن الماضي لإنشاء سد تغذية لاحتجاز أكبر كمية من مياه وادي عاهن النازلة من رؤوس الجبال لكيلا تذهب هدرًا إلى البحر؛ وللاستفادة منها في تغذية المياه الجوفية في المناطق القريبة من السد، وبالتالي تحسين المناطق الزراعية.

لقد تم افتتاح "سد وادي عاهن" ـ الذي يعد أحد منجزات النهضة المباركة ـ في العام 1994م بسعة تخزينية تبلغ حوالي 7 ملايين متر مكعب، وتبلغ مساحة حوضه 829 كيلومترًا مربعًا، كما تبلغ مساحة بحيرة التخزين 3 كيلومترات، ويمتد هذا السد لمسافة 6.5 كلم وبارتفاع 8 أمتار ويبعد "سد وادي عاهن" من طريق الباطنة العام باتجاه الغرب ما يقارب 13 كيلومترا.

كان سد وادي عاهن طيلة 30 عامًا يقوم بدوره الذي أنشئ من أجله على أكمل وجه، وخصوصًا في بعض المناطق التي تقع على طرفه الشمالي، أما المناطق التي تقع على الطرف الجنوبي فقد تأثرت سلبًا بهذا السد؛ حيث كان الضرر منه أكبر من الاستفادة، ونستطيع أن ندرك بعضًا من الآثار السلبية بعد المرور على النقاط التالية:

أولا: تسبب السد منذ إنشائه في ارتفاع نسبة الملوحة في المياه الجوفية وخصوصًا في الأراضي التي تقع على الطرف الجنوبي منه، كما أن منسوب المياه الجوفية في الآبار قل بشكل ملحوظ عما كان عليه الوضع قبل إنشاء السد، مما انعكس سلبًا على النشاط الزراعي في هذه المناطق الذي يعد جزءًا مهمًا في حياة المواطنين.

ثانيًا: بعد إنشاء السد تم حرمان أراضي واسعة من المياه، فأصيبت المنطقة الواقعة على الجزء الجنوبي من السد؛ أو ما يسميه أصحاب المنطقة بـ"جحلة وادي عاهن"؛ بالجفاف التام بعد أن كانت أراضٍ خصبة طوال العام، حيث يكسوها غطاء نباتي من مختلف النباتات البرية- وخصوصًا موسم الأمطار- مثل المرخ والراك والحضيب والرمث والهرم والحنظل والشرنجبان والمغيلان والسيداف والحميض والقفص والقصد والهباب والشوع والشكاع والعسبق والأشخر والظفرة والجعيدة والبورق وأنواع أخرى لا حصر لها، ونباتات أخرى مورقة ومثمرة وظليلة كالغاف والسمر والسدر وغيرها، وبالتالي- وبشكل طبيعي- أدى ذلك أيضًا إلى انحسار الحياة الفطرية في المناطق القريبة من السد من حيوانات برية مختلفة وزواحف وطيور بجميع الأشكال والأصناف، وهذا بدوره أخل بالتوازن البيئي في هذه المناطق بشكلٍ ملحوظٍ.

ثالثًا: بعد إنشاء السد بدأ تأثر النشاط الرعوي بشكل سلبي في هذه المناطق يظهر بشكلٍ جليٍّ، فقد كان في ما مضى مربو المواشي ـ حالهم كحال غيرهم ـ يطلقون أغنامهم وخرافهم وأبقارهم وجمالهم وغيرها لترعى في الفلوات الخصبة، وكانت "جحلة وادي عاهن" و"سيح القُفُّ" والمناطق الرعوية المحيطة بها متنفسًا للرعاة وللمواشي؛ حيث كانت الأرض تبدو كبساط أخضر طيلة أيام السنة بما تحتويه من أشجار مورقة ونباتات مثمرة وأعشاب متنوعة وبيئة خصبة ومرتع للمواشي، فكانت مواشيهم تجود لهم بمنتجات صحية كمشتقات الألبان واللحوم، بعيدا عن الأعلاف التي طالتها المبيدات والأسمدة الصناعية والمعالجات الكيميائية، وهذا جزء من اهتمامهم بالحفاظ على الصحة العامة للإنسان والحيوان.

ولكن بعد إنشاء سد وادي عاهن أصبح المكان كأطلال عفى عليها الزمن، بيئة جرداء قاحلة مقفرة، وأصبحت الأرض مدر وحجر دون شجر، وهذا أمر طبيعي بسبب انقطاع المياه عن مجرى الوادي لفترات طويلة؛ وبالتالي تم القضاء على المناطق الرعوية بنسبة كبيرة جدًا، فلم يجد مربو المواشي سبيلًا لتعويض ما فقدوه من مراعي إلا اللجوء إلى الأسواق لشراء الأعلاف بقدر ما يسد رمق هذه المواشي، مما أثقل كاهلهم المادي فكان ذلك سببًا مباشرًا لترك تربيتها اضطرارًا لضيق ما في اليد.

رابعًا: إن انقطاع جريان المياه في مجرى وادي عاهن أعطى انطباعًا خادعًا بأن هذا المكان الشاسع غير المأهول بالإمكان عمرانه وإعادة تأهيله واستغلاله، فعد بعضهم ذلك مسوغًا للاعتداء على مجرى الوادي، فأنشِئت المساكن والمزارع والعزب وممتلكات ليس للمواطنين فقط، حتى لبعض المؤسسات الحكومية، ثم بعد أن تعرضت المنطقة لمنخفض المطير الذي ضرب المنطقة في شهر ابريل 2024 انكشف سوء هذا التخطيط، كميات هائلة جدا من المياه لم يستوعبها السد رغم ضخامته، فذهبت تبحث عن مجراها الرئيسي الذي أوجدته لنفسها منذ آلاف السنين فحملت معها ما خف وزنه، وأغرقت المساكن والممتلكات، وحطمت المزارع، ومسحت الشوارع، وجرفت مواشي كثيرة، فكانت كارثة لم تكن في الحسبان سببها النظرة الضيقة التي أدت إلى سوء التخطيط والتعدي على مجاري الأودية.

بُعد النظر إلى كل تلك الآثار البيئية السلبية وغيرها مما لم يذكر في هذا المقال، نستطيع أن نقول أن سد وادي عاهن قد يكون مفيد لبعض المناطق الواقعة بعده، لكنه يلحق الضرر والكوارث بمناطق أخرى.

فنحن اليوم- بعد ثلاثين عاما من إنشائه- لا بُد أن نقيم الوضع بشفافية تامة؛ وأن نقف أمام هذا السد وننظر إليه بشموليه لنعرف أين الخلل، لنضع استراتيجية واضحة لإصلاح ما يمكن إصلاحه بطرق علمية مدروسة.

وإلى أن نقتنع بما اقترفته أيدينا من أخطاء، ونبدأ العمل بجدية؛ لا بأس أن نتحاور مع هذا السد، ونتخاطب معه باللغة التي يفهمها، وأن نوجه إليه الأسئلة التي تدور في بال كل واحد منا، على سبيل المثال؛ نسأله: أيها السد: كيف نتغلب على السلبيات التي صارت بسببك؟ كيف نتفادى مستقبلًا الأضرار والكوارث التي قد تلحقنا بسببك؟ بماذا تشير علينا من أجل الاستفادة منك بالطرق المثلى؟

مؤكد أن الإجابة لن تكون صعبة على سد يعتز بانتمائه الوطني، وله من الخبرة زهاء ثلاثين عامًا في العمل، ولا أظنه سيطلب المستحيل.

الأكثر قراءة