د. أحمد بن علي العمري
أي صراع في العالم له أسبابه والضالعين وراؤه وحيثياته ومعطياته ومنطلقاته وربما دوافعه، ومنذ أن فازت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في إسرائيل بالانتخابات وهي أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ الكيان الصهيوني على الإطلاق برئاسة بنيامين نتنياهو المتعطش للحروب والدماء والذي يُكوِّن مثلث الشر الخطير مع بن غفير وسوميرتش.
وبدأ هذا الثالوث يلوحون يمنة ويسرة بحثًا عن مشاكل وحروب ودماء وقد رموا بكل الاتفاقيات والالتزامات في قعر البحر، ولم يلتزموا بأي قرار دولي ولم يعبأوا بأي واجب أخلاقي ولا حتى إنساني، وبدأوا يقضمون الضفة الغربية الفلسطينية الحرة بالمستوطنات، حتى جاءهم الفرج- حسب اعتقادهم- مع "طوفان الأقصى"، فانتهزوا الفرصة ودكُّوا غزّة وسوُّها بالأرض، ولم يحسبوا للعالم أي حساب، ولا للإنسانية أي اعتبار؛ فقد دمروها بجميع فئات سكانها من رجال ونساء وأطفال وشيبان، ولكن الله أكبر من كل طاغية ومتجبر، وإنه يُمهل ولا يهمل، ففشلوا ولم ينجحوا في القضاء على المقاومة، وتحديدًا حركة حماس، ولم يستعيدوا الأسرى، حسب ما حددوا أهدافهم. وكان لا بُد عليهم أن يشغلوا جمهورهم بشيء، لينسى وعودهم، فحاروا وارتبكوا مثل الثعبان الذي ينقطع ذيله فيلوذ في كل الاتجاهات؛ فاتجهوا إلى لبنان وقد راق لهم الأمر، فبعد تفخيخ "البيجرات" وأجهزة الووكي توكي، والاغتيالات وعلى رأسها زعيم المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.
وعن الاغتيالات لا بُد لنا أن نستعرض بعض المعطيات لاغتيال حسن نصرالله، وهو رجل نتيجة لقيادته الطويلة لحزب الله بدأ يقف في المنتصف بين المقاومة والسياسة، وقد بدأ يميل قليلا إلى السياسة نسبيًا، وهو الموقف المعتدل والواقعي.. والآن ومن بعد اغتياله ماذا يضمن لإسرائيل أن الذي سوف يخلفه لا يكون أكثر شراسة منه ويواصل رفع شعار المقاومة وحدها بعيدًا عن السياسة وألاعيبها. وقد سبق ذلك اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في قلب طهران وفي يوم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وهو ينطبق عليه ما ينطبق على حسن نصرالله من حيث الاعتدال. وجاء من بعد هنية يحيى السنوار وهو لا يؤمن سوى بالمقاومة طريقًا للتحرير، فهل جنت على نفسها براقش؟ وهل سيأتي يوم على الكيان الصهيوني الذي يتمنى أنه لم يغتل هنية ونصر الله؟
الأيام المقبلة سوف توضِّح ذلك. لقد انتشت إسرائيل بنجاح اغتيالاتها وفرحت بالنصر، وقبلها كان نتنياهو قد عرض خارطتين في الأمم المتحدة؛ إحداهما للخير وأخرى للشر، حسب ادعائه، فبدا نتنياهو يتكلم عن الشرق الأوسط الجديد- حسب مفهومه- بكل تبجح وغرور وغطرسة وعنجهية، وكان لسان حاله يقول "أنا ربكم الأعلى". ومما زاده نشوة وتبجحًا، انضمام جدعون ساعور إلى الحكومة ليزيدها تطرفًا؛ فشعر بتعظيمٍ لم يشعر به من قبل، وبدأ يجر أمريكا إلى حرب إقليمية مع إيران، وقد تجلى له أن إيران لا تريد الحرب أو حتى تهابه!
نعم.. أمريكا التي تصرح بأنها تُعارض إسرائيل في كل توجهاتها، لكن عندما تُنفِّذ إسرائيل تؤيد وتبارك، فهل هذه لعبة علينا؟ وهل هي ضحك على الذقون؟
وعلى الطرف الآخر، أوهمت أمريكا الضعيفة أمام إسرائيل والتي تحسب لأجل الانتخابات ولا تعرف ماذا تفعل وكيف تتصرف! أوهمت أمريكا إيران وخدعتها بأنها سوف تضغط على إسرائيل وتوقف الحرب في غزّة، وتنسحب منها وطلبت منها عدم الرد على اغتيال هنية أو على الأقل تأخيره والكل يعلم أن الأسلحة والمعدات والذخائر والتجهيزات التي تضرب بها إسرائيل هي أمريكية وأوروبية، وقد أعلنت أمريكا وأوروبا مرارًا وتكرارًا أنها تقف إلى جانب إسرائيل سرًا وعلانية!
لقد تبطر نتنياهو وتجبر فإذا به يضرب غزّة ولبنان وسوريا في ليلة واحدة، وكان الليلة التي سبقتها قد ضرب الحديدة في اليمن.
فإذا بايران التي لم تحتمل المزيد تضرب وبشكل مفاجئ أغلب المدن الإسرائلية بما يقارب من 200 صاروخ في 15 دقيقة؛ منها الفرط صوتية التي لا تُرد ولا تُصد، فارتجت إسرائيل رجًا ووجهت الحكومة؛ بل ومنعت كل وسائل الإعلام بما فيها الوسائل الاجتماعية من النشر بقصد التكتم؛ حيث أخذتها العزة بالإثم، لكن هناك من شاهد وصور ووضح الزلزال الذي حدث وظهر نتنياهو شاحب الوجه مرتبكًا بكلمة تُناقض نفسها بنفسها. وقال إن الهجوم الإيراني فشل، لكنه قال في آخر كلامه إن إيران ارتكبت خطأً كبيرًا وسوف تدفع الثمن… فكيف ذلك.. فإذا كان الهجوم فاشلًا فهل يستحق الرد؟ ثم إن كان هجوم إيران خطأً كبيرًا من طهران يستحق الرد فلماذا هذا إن لم يكن ارتباك وسوء تقدير وقليل من الفهم السياسي والمعنوي.
ثم في اليوم التالي حاولوا الدخول بريًا إلى لبنان؛ ففشلوا ورجعوا بضباطهم وجنودهم في التوابيت، وهذا في حد ذاته غباء وعنجهية إسرائلية غير مدروسة.
هكذا يجر المتطرفون الصهاينة إيران وأمريكا على السواء إلى حرب إقليمية، أمريكا التي نقلت أساطيلها وبوارجها وكل قواها إلى المنطقة، إضافة لتواجد ما يزيد عن 42 ألفًا من جنودها، فما السيناريو المحتمل في قادم الوقت (والذي نرجو أن لا يحدث)؟ لكن الوقائع تقول إنّ إسرائيل سوف ترد برد أكبر وبعدها ترد إيران برد أكبر وأشد؛ فتشتعل الحرب، وإذا اندلعت الحرب ستكون حربًا شاملة، ولن تكون إقليمية وحسب، والمؤكد أن أمريكا سوف تجعلها حربًا عالمية وضارية، لأنها سوف تحارب مع إسرائيل وربما تنضم فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وحينها سوف تتدخل الصين التي ضايقتها أمريكا كثيرًا في الآونة الأخيرة، وكذلك كوريا الشمالية ستنضم إلى صف إيران وربما تنضم روسيا لوجستيًا؛ حيث إنها مشغولة بالحرب مع أوكرانيا، وربما تضرب بعض نواحي أوروبا؛ حيث بلغ السيل الزبى، وهذه هي الحرب الشاملة؛ بل ستكون الحرب العالمية الثالثة، إن لم تكن نهاية العالم لا سمح الله.
بالتأكيد سنكون نحن سكان الإقليم الأبرياء المتضررين ونحن الضحية شئنا أم أبينا؛ لأن الحرب ستدور رحاها في منطقتنا، وسيكون الشرق الأوسط ساحة واسعة للمعركة.
والسؤال: هل هناك من منبه أو منتبه للخطر المحدق؟ وهل يسمح العالم للذين يعرفون بأنهم جيش له دولة أن يتحكموا بمقدرات العالم؛ بل وتدميره لأهواء شخصية متطرفة؟ أم أن هذا قدرنا بلا حول ولا قوة منا.
هذا ما أوصلنا إليه تفرقنا وانقسامنا وضعفنا وانهزامنا وحتى ثرثرتنا.
حمى الله العباد والبلاد في الشرق الأوسط من كل شر ومكروه.
وأخيرًا.. لا يفوتني أن أشيد وأفتخر بكل شموخ وعزة وكرامة بموقف بلادي سلطانًا وحكومة وشعبًا، وهو موقف ملتزم وواقعي ومنطقي وعقلاني.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.