نفاق الغرب والقيادة السامة

 

محمد بن رضا اللواتي

مَرَّ على أغلبنا مصطلح "القيادة السامة" في علم الإدارة، وقد كتب الدكتور محمد الرميحي مُعِّرفًا إياها فقال: "ظهر اصطلاح ’القيادة السامّة‘ في علم الاجتماع السياسي بعد الحرب العالمية الثانية، وكان في البداية يشير إلى ما فعلته النازية والفاشية في مجتمعاتها وحروبها؛ إذ قادتها إلى الدمار، تحت شعارات نيل حقوقها ’المشروعة‘ في أراضي شعوب أخرى! ومن ثم انتشر المصطلح ليصف انتشار التوجه القمعي في قيادات العالم الثالث الشمولية، وهي دائمًا تقود شعوبها إلى الفقر والفاقة والتخلف، تحت شعار ’نيل الحقوق‘ أو ’حرب العدو‘".

في السنوات الأخيرة، بدأ بعض الكتاب الإسرائيليين يُطلقون على قيادة بنيامين نتنياهو لقب "القيادة السامة". وليس صحيحًا أن هذه القيادة المسمومة بكاريزما الكذب العلني قد تمكَّنت من خداع الغرب، وإنما نِفاق الغرب العالمي والذي لا يكاد أن يكون له نظير في عالمنا اليوم هو الذي صنع القيادة السامة وأضفى عليها الشرعية التي استعارها من قوانين الغاب، ولذلك فإنَّ "قتل 40 ألف مدني فلسطيني وتدمير مدن غزة وحصار مليون ونصف المليون من البشر، يطاردهم جيش نتنياهو من ركن إلى ركن في ذلك الشريط المقفل والذي اسمه غزة"- في نظر ذلك الغرب المُنافِق أمرٌ مقبولٌ، ويجب دعمه ومنع توقفه! في حين أنهم أدانوا إطلاق حوالي 180 من الشهب الثاقبة ذات مدى 1400 كيلومتر، والتي أطلقتها إيران في مساء الثلاثاء التاريخي (أول أكتوبر 2024) والتي انهمرت على أرض الكيان الغاصب لتُدمِّر 3 من قواعده العسكرية التي كانت طائراته الحربية تغفو فيها بعد جرائمها الشنيعة، واعتبروه حدثًا تجب مواجهته بكل حزم ومنعه صونًا لأمن إسرائيل!

بريطانيا، بالتوازي مع تأكيدات الولايات المتحدة بالالتزام بأمن إسرائيل، نددت على لسان رئيس وزرائها الهجوم الذي وصفه بـ"المتهوّر"، مؤكدًا أن بريطانيا ستواصل الدفاع عن أمن إسرائيل! الاتحاد الأوروبي من جانبه، فقد صاح عبر منصة "إكس" ينادي أن الاتحاد "يدين بشدّة" هجوم إيران على إسرائيل، مُنددًا بـ"تصعيد غير مسبوق" و"تهديد خطر للأمن الإقليمي".

أما رئيسة المفوضية الأوروبية، اعتبرت السؤال الذي وجهه لها أحد اليهود الذين نجت عائلته من الهولوكوست، بأنكم قد عاقبتم روسيا على أفعالها، فمتى ستعاقبون إسرائيل على جرائمها، سؤالًا سخيفًا، وصرَّحت بأنها تدعو إيران ووكلاءها إلى الوقف الفوري لهذه الهجمات، ونددت بقوة بالهجوم الإيراني على إسرائيل. فيما أكّد وزير الخارجية الفرنسي أن بلاده تدين الهجوم الذي شنّته إيران على إسرائيل، وأن فرنسا تكرر تمسكها بأمن إسرائيل، وتؤكد تضامنها معها، وأخيرًا وليس آخرًا، كتبت وزيرة الخارجية الألمانية على منصة "إكس" تقول إن ألمانيا تدين بأشد العبارات الهجوم المستمر الذي قد يُغرق منطقة بكاملها في الفوضى، مضيفة أن "برلين تقف بحزم إلى جانب إسرائيل"!

هذا هو الغرب المنافق، واشنطن وبرلين وباريس ولندن والمفوضية الأوروبية برمتها، وشركاء أساسيون في جميع جرائم إسرائيل وفي كل دم فلسطيني مهدور، ومنزل مهدوم، وفي كل قصف لمشفى ومدرسة ومسجد، إنهم صناع الإدارة السامة ومروجُوها.

أليسوا هم أنفسهم الذين تسابقوا على شن حربِ شعواء على الإنسانية لأجل إنزالها إلى مستويات أدنى من درجة المجتمعات الحيوانية، بجعل المثلية تتفشى فيها؟ أليست هي هذه العواصم نفسها التي عملت على تجريم كل من يقف ناقدًا لتحويل الإنسان إلى أنزل درجة عن الحيوان؟!

بلى، إنها هي، العواصم التي دخلت في حرب ضد إنسانية الإنسان، فهذه الإنسانية إذا ما ظلت متماسكة هكذا، لن يكون مقبولًا ضلوع هذه العواصم مع إسرائيل في دماء المظلومين والمستضعفين في الأرض، لذا لا بُد من تشويهها. ومن أرقى أشكال التشويه أن تظل الإنسانية خرساء قبال كل هذا النزف للدم البريء، دون أن تسمح لها هذه العواصم باتخاذ إلا موقف واحد فحسب وهو موقف الصم والبكم والعمي!

لقد أعادت صواريخ "خيبر" و"فتّاح 1" وأمثالها القدرة على "استعادة المبادرة" والنضال المستميت لإيقاف جرائم إسرائيل التي تخطت الأعراف الإنسانية برمتها، وجزمًا فإنَّ وعود الله تعالى لا تقبل أن لا تُستوفى؛ إذ يقول تعالى: "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)" (سورة الصافات).

لقد تكررت "لام التوكيد" في هذا السياق القرآني مرتين، وتكررت عبارة "حَتَّىٰ حِينٍ" مرتين أيضًا، لتؤكد أن الانتظار للحظة زوالهم لا تتعدى في نظر الله "حين"، وما أقلها من فترة زمنية في دهر ممتد لا غورَ لنهايته.

الأكثر قراءة