سعيدة بنت أحمد البرعمية
قالها السيِّد حسن نصر الله الذي استشهد مُدافعًا عن أرضه ومؤازرًا لغزة: "لا تسوية بدون غزة"، انفرد بموقفه الشجاع ورفض المُقايضة أو التَّسوية في حرب لبنان دون غزة، وهذا ما لم يُعجب مُشعلي الحرب فلم يكن منهم إلاّ أن يلجأوا لغدرهم المُعتاد، لاشك أنَّ المُصاب جلل والفقد عظيم ولكن الدفاع عن الأوطان ثمنه غال، تشتد الحرب على العرب ضراوة وقسوة، جميعنا نتابع بقلق ما يحدث من الأحداث والتطورات، وبات الحدث وحده ما يُحدد سعادتنا أو حزننا من كثر ما نرى من قسوة الإنسان على الإنسان ومن بيع الأخ لأخيه، ومن حجم التغاضي والمبررات والانبطاح والتفرّج؛ لقد أصبحنا جميعًا في الخندق النفسي للحرب الإجرامية على المستويين الميداني والنفسي ولعب الإعلام دورا كبيرا في ذلك.
هل سيُهزم العرب باستشهاد القادة!
الخلود وحده للفكرة أما الأجساد فمصيرها الفناء، يبدو لي أن هذا ما عجز عن فهمه الكيان الصهيوني؛ فمُخطط حصد رؤوس القادة يتطور تطورًا بالغًا، يظنون أن الحرب ستنتهي بموت القادة، ولكن الفكرة موجودة والمقاومة مدرسة تصنع قادة يؤمنون بضرورة الموت في سبيل الوطن، وأن أرواحهم ترقى للجنان ويبقي خلفهم من يستلم الراية، لهم المجد والخلود ولنا الرحمة فهم الأحياء ونحن الأموات.
انتهج الكيان نهج إبادة القادة ويلوحون بضرورة الإقدام على الحرب الشاملة، وهل عمليات الاجتياح البري نجحت في غزة حتى تنجح في لبنان، أم أن النصر المفقود في غزة سيتحقق في لبنان؟!
يبدو أنَّ نتنياهو لم يعد يجد طريقة يلهي بها غضب شعبه المتشرذم والتفكك الداخلي والانقسامات في كيانه والتهجير من مدن الشمال سوى البحث عن نصر خارج غزة، وهذا ما يُحاول صنعه في لبنان من خلال الاغتيالات البشعة؛ ظاناً أنه يُحقق أهدافا فيمتص قليلاً ما يضمره له الداخل الإسرائيلي، وهذا التفكير ليس بغريب على مجرم حرب يسعى لسفك المزيد من الدماء ليواري إجرامه خلف أيّ نقطة يسجلها وإن كانت خارج غزة، وبالفعل استطاع الكيان تسجيل نقطة خارج غزة باغتيال مجموعة من القادة، الأمر الذي فشل بتسجيله في غزة، وإذا فكرنا ملياً بالأمر نرى أنَّ أكثر القادة الذين استطاع الكيان اغتيالهم هم من حزب الله؛ الأمر الذي يرجح أحد الأمرين، إما فشل استخبارات الكيان في غزة ونجاحها خارج غزة سواء في لبنان أو إيران، أو وجود خلايا للخيانة في صفوف حزب الله، في المُقابل فشل الكيان فشلاً ذريعاً في الوصول للسنوار بالرغم من كل الإغراءات والمكافآت التي وضعها لمن يأتي عنه بخبر.
هذا يُشير إلى أنَّ صمام الأمان للقسام على مستوى عالٍ من الأمان ووحدة صفوف الغزاويين على الهدف والفداء بالرغم من قلة الإمكانيات الحربية لديهم، فقد استطاع الكيان اغتيال السيد حسن نصر الله في غضون هذه المدة القصيرة وفشل مرارا في اغتيال السنوار على مدى ما يقارب العام، ممّا يُشير إلى أنَّ الحرب في غزة كانت ولا تزال الأصعب على الكيان والتي أرهقته ومازالت ترهقه وتظل سلاسل الإجرام فيها وإجراءات التطهير العرقي فيها وصمة عار تلاحقه مهما حاولوا تسجيل نقاط نصر وقوة خارج غزة.
يأتي الآن الكيان الصهيوني ويصرّح بأنّ عملية الاغتيال للسيد نصر الله تمت وفق استخبارات الموساد الدقيقة جدًا والمعتمدة على التكنولوجيا في تتبعها وجمعها المعلوماتي؛ ليُعيد إلى الأذهان هيبة وعظمة الموساد التي أبادها السابع من أكتوبر من أذهان شعوب العالم، وليداري من جانب الخونة الذين يتاجرون معهم بالقيادات العربية المجاهدة، ولا عجب أن يعود الصهاينة للمحاولة مرارا بالتلاعب علينا بالمزيد من الأكاذيب لنهاب موسادهم وقوتهم كالسابق.
لكن ما يُثير في رأسي التساؤل: أين قوتهم التي لا تُقهر واستخباراتهم الدقيقة في العثور على قادة السنوار ورجاله، وأين استخباراتهم عن الصاروخ اليمني المُتزامن مع وصول نتنهم من واشنطن في مطار بنغوريون!
برأيي، هذه الحرب التي استنزفت راحتنا وأكلت تفكيرنا منذ أحد عشر شهرًا، فتحت باب جهنم على الصهاينة ونهايتهم باتت قريبة خاصة بعد تصعيدهم الأخير في لبنان واغتيال مجموعة من القادة؛ فغزة باقية وقادتها باقون يقودون الحرب، وحزب الله باقٍ ولديه بدل القائد قادة.
لقد أذاق العرب الصهانية لأول مرة مذاق التهجير والخوف والقلق والاضطراب ومختلف الإعاقات النفسية والجسدية والفرار للخارج ودخلوا في متاهة الجنون والموت على حد السواء، ومازال "العود في الطبل" على قول المثل الشعبي، لا أستطيع التكهن بالقادم ولكن حتماً سيرد حزب الله وسيكون الرد قاسياً على العمق الإسرائيلي والشمال، وربما الأيام القادمة تسوق إليهم مجددا سيف صلاح الدين بيد قادة آخرين.