منطقة الأمان الخادع

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

الأمان من أُسس الحياة وقاعدة العيش الرئيسة في طمأنينةٍ وسلام، وهو النَزعة الطبيعية الأولى للبقاء طويلًا عند المخلوقات وكُل بحسب سلوكه وما يُمليه عليه وعيه الخفي منه والمُدرك، وبالطبع فإنَّ الإنسان كامل التكليف على رأس القائمة لقُدرته الطبيعية والمُكتسبة على التمييز بين ما ينفعه وما يضره، لذلك ينحى إلى مواطن الأمان من خلال تهيئةِ نفسه وظروفه ومحيطه وسُبل معيشته بما يؤمن له حياةً خالية من المُنغِّصات، ويُكافئ كل ذلك مساعي تقليل الأخطار الطارئة وتجنب المخاطر المُحتملة التي قد تنشأ بشكلٍ مُباشر أو بالتبعية جراء أحداث مُركَّبة قد ينتج عنها أي ضرر وإن كان ضعيف الاحتمال أو بعيد المدى، وينعكس تأثيره على دائرة الأمان الوهمية الصغيرة التي يُحيط بها الإنسان نفسه بغرض البقاء في مُعتقد السيطرة الكاملة وتفاديًا لخروجه منها كي لايقع في دائرة الخوف المحاذية وقد يُفني حياته كُلها وهو يتجنبها، وبلا شك فإنه سيرضى هنا بالقليل اليسير والمتواضع وربما يركن للكسل أو التقاعس حتى يستمر بقاءُه في منطقة الأمان لأطول فترةٍ ممكنة.

كُل مخلوقٍ مفطورٍ على الشعور بالخوف وقيل حتى الأشجار، وبلاريب فإن الإنسان على قمة هرم كل الأنواع، وننزِع كُلنا إلى كراهية الشعور بالخوف مع أنه من القيم العليا إلا أن الطبيعة تُواصل الحث على الهروب منه وتجنب وقوعه أو الوقوع فيه ولكن خُصاصةٍ قليلة من الناس تستطيع تحييده، فينبُّذ أحدهم في لحظةٍ ما ضَجر منطقة الأمان التي تكتنفهُ ليواجه مخاوفه الجاثمة حائلًا بينه وبين رحابةِ ماورائها مما قد يتحقق إذا ما أقتحم عقبة الخوف الكؤود ومن البديهي أنه سيتاخم المجهول والإنسان عدو ما يجهل، ولا أتحدث هنا عن المغامرة أو المجازفة وإنما بذل دفعة جهد كبيرة كمحاولة تسارع مبدئية من الصفر للخروج من تمويه منطقة الأمان والراحة بإقصاء بعض العادات المُثبِّطة للانطلاقة الأولى والساحبة للعودة والبقاء في نفس الدائرة، والتي غالبًا ما تكون محدودة الموارد محصورة المقومات شديدة البساطة وخالية من التعقيدات وتشابك العلاقات.

إن العقل الباطِن يكره كل ماهو غير مألوف له ويحاول إغراق صاحبهِ في حالة عميقة من الحماية ولذلك يُعتبر هو المُثبط الأكبر لاجتياز سياج منطقة الشعور بالأمان، وحتى يألف ويعتاد أمراً ما فلابد من خوض غِماره في تجرِبةٍ جديدة تُجبره على التعامل معها، وقد يصعب على الكثير من الناس الانتفاض لتحقيق الحلم بسبب المُماطلة ومخافة كسر حاجز التكيف الذهني الذي يُسيطر عليهم، وهذا من أعقد مسوغات الحد من التطور وأحد بواعث تقزيم سعة الأفق واختبار تجارب جديدة في حياة الإنسان؛ إذ إن الخروج من منطقة الأمان سيُدخله مباشرةً في منطقة الخوف والتي غالبًا ما تكون مليئةً بالأعذار وإلقاء اللوم على الآخرين من حيث تغيير وتيرة النمط الثابت والنهج المألوف ودخول بعض التشابكات غير المُعتادة، ولكن مع قليلٍ من الثقةِ بالنفس والإصرار والمواصلة فإنه من السهل تجاوز مرحلة هذه المنطقة والخروج منها.

قد نجد أحدهم وغيره آخرون كُثر حين يُقرر السفر للسياحة مثلًا أو الخروج في رحلةٍ خلوية وهو يعد لها العدة وبشكلٍ مُفرطٍ أحيانًا يصل به إلى التفاصيل الفرعية في اتخاذ التدابير اللازمة وغير اللازمة، ويتكبد من حمل الأمتعة الشيء الكثير متجاوزًا مبدأ الضروريات والأساسيات وهو في الواقع يحمل معه منطقة أمانه دون أن يشعر كحماية نفسية وضمان عدم الخروج منها والوقوع في منطقة الخوف المُربكة والمُسببة لنقص الطمأنينة، بينما الواقع ليس كذلك في معظم الأحيان لو أنه تمكن من شحذ همته وتحدى نفسه لتجاوز مرحلة القلق ومايعتِلق بها من معوقاتٍ كابحةٍ لوجد نفسه في منطقة التعلُّم التي ستُعينه في التغلب على مخاوفه من ناحية التكيف مع التحديات الطارئة كمكاسب لمهارات جديدة تدخل ضمن توسيع منطقة الأمان ودائرتها القديمة الضيِّقة، وسيجد نفسه قد تخلص تدريجيًا من رتابة العادات البسيطة التي كان يستحسنُها سابقًا بسبب مخاوفه.

ولنقس على ذلك المشروع التجاري الصغير الذي يحاول أحد الشباب الإنخِراط به، بعد أن قرر مُغادرة دائرة الأمان الوهمية والتمرد على دثارة جلباب بعض المُعتقدات الذاتية وتكبُّد شيءٍ من الصِعاب مع إصرار صلبٍ على تجاوزها ونبذ الرضوخ للمثبطات الجاذبة للنكوص في دائرةِ الخوف التالية، وما أن يتجاوزهما إلى مساحة التعلم الأكثر رحابة سيكون قد قطع شوطًا كبيرًا في مرحلة التنفيذ وبلاشك فإن مرحلة النمو الأخيرة ستكون بانتظارة وآفاقها اللا محدودة تُرحب به لكسب طموحاته وتحقيق أحلامه، وسوف يكتشف حينها أن هناك مزيدًا من الأهداف تتولد باستمرار ويجب السعي لإحرازها ومن الطبيعي في هذا المستوى أن يبذل مزيدًا من الجهود نظير ماوجده وسينبذ الأفكار التي كانت تساوره سابقًا للبقاء في منطقة الأمان الزائفة ذات مقومات العيش الدنيا بأقل الموارد والتي كانت تبقيه فقط على قيد الحياة.

عزيزي الشاب/ عزيزتي الشابة، إذا ما أردتم تحقيق أحلامكم بكسب الأهداف وملامسة سقف الطموحات فعليكم التفكير عمليًا في هجر منطقة الأمان المتواضعة التي تحيط بعقولكم الباطنة، ولن يتسنى لكم ذلك إلا من خلال دفقة قناعة صارمة لشحذ الهمم وتحدي النفس والنفور من بعض العادات الشخصية الرتيبة والمعتقدات الظرفية المُرتابة، ولكن بشكلٍ مدروس ومُجدول دون تهورٍ أو مُجازفة، مع مراعاة الأصول الدينية الثابتة والثقافة المجتمعية السائدة ثم المواصلة والاستمرار، وأجزم غير مُتحيز أن النتيجة ستكون أكثر من رائعة وأن أمثلة النجاح في هذا المقام كثيرة والشواهد مُبرهنة، وتأكدوا بأن معظم الناجحون اليوم كانوا ضمن دائرة منطقة الأمان الخادع في يوم من الأيام.