الرؤية- سارة العبرية
شهدت السنوات الأخيرة تضافر الجهود الوطنية لتوظيف وتوطين التقنيات المتقدمة لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم، لتتوج هذه الجهود بأن أقر مجلس الوزراء برئاسة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية المُتقدمة وتنفيذ مشاريعه ومبادراته.
ويهدف هذا القرار إلى رفع ترتيب سلطنة عُمان في مؤشر جاهزية الحكومات في الذكاء الاصطناعي من خلال تبنّي وتوطين التقنيات والتشريعات المُتعلقة به، وتعزيز إنتاجية القطاعات الاقتصادية والتنموية وزيادة عدد شركات التقنية الناشئة المتخصصة في تطوير الحلول المحلية في هذا المجال.
ولقد بادرت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في عام 2020 بإنشاء البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، كجزء من هيكلة الوزارة وأحد البرامج التنفيذية للبرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي، حيث يُعتبر هذا البرنامج توجهاً استراتيجياً لتعزيز تبني الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في سلطنة عُمان، استناداً إلى مراجعة استراتيجيات دول مثل الصين واليابان والمملكة المتحدة وروسيا، بالإضافة إلى متابعة التقارير الدولية من مؤسسات مختلفة.
وتضمن البرنامج تنظيم عدة لقاءات وورش عمل مع شركاء من القطاعين العام والخاص، وكذلك الأكاديميين ورواد الأعمال المتخصصين في هذا المجال؛ بهدف الإشراف على تطوير برنامج وطني شامل يتناول السياسات والتشريعات وبناء القدرات والبحث والابتكار، فضلاً عن التصنيع والاستثمار وتطوير الشركات الناشئة، وتعزيز التنسيق والتعاون بين أصحاب المصلحة وتبادل المتطلبات المُتعلقة بالذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى التواصل مع الجهات المحلية والدول المتقدمة والمنظمات الدولية المعنية.
ويسعى البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي إلى مضاعفة إسهام الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي ليقفز من 2% في العام 2021 ليصل إلى 10% في عام 2040، بالإضافة إلى ذلك، يستهدف البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي أن تتبوأ السلطنة مراتب متقدمة عالميًا في مؤشرات الاقتصاد الرقمي المختلفة التي ترصدها رؤية عمان 2040 مثل مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية ومؤشر جاهزية الشبكات.
ويحتوي البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي على مجموعة من البرامج التنفيذية متوسطة المدى، مثل برنامج التحول الرقمي الحكومي وبرنامج البنى الأساسية وبرنامج الصناعة الرقمية وبرنامج التجارة الإلكترونية وبرنامج الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة وبرنامج الفضاء.
ويهدف برنامج الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة إلى تعزيز مكانة السلطنة كقوة تنافسية في هذا المجال، من خلال رؤية تستند إلى بناء ميزة تنافسية مستدامة.
ولتحقيق ذلك، يتمحور البرنامج حول عدة مهام رئيسية تشمل بناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات العامة والخاصة والأكاديمية ورواد الأعمال، لتوحيد الجهود لتطوير القدرات المحلية وربطها بمتطلبات سوق العمل، كما يسعى إلى تشجيع استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الأساسية مثل التعليم والصحة والدفاع، بهدف تحسين جودة الخدمات الحكومية.
ويركز البرنامج أيضاً على تحفيز القطاعات الإنتاجية لتحقيق التنويع الاقتصادي من خلال دمج التقنيات المتقدمة، بالإضافة إلى دعم الصناعات القائمة على إنتاج المكونات الأساسية لهذه التقنيات عبر إشراك القطاع الخاص.
ويتطلع البرنامج إلى تحديث منظومة التعليم لتواكب المتطلبات التقنية الحديثة، ودعم البحث العلمي والابتكار، وتعزيز البيئة التنظيمية من خلال وضع تشريعات مرنة تواكب التحولات التكنولوجية، وتحديد معايير قياس الأداء بما يضمن تقدم السلطنة في تبني هذه التقنيات بالمقارنة مع الدول الإقليمية والعالمية.
ويركز محور تعزيز إنتاجية القطاعات المستهدفة للتنويع الاقتصادي على تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجالات اقتصادية متنوعة مثل الثروة السمكية والزراعة والنقل والطاقة، مع أهمية تأهيل الكوادر البشرية لمواجهة تحديات المستقبل، كما يسعى لتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال دعم البحث والتطوير وبناء البنية التحتية اللازمة، ويشمل أيضًا تسريع نشر تقنيات الاتصال الحديثة وتعزيز الأمن السيبراني.
ويهدف محور تنمية القدرات البشرية في الذكاء الاصطناعي إلى التعاون مع المؤسسات الأكاديمية لتطوير برامج تعليمية متخصصة، وإطلاق تدريبات عملية مع الشركات الرائدة، بالإضافة إلى نشر الوعي حول إمكانيات الذكاء الاصطناعي من خلال ورش العمل والفعاليات، كما يشجع على الابتكار والشراكات لتمويل الشركات الناشئة، ويستقطب المواهب الدولية في هذا المجال.
ويتمحور تبني الذكاء الاصطناعي في القطاعات الأساسية حول تطبيق الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية لتعزيز التجارب للمواطنين والمستثمرين، مع دور حكومي داعم لتبني هذه التقنيات، ويتضمن ذلك تطوير الخدمات الحكومية الذكية، وزيادة الطلب على التطبيقات من خلال المشتريات الحكومية، وتسهيل الوصول إلى البيانات الوطنية عبر منصة لإدارة البيانات المفتوحة.
أما بالنسبة لمحور حوكمة الذكاء الاصطناعي برؤية محورها الإنسان فيُسلط الضوء على تعزيز الاستخدام الأخلاقي والعادل والآمن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال مراجعة وتحديث القوانين والسياسات، ويهدف إلى تحفيز تبني الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة مع مراعاة القضايا الأخلاقية، من خلال وضع أسس تركز على الإنسان وخصوصية المجتمع، بالإضافة إلى حوكمة عمليات جمع البيانات وتطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي.