سعيدة بنت أحمد البرعمية
الجمال لا يعني دائمًا جمال الشكل، كذلك القبح لا يكمن في الشكل دون الجوهر، ومن الطبيعي جدًا أن تميل الأنثى وتُقدِم على شراء مستخضرات التجميل وفق ذوقها الخاص وبحكم طبيعتها التي تحبّ الجمال، لكن الجميل أن تتذكر الأنثى العربية عند إقدامها على شراء مستحضرات التجميل وتتهافت دون بصيرة على العلامات العالمية، أن لها أختًا منكوبة في غزّة سُلبت أنوثتها وأصبحت مستحضرات التجميل لا تعني لها شيئًا، استبدلت جمال الشكل بجمال الجوهر، واستبدلت الرقة بقوة الصمود لتكسب استحقاق البقاء؛ فهل يُعقل ألاّ تقاطع العلامات الغربية إزاء ما يحدثُ في عزة وفي فلسطين عامة!
يعتقد الكثير من الناس خاصة النساء أن العلامات التجارية جميعها تعني الجودة العالية والابتكار والتميز والهوية الفريدة للمنتج، وهذا غير صحيح، فقد قرأت سابقًا عن فكرة العلامات العالمية وتفاجأت أنها لعبة اختُرعت من أجل الحصول من خلالها على أموال الأثرياء، هذا يعني أنها وُجدت للأثرياء وليس للشخص العادي، ولكن ما يحدث أنّ الجميع يتهافت عليها وكأنها الهرمون التجاري للسعادة.
وصلنا إلى أحرج الأوقات التي مرّت بها الحرب ووصلنا ليوم نرى فيه اقبال النساء على متجر جديد افتتح فرعه الأول في سلطنة عُمان، وهو أحد أشهر علامات التجميل في العالم، وتُثار حوله اتهامات تتعلق بدولة الاحتلال الإسرائيلي.
فهل انتهى الاحتلال حتى نتصالح مع العلامات العالمية ونلوِّن بها وجوهنا ونقع تحت تأثير روائحها ونجرّب منها أحدث صيحات الموضة؟
هل ما زلتِ عزيزتي الأنثى العربية مهووسة بالعلامات الفرنسية بالرغم من موقف فرنسا المتأرجح مع غزّة والجاد والمتحيز في الوقت ذاته مع إسرائيل، هل توقفنا في عُمان عن المقاطعة حتى يُفتتح في مسقط متجر كهذا؟!
لكِ أخت في غزّة باتت لا تعرف معنى التجميل، ولا تعنيها روائح العطور، تدفن زوجها وأبنائها، وتصطف في صفوف المقاتلين وأنتِ من متجر لآخر تدعمين حربًا نكراء بكلّ سذاجة ضدها وعليها خصومها تناصرين! بأيّ منطق تفكرين؟!
ندرك من خلال ثقافتنا الدينية أن الجهاد إمّا بالنفس أو المال؛ فاتخذنا في ظلّ الوضع الراهن جهادنا بالمال من نهج المقاطعة، ومن خلال متابعتنا للأثر الذي ألحقته المقاطعة للشركات الموالية لإسرائيل، اتضح أنّ لها أثرًا كبيرًا لا يُستهان به، ممّا يدلل على أن المستهلك بإمكانه أن يختار لنفسه أن يكون الحلقة الأقوى أو الأضعف بحسب فكره وجديته وإرادته ونظرته للأمور. لم تعد هناك قيمة للأشياء في حال وجود البدائل؛ ففي البدائل متسع ومخرج للكثير من الأمور في الحياة خاصة الكماليات، فلماذا نتهافت ونتسابق مع الخواء إلى الخواء ونعود منه لا شيء معنا سوى الخواء؟
عزيزتي الأنثى العربية والعُمانية "قد يقتل الخطأ الطبي عدّة أشخاص، أمّا الخطأ الثقافي فيُبيد أجيالًا كاملة"، فكّري معي في هذه العبارة التي قالها الروائي الجزائري مولود معمري لندرك معًا أن ثقافتنا في التعامل مع الأمور بشكل أو بآخر له تأثيره، ماذا لو اتخذنا جميعا كنساء عربيات موقفًا حازمًا للوقوف مع أختنا المنكوبة في غزة واتجهنا للبدائل في شراء الكماليات وحتى الضروريات وزرعنا ثقافة المقاطعة في نفوس بناتنا، تأكدي أنكِ مؤثرة وفاعلة وتأثيرك سيصل كيفما كان نوعه، فلنحرص على ألاّ نتخلى عن إنسانيتنا كي لا نفقد أنوثتنا التي لن تعوضها أشهر علامات التجميل والأناقة، فلنكسب انسانيتنا وفكرنا وثقافتنا أولا، ونعمل على هذا المبدأ ونكون عونا لأختنا في الحرب لا عليها.
مخطئة عزيزتي حين تتوهمين أنك لا يستطيعين مناصرة أختك في غزّة وترين أن الحدود السياسية والجغرافية استطاعت فصلك عنها؛ لأن السمات المشتركة والهوية الدينية والثقافية ووحدة المبادئ والقيم ما زالت قائمة، فمن هذا المبدأ تستطيعين أن تؤثري بالإيجاب أو السلب، أن تكوني أختًا لها لا عدوة، داعمة لها لا عليها، فاختاري عزيزتي ما يليق بك كامرأة عربية لها ثقافتها وقناعاتها ومبادئ ثابتة لا تأبى للمتغيرات.