الفشل معيار النجاح

 

محمد بن حمود الصواعي

 

يعتبر الفشل في الصورة الذهنية المتولده لدى البشر هو الأخفاق نحو الوصول للهدف أو الطلب الذي يريده الإنسان والفشل هي مشاعر مختلطة بالحزن والخيبة نتيجة مثلا لفشل الإنسان في شراء سيارة أحدث نوع أو مثلا إنجاز رسالة ماجستير أو الدكتوراه أو مثلا النجاح في أحد الاختبارات للتقدم في احد مؤسسات القطاع الحكومي أو الخاص

ومن المعلوم طبيعة النفس البشرية تحب الانتصار وتفخر بالإنجاز َوتسعد بما حققته في أي مجال من مجالات الحياة في حين أنها تشعر بمشاعر الحزن والاحباط وخيبة الأمل خلف كل فشل أو أمر لم يتمكن من تحقيقه كما يذكر كونفيشيوس: " عظمة المرء لا تكمن في عدم فشله بل في عدم استسلام".

 

فلا يوجد نجاح بدون جهد ولا يوجد عطاء بدون مثابرة ولا يوجد إنجاز بدون تخطيط ولا يوجد أخفاق بدون سبب ولا يوجد فشل بلا عائق وظرف ولا يوجد خيبة أمل وإحباط بلا خلل يصلح أو نهج يقوم أو استراتيجية تتبع.

 

وعليه من خلال هذا المقال سنعالج الخطأ الشائع المتفشي الذي يبث وينشر بين الناس أن الفشل هو الكابوس المرعب وهو الموت الأسود وهو تكالب الهموم على المرء

 

هنالك من يعتبر السقوط في بداية الطريق هو بداية تكالب هموم الحياة عليه وهو فشل مرير وأمر لا ينبغي الخوض فيه مرة أخرى في حين هنالك من يعتبر الفشل هو بداية النهوض وأول خطوة من خطوات النجاح وهو مفتاح التفوق وخوض فصل من فصول الكفاح والنضال نحو تحقيق الهدف يقول تشرشل :"النجاح الحقيقي هو أن تنهض بعد كل محاولة فاشلة دون أن تفقد عزيمتك"

 

فمثلا أن شعرت في سيارتك نفضة أثناء السياقة والضغط على المكابح ( دوسة البترول) هنا تقوم بعدة فرضيات لمعرفة المشكلة ومعالجتها منها:

_ فحص الاكسل

_ فحص الرود

_ ثم أخيرا تكتشف الخلل وهو ضرورة استبدال العجلات بسبب تأكلها

 

 إن الفشل المصاحب مع كل محاولة خرجت منها بعدة معارف حول بعض المشاكل المصاحبة للسيارات كما أنك اكتسبت خبرة في معالجة هذا الأمر كما أنه ترسخ لديك تجربة من عدة تجارب.

 

 عندما يشرف المعلم على طلابه في مسابقة تأليف القصة يشارك بها على مستوى المحافظة هنا يقوم المعلم بعدة أمور منها البحث عن طلاب ذو براعة ومهارة في تدوين القصة بعدها يجتمع بهم ويعلمهم شروط ونظام المسابقة تأتي الخطوة الثالثة وهو تعليم وشرح للطلاب عناصر القصة

بعدها يأتي بنشاط عملي

وإثرائي للطلاب ثم يختار منهم الأميز والأكثر كفاءة من بين الطلبة الذين اختارهم.

 

من خلال هذه الأمثلة وغيرها نستنبط إن الفشل هو عبارة عن عدة محاولات يسعى إليها الإنسان لتحقيق هدفه وأنه في هذه المحاولات تتولد لدى الإنسان المعرفة والتعلم والخبرة والتجربة فيصبح صاحب خبرة وتجربة ناضجة في المجال الذى يسعى إليه

 

جرد من العزم سيفا تستعين به

إن التردد باب الضعف والكسل

والسعي حتى وإن أفضى إلى خطأ

خير من الجبن والتشكيك والوجل

مجد الحياة لمن يبغيه مقتنعا

 ما من نجاح إذا فكرت بالفشل

 

 

إذا الفشل هو بداية النجاح وهو خطوة نحو الفلاح والظفر ولو كان الأمر بيدي لقمت بحذف مصطلح الفشل والمستحيل من قاموس اللغة العربية واستبدلت كلمة الفشل ب لفظة ( المحاولة والتجربة) لأن من أهم ركائز النجاح هو أن يكرر المرء المحاولات عشرات المرات حتى ينجح  ويكرر التجارب عبر طرق متنوعة ومختلفة حتى يتمكن من تحقيق مراده.

لأن الألفاظ والمصطلحات لها مفعول سحري في الجانب النفسي والمعنوي.

هنالك أحد الرجال أحاطت به الهموم تكالبت عليه المحن حيث أنه فقد بصره ولديه أبناء أصيب بالفقر وضيق العيش بسبب سوء أحواله الاجتماعية فشعر بالعجز في الإنفاق وأخذ قلبه يختلج بالهموم وصل لمرحلة اليأس والقنوط من هذه الحياة فصعد ذات يوم نحو سلم غرفة السطح عازما على الانتحار فرأته أمته التي يملكها في بيته فلحقت به وصدمت عندما رأت عزم سيدها على الانتحار فجرت ومسكته بكلتا يديها ودفعت به بكل ما أوتيت من قوة على سطح الغرفة قبل أن يسقط في سقف السطح لتفشل محاولة الانتحار الذي عزم عليها فوجهت له كلمة من صميم قلبها مقدمة له نصيحة ذهبية في حياته حيث قالت:"بئس الرأي الذي رأيته، والعزم الذي عزمت عليه، كأنك لم تشعر أن من قتل نفسه متعمدا فإن له نار جهنم خالدا فيها؟ فالأولى أن تصرف همتك في طلب العلم لا في قتل نفسك، أتضيق بالعيال ذراعاك ولكل أكلة مرعى؟"

كانت لهذه الكلمات وقعها ومفعولها على قلبه فاستنهضت الهمم وأشعلت العزائم نحو المعالي وطلب العلم فشمرت نفسه على طلب العلم ووصل الأمر إلى علماء نزوى فاستأجروا له من يقرأ له كتب الشريعة

استمر على هذا الأمر وانكب عليه ليكمل مدة سبع سنوات من تعليمه فأصبح أعلم أهل زمانه وأخذت الوفود تتوافد عليه من جميع أنحاء عمان تستفتيه فأحسن الجواب ذلك الرجل هو الشيخ حبيب بن سالم أمبوسعيدي من علماء القرن الثاني عشر الهجري

انظروا إلى حجم تأثير الكلمة ووقعها في نفوس الناس فقد اتتشلت حالة الشيخ حبيب من الانتحار إلى عالم من علماء عصره.

كما يذكر مارك توين: " الكلمة الصحيحة هي القوة الفاعلة وكلما وقعنا على إحدى تلك الكلمات الصحيحة جدا يصبح التأثير الناجم عنها بدنيا، بالإضافة إلى كونه روحيا وسريعا وكأنه الكهرباء".

 

ومن المواقف المعاصرة في حياتنا اليومية مثلا : إذا تقدم شخص للاختبار لوظيفة سلاح الجو ولم يتمكن من تحقيق هدفه إذا قال عن نفسه ( فشلت في الاختبار) (ومستحيل أنجح) هنا يتسرب اليأس ويكون الأمل صعب المنال أو قال له من حوله (لايوجد جديد ما أول مرة تخفق في الاختبار) فهنا تصبح الكلمات والجمل بمثابة طلقة رصاص وهنا تكمن أهمية الكلمة وأثرها في رسم خارطة الفشل الذهنية لدى الفرد

أما لو قلنا لهذا الشخص:  (الخيرة فيما اختارها الله، ربما هناك أفاق جديدة وتجارب فريدة يفتحها الله عزوجل لك

فالأمل مازال موجود والحياة لم تنتهي) هنا تتغير البوصلة 180 درجة وينقلب الحال من اليأس والقنوط إلى الأمل والنجاح وهنا دليل  على الأثر الذي تتركه الكلمات والجمل في نفوس الآخرين فقد صدق سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم) حينما قال :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"

وكما يقال الكلمة الطيبة جواز مرور إلى جميع القلوب فكن إيجابيا وصاحب رسالة في كلماتك ولا تكن معول هدم ومرتع للشقاء ومرفىء للاحباط ومنبع للأخفاق.

 

كما أننا يجب أن ندرك أن الفشل يعتبر نجاحا إذا تعلمنا منه وخطوة نحو تحقيق أهدافنا إذا امتلكنا الإصرار والإرادة

 

ومما ينبغي الالتفات والانتباه إليه أن الفشل :

_هو المعلم الذي يعلمنا كيف ننجح؟

_وهو الطبيب الذي يساعدنا كيف نشفى؟

_ وهو المهندس الذي يعلمنا كيف نبني ونعمر؟

حيث يقول (شاه خان) :

" الحظ معلم فاشل أما الفشل فمعلم ناجح يجعلنا ندرك قيمة الإنجاز".

 

إن الحياة فيها الكثير من المطبات والعوائق وسيل من التحديات لذلك خلف كل نجاح هناك محطة بل محطات من الفشل  فقد عرف ونستون تشرشل النجاح     قائلا: " هو الانتقال من فشل إلى فشل دون أن نفقد الأمل" لأن كل محطة من محطات الفشل هناك تجربة مارستها أو خبرة اكتسبتها أو استراتيجية علمتها أو معرفة تعلمتها.

 

قد تختلف نظرة الإنسان لشؤون الحياة من شخص إلى آخر ولكن على الإنسان أن ينظر بعين التفاؤل والأمل لا بعين الاحباط والفشل فإذا جاء وقت الظلام هناك من سيرى فيه جمال القمر وبه سيتفاؤل في مواجهة تحديات الحياة وجعل من الفشل خطوة لتحقيق مراده.

 

ومن جانب آخر هنالك من ينظر إلى سواد الظلام بأنه يمثل القسوة والتشاؤم وهذا هو نهج اليأس َوالقنوط في مواجهة تحديات الحياة والسقوط أمام الصعاب.

 

كما أنشد امرؤ القيس في قصيدته في أحد أبياتها قائلا:

وليل كموج البحر أرخى سدوله

علي بأنواع الهموم ليبتلي

 

ينبغي على المرء أن يدرك أن الحياة تمتزج بها جميع النقائض فيوم لك ويوم عليك فهنالك مثلا انتصار وهزيمة وفرح وحزن وأمل وخوف ورخاء وشدة ونجاح وفشل فكن ذو فكر مستنير وعقل متوقد وشخصية جريئة في تحديد بوصلة الحياة.

 

إن الأقدام على أي مهمة وأمنية في الحياة كالدراسة أو الزواج أو التجارة تواجه المرء الكثير من التحديات والصعوبات فلا ينبغي الانهيار واليأس حتى وإن سقطت فليس عار ولا عيب أن تسقط ولكن العيب ألا تعود مجددا والوقوف على قدميك بعد التعثر والسقوط.

كما يذكر دينزل واشنطن:"لا يهم كم مرة تسقط، المهم أن تسقط في الاتجاه الصحيح"

 

إن القرآن الكريم لم يغفل إطلاقا عن ما يحرك المشاعر الإنسانية وأنه حريص إلى الدافعية وما يرفع وتسمو به النفس البشرية لذلك حذر القرآن الكريم من القنوط واليأس من رحمة الله وكان شديدا وحازما فيها فقد عبر الله عزوجل في كتابه الحكيم:

 

_" وَلَا تَيْأَسُوا من رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إنه لَا يَيْأَسُ من رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا القوم الْكَافِرُون"

 

_ ويذكر الله عزوجل في كتابه العزيز:" وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ"

 

_ ومما ذكره الله عزوجل عن المرادف لليأس في المعنى وهو القنوط قال تعالى :" وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ"

 

من خلال الآيات السابقة ورد ذكر القنوط في كتاب الله عزوجل 6 مرات في حين ورد ذكر اليأس في القرآن الكريم صيغها ومشتاقتها 13 مرة أما الفرق بين اليأس والقنوط أجمع أغلب أهل التفسير أنهما لفظتان مترادفتان في المعنى ولكن هناك خلاف في الأقوى والأبلغ تأثيرا فقط الآيات السابقة ربط اليأس بعد انقطاع الأمل باستحالة الوصول للشيء.

 

أما القنوط فقد اقترنت بالرحمة في 3 آيات من أصل 6 آيات عدد مرات ذكر لفظة  القنوط في القرآن الكريم

وعليه يعد اليأس أقوى في المعنى من القنوط كون اليأس انقطاع وفقد أي أمل يتمسك به الإنسان أما القنوط وإن كانت تدل علامة على ضعف المؤمن وعدم ثقته بالله عزوجل وهو منهيا عنه إلا أن الله عزوجل قرنها بالفرج والبشارة بعدما كان المسلم في حالة القنوط من رحمة الله أي وما فقده من صحة أو رزق أو الأكل والشرب وغيرها

 

أما الفشل وهو مرادف لليأس والقنوط فقد ورد ذكره في القرآن الكريم 4 مرات منها 3 مرات مرتبطة بالتنازع كعلاقة بين السبب والمسبب في حين ورد ذكر التنازع في كتاب الله 7 مرات أي الاختلاف وما يؤدي إلى التفرق والتشرذم.

 

وهنا نستعرض مواضع ذكر الفشل في كتاب الله عزوجل والمعنى الذي جاء يعبر به السياق القرآني والنتائج السيئة المترتبة على والألطاف الربانية والعناية الإلهية في حماية المؤمنين وانتصارهم على الفشل  وهي على النحو الآتي:

 

_ الآية 122 سورة آل عمران

قال تعالى :" إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"

الآية السابقة تتحدث عن استعداد المسلمين لغزوة أحد ووجود طائفتان من المسلمين أحدهما (بنو حارثة) من الأوس والأخرى (بنو سليمة) من الخزرج حاولت الطائفتان الانسحاب من المعركة واتباع عبدالله بن أبي سلول ثم بعد ذلك رجعت الطائفتان لرشدهما َوالذهاب لقتال المشركين في غزوة أحد هنا جاءت كلمة الفشل لتعبر عن حالة الضعف والجبن التي أصابت بها الطائفتان فينا لو إنسحاب من قتال المشركين ولكن حينما تغلبوا على مشاعر الخوف والضعف يكونوا قد تغلبوا على الفشل وقد عبر الله عزوجل أنهم ضمن أولياءه وهنا تشير الآية إلى نقطة مهمة وهو عزم الإنسان  التوكل على الله عزوجل حينما يقدم على فعل اي أمر من أمور الحياة فهو مفتاح النجاح وثمرة الفلاح والتوفيق.

 

ثم نتطرق للآيات الثلاث التي جمعت التنازع والفشل في نفس الآية وهي كالآتي :

 

1/ الآية 152 سورة آل عمران قال تعالى :

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ"

 

في هذه الآية يبدأ الله عزوجل بالتسلية والتفريج عما أصاب المسلمين في غزوة أحد فيذكرهم أنهم بالعزيمة والإصرار ووحدة الصف انتصرتم ثم عندما تنازعتم وعصيتم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في الثبات وعدم النزول من الجبل أصابكم الفشل وهو الهزيمة والخسارة عبر التفاف قائد المشركين في ذلك الوقت خالد بن الوليد قبل أن يدخل إسلامه وهنا الفشل جاء بسبب العصيان ونجاح التخطيط الاستراتيجي من جانب المشركين عندما استغلوا فرصة نزول المسلمين من الجبل والالتفاف عليهم من الخلف وهنا انقلب الوضع من نصر للمسلمين إلى هزيمة وخسارة.

 

2/ الآية 43 من سورة الأنفال

قال تعالى:

 

"إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ".

يعزز الله عزوجل في الآية السابقة من الطموح والرغبة في تحقيق النصر لدى المسلمين في معركة حاسمة ضد المشركين في غزوة بدر فقد كان رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام قلة جيش المشركين عاملا نفسيا هاما في التعزيز والتحفيز للنصر ولو حدث العكس لحدث النزاع والخلاف والشقاق فيما بينكم ولكن حكمة الله وعنايته اقتضت أن ترفع معنويات الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين عبر رؤية المنام حيث أن واقع المعركة كان عكس رؤية المنام حيث بلغ عدد جيش المسلمين مايقارب 314 مقاتل مقابل 1000 مقاتل المشركين ونظرا للاستعداد النفسي والمعنوي والتخطيط العسكري تحقق النصر لصالح المسلمين في غزوة بدر هنا ندرك الأثر النفسي ودوره الفعال في تحقيق النجاح وتجنب الفشل.

 

3/ الآية 46 سورة الأنفال

 

قال تعالى :"وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" ﴿٤٦ الأنفال﴾

 

هنا يؤكد الله عزوجل إن طاعة الله ورسوله واتباع الشريعة من عوامل النجاح ودفع الفشل والذي نتيجة النزاع والخلاف والتخاصم فيما بينكم تؤدي إلى تفرق الصف والهزيمة وضعف قوتكم أمام العدو كما يؤكد التعبير القرآني الحث على الصبر هو سبيل لتحقيق الهدف والنجاح لأن الصابر المكافح في سبيل تحقيق أهدافه ينال معية الله عزوجل حينها يكون محفوفا بالعناية والرعاية الإلهية.

 

نلاحظ من الآيات السابقة التي تحدثت عن الفشل مرة ومزجت الفشل مع التنازع في ثلاث مواضع الأمور الآتية :

_ تشابهت الآيات السابقة في ربط الفشل والاخفاق بالتنازع والاختلاف وعدم وضوح الرؤية والاختلاف في تحديد المسار والهدف المناسب

 

_ نلاحظ الآيتان في سورة آل عمران تحدثت عن غزوة أحد وربطت سبب الفشل هو ضعف التخطيط وتنفيذ أوامر القائد وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك تجنب التردد في القرارات الحاسمة كما حدث مع وفد بنو سليمة ووفد بنو حارثة

 

_ نلاحظ الآيتان في سورة الأنفال تحدثت عن غزوة بدر ففي الآية الأولى كشفت دور الجانب النفسي والمعنوي في تحقيق الهدف وهو رؤية المنام التي شاهدها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي قلة عدد المشركين مقارنة مع المسلمين اما الآية الثانية تؤكد أن طاعة الله ورسوله واتباع الشريعة الإسلامية عاملا حاسما في النجاح والتفوق وجعل الفشل جسر عبور لتحقيق الهدف والغاية الأسمى.

 

ومن هذا المنطلق سنتطرق إلى العوامل المساعدة والتي تجعل من الفشل نجاحا ومن الأخفاق سلما للصعود نحو الأمجاد ففي هذه الحياة لا فرح يدوم ولا سعادة تبقى ولا هم يستمر ولا حزن يخلد وهذا مصداقا ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله :

 وَلا تَجْزَعْ لنازلة الليالي

 فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ

وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُرورٌ

 ولا بؤسٌ عليك ولا رخاءُ

 

أولا / التوكل على الله والإيمان به

 

أن يكون لدى الإنسان طاقة إيجابية خلف كل محنة هناك فرج قريب وهذا لا يأتي إلا بقوة الإيمان واليقين بوجود إله معينا لنا نتوكل عليه ونعتمد عليه مع العمل الجاد والسعي الحثيث

هناك بعض الرزايا العصبية مهما سعيت تبقى الحلول لديك مستنفذة والحدود ضيقة فمثلا قصة سيدنا يعقوب عليه السلام مع أخوة يوسف كان ابنه يوسف أحب الأولاد إلى قلبه وكان خائفا عليه من أخوته خاصة بعد رؤية الكواكب والشمس تسجد لسيدنا يوسف عليه السلام التي تنبئ بالنبوة وحينما خرج سيدنا يوسف مع اخوته حذرهم من الذئب وما حدث له من الأحداث عندما رموه في البئر وعندما أخبروه أن الذئب أكل سيدنا يوسف  وهنا أول مرحلة عصيبة سيعيشها سيدنا يعقوب عليه السلام وهي عقبة مؤلمة له قال لهم : " قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ" هنا علم كذبهم حيث كان القميص الملطخ بالماء دون خدش ولا تمزيق هو العلامة والدلالة وهو على هذا الوقع المؤلم لم يصيبه اليأس والاخباط رغم فقد أعز أبناءه وغيابه عنه لفترة طويلة حيث ظل سيدنا يعقوب وما يكابده من ألم وهم وحزن لم ييأس ويقنط من رحمة الله واضعا بريق أمل على عودة ابنه   ورجوعه إليه حيث قال فصبر جميل والله المستعان

الهم الثاني والأكثر مرارة وصعوبة فقدان نعمة البصر

 من شدة حزنه على غياب ابنه  فأصبحت عزيمته قوية بالتوكل على الله وثقته به وقوة إيمانه

بعد ذلك ليفقد بعدها ابنه الأصغر الذي احتجزه سيدنا يوسف في مصر وهنا رد على أولاده بسوء ظن مع احتساب الصبر والدعاء والرجاء في ثقة لا تهتز بالله عزوجل قال تعالى :"قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَنِي بِهِمۡ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ".

 

ثم يأمر أولاده أن يذهبوا ويتحسسوا أمر ابنه وأخيهم وهذه قوة إيمانية عميقة بالله عزوجل أنه لم يخذله بالرغم من بعد المكان وطول مدة الغياب وفقدانه للبصر وفقدان ابنه الأصغر قال تعالى:" يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون" وهنا يحثهم على التمسك بالأمل ولو كان خيطا رفيعا لأنه اليأس هو بمثابة الكفر بالله وعدم الثقة بلطفه وقدرته ونتيجة لهذه الثقة المطلقة بالله عزوجل والتوكل عليه لم يخذل الله عزوجل عبده فقد كرم الله سيدنا يعقوب على صبره وكفاحه وجعل من الفشل سلما ودرجا يصعد به نحو الفوز والنجاح فقد التقى سيدنا يعقوب بابنه يوسف عليه السلام حيث تقدر المدة من 40 إلى 80 سنة على اختلاف الأقوال والروايات ورغم عناء سيدنا يعقوب عليه السلام طوال هذه الفترة ومصداقا لقوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وأنه ينال معية الله إن الله يحب المتوكلين

فقد عوض الله عزوجل سيدنا يعقوب الأمور الآتية:

_ ارجاع البصر بعدما رمى له قميص ابنه يوسف

_ لقاءه بابنه يوسف بعد الغياب الطويل

_ امتلاك ابنه خزائن مصر وأصبح ملك مصر

_ أصبح ابنه نبيا مصداقا لرؤية سيدنا يوسف أيام صباه سجود الكواكب والشمس والقمر له

 

إن أول الطرق التي تجعل من الفشل طريقا معبدا نحو النجاح هو الثقة المطلقة بالله عزوجل والتوكل إليه عند كل أمر تعزم إليه

 

ومن الأدوية التي ينبغي أن يستخدمها الإنسان دون حاجة إلى طبيب ولا دكتور جراحة ولا حقن ومسكن الألم وهو داء ذو فعالية عالية في تحويل الفشل إلى النجاح هو (الحسبلة) أي قول حسبي الله ونعم الوكيل التي تزيل الهموم وتزود الإنسان بجرعة من الأمل والتفاؤل

يقول غازي القصيبي :

أغالب الليل الحزين الطويل

     أغالب الداء المقيم الوبيل

أغالب الآلام مهما طغت

     بحسبي الله ونعم الوكيل

فحسبي الله قبيل الشروق

     وحسبي الله بعيد الأصيل

وحسبي الله إذا رضني

   بصدره المشؤوم همي الثقيل

وحسبي الله إذا أسبلت

    دموعها عين الفقير العليل

 

ثم ينطلق في ثقة قائلا كما عبر غازي القصيبي:

يارب أنت المرتجى سيدي

       أنر لخطوتي سواء السبيل

 

ثانيا / اختيار القدوة الحسنة

 

لاشك إن تجارب البشر وخبراتهم هي كنوز ثمينة ومعادن نفيسة حيث أنهم قدموا دروس للحياة ينتفع بها أنفسهم وتنتفع بها الأجيال القادمة عبر الزمان وعندما نعتبر ضرورة انتقاء القدوة الحسنة في مواجهة الفشل فأنهم روضوا الصعاب وجعلوا منها درجات يصعد منها نحو القمة فقد قال الله عزوجل في كتابه الحكيم في كتابه الحكيم : " لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً" وقد ذكر مايكل هارت في كتابه ( الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم) يذكر سبب جعل سيدنا محمد الأعظم من بين مئة شخص حيث قال :"لقد اخترت محمد صلى الله عليه وسلم في أول هذه القائمة، ولابد أن يندهش الكثيرون لهذا الاختيار ومعهم حق في ذلك ولكن محمدا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي" ولا اخفيكم فقد أعجبت بالمقارنة التي أبداها الكاتب ودقة ملاحظته في اختيار سيدنا محمد عليه افضل الصلاة وأتم التسليم الأعظم من بين البشر عندما ذكر عن البيئة التي نشأ فيها والظروف المحاطه ببيئته حيث قال :" وأكثر هؤلاء الذين اخترتهم فقد نشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة فكريا وسياسيا إلا محمد فقد ولد سنة 570م في مدينة مكة جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة متخلفة من العالم القديم بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن".

 

ومن هنا نرصد عدد من المحطات الصعبة التي كانت في طريق سيدنا محمد في حياته وقد نجح في اجتيازها وهو خير قدوة والمهم لنا في استحضار الصعوبات التي واجهها في حياته وحقق نجاحات باهرة على مستوى الأمة الإسلامية وهي على النحو الآتي :

*وفاة والده عن عمر يناهز 25 سنة حيث كان سيدنا محمد في بطن أمه لم ير النور بعد

 

*وفاة أمه آمنه بنت وهب عن عمر يناهز 6 سنوات ليصبح يتيما منذ طفولته

 

*وفاة جده عبدالمطلب الذي تكفل برعاية سيدنا محمد عن عمر يناهز 8 سنوات

 

*وفاة زوجته خديجة وعمه أبوطالب حيث بلغ عمر سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام مابين 40 إلى 44 سنة حيث كانا خير ناصر لدعوته ماديا ومعنويا ضد كفار قريش في نفس العام فسمي بعام الحزن نظرا للألم والحزن الذي اعتصر قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على فراق من نصر ووقف معه في أصعب مراحل حياته

أمام كل هذه الظروف والعقبات الصعبة خذلك جملة من الأحداث الصعبة لو استسلم لها ورفع راية اليأس والقنوط لتسبب في انهيار الدولة الإسلامية الفتية حديثة العهد

*عاش يتيما طوال حياته كان أميا لا يقرأ ولا يكتب

 

*مرحلة الدعوة الصعبة وما واجهه من أذى جسدي كوضع الجلود على ظهره وقت السجود والدهس على رأسه أثناء السجود وأذى لفظي كاتهامه بالسحر والجنون وهو المعروف بالصادق الأمين * استمرار الدعوة سرية لمدة ثلاث سنوات في دار الأرقم بن أبي الأرقم

*أصبح بيت الله الحرام محاطا ب360 صنم يعبد وهذا تحدي صعب جدا في سبيل نشر الدعوة ومحاربة الأوثان

*استشهاد أعز الناس ومن اقربائه في سبيل الجهاد في سبيل الله على سبيل المثال لا الحصر كابن عمه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه وقتله على يد وحشي بن حرب وبقر بطنه ومضغ كبده من قبل هند بن عتبة

 

أمام هذه المنعطفات الصعبة والسبل الوعرة والمنحدرات الخطيرة كانت أكوام من الجليد تقف أمامه ولكن لأنه القدوة الحسنة وهو من أرسل رحمة للعالمين ولا ينطق عن الهوى فقد نجح في نشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية وتمكن من فتح مكة وتدمير جميع الأصنام التي تعبد فقد كان أثره عظيما جدا فكرا وخلقا ودعوة وجعل للعرب والمسلمين حضارة ومحدا ينطلقون منها لتحرير الشعوب والأوطان من العبودية والظلم والدخول في دين الله أفواجا.

 

فمن هنا خير ملهم لتحويل الفشل إلى نجاح هو اختيار قدوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه مايكل هارت :" أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ" كما قال عنه :" بهذا الامتزاج بين الدين والدنيا جعلني أؤمن أن محمد صلى الله عليه وسلم هو أعظم الشخصيات تأثيرا في تاريخ الإنسانية كلها".

 

ثالثا/ الإصرار والعزيمة

 

هي القوة الخفية النابعة من داخل الإنسان فيكرر المحاولات والأفعال أكثر من مرة حتى يجد المخرج المناسب.

 

كما يقول امرؤ القيس :

فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال

ولكنما أسعى لمجد مؤثل

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

 

كثير من سير الغابرين نفضوا غبار اليأس وأزالوا جبال من الهموم الرأسية على رؤوس الشعب وزحزحوا صخور الأخفاق الجاثمة على الطرقات فقد ارتدوا لباس الإيمان وامتطوا جواد العزيمة واستلوا سيوف الإصرار وبثوا أمواج التفاؤل ونثروا بذور الأمل و نشروا عبير التفوق وهذا ما يتمثل مع القائد اليعربي الإمام ناصر بن مرشد اليعربي فقد ولد في بيئة مضطربة وقبائل متناحرة تطمع في السلطة تحت وطأة وحش كاسر تمثل في الاحتلال البرتغالي الغاشم

وأمام ظروف اجتماعية قاهرة تمثلت في وفاة والده والعيش يتيما وحالة الفقر وضيق العيش ومساعدة والدته في أعمال البيت والمزرعة منذ صغره وأوضاع عمان المأساوية حيث نهبت ثرواتها على يد الاحتلال البرتغالي وحكام القبائل فقد اختير من قبل أهل الحل والعقد والدي يبلغ عددهم تقريبا 40 عالما الإمام ناصر بن مرشد حاكما على عمان وهو شابا يافعا ابن واحد وعشرين ربيعا في ظروف سوداوية مكفهرة فقد كانت عمان منقسمة تحت سلطات متفرقة وجميعها تعمل لمصلحتها الخاصة وليست لمصلحة الوطن مع وجود الاحتلال البرتغالي و الفارسي وهي على الشكل الآتي :

 

ـ الرستاق، مالك بن أبي العرب.

ـ نخل، سلطان بن أبي العرب.

ـ سمائل، مانع بن سنان العميري.

ـ حصن سمد العالي، علي بن قطن الهلالي.

ـ إبرا، محمد بن جيفر

ـ إزكي بيد بني عزرة.

ـ نزوى، بيد سلطان بن محسن بن سليمان النبهاني .

ـ منح، بيد الأغابرة.

ـ حصن بلاد سيت وبهلا بيد سيف بن محمد الهنائي.

ـ حصن مقنيات وبات بيد الجبور.

ـ حصن ينقل بيد ناصر بن قطن الهلالى.

ـ حصون الجو {البريمي} بيد بني هلال.

ـ حصن لوى بيد سيف بن محمد جفير .

ـ جلفار الصير {راس الخيمة} بيد ناصر الدين العجمي يحكم من قبل الفرس.

ـ حصون صحار ومسقط،وصور وقلهات وقريات بيد البرتغاليين .

 

إذا غامرت في شرف مروم

فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر صغير

كطعم الموت في أمر حقير

 

لم يكن الإمام ناصر بن مرشد يؤمن بالمستحيل لأنه غير موجود في قاموس حياته فاشتغل أولا في توحيد الصف العماني عبر قيادته وبدأ أول شيء مع أهله وأقاربه مقتديا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما بدأ دعوته مع أهله وأقاربه كابن عمه مالك بن أبي العرب  الذي يحكم الرستاق فضم الرستاق لدولته ثم ابن عمه الثاني الذي يحكم ولاية نخل سلطان بن أبي العرب فضمها لدولته ثم بعد ذلك قام بتوحيد باقي المناطق والقبائل واستمرت عملية توحيد البلاد ما يقارب 10 سنوات من 1624م إلى 1633م لينتقل بعدها المرحلة الثانية والأهم وهي تحرير الوطن من الاحتلال البرتغالي ليخوض معارك شرسة وضاربة ضد الاحتلال البرتغالي على طول سواحل عمان لتكن نقطة الانطلاقة تحرير جلفار ( رأس الخيمة) سنة 1633م من البرتغاليين ليكمل باقي الطريق نحو صور وقريات وصحار ليكتب الله عزوجل على يديه النصر والتحرير وتوحيد البلاد ليتوفاه الله عزوجل وهو ابن السابع والأربعين سنة 1649م وتتبقى القاعة الأخيرة للاحتفال البرتغالي وهي مسقط ليكمل المهمه ابن عمه الإمام سلطان بن سيف اليعربي ويسطر مرحلة جديدة من مراحل التاريخ العماني ويتم طرد البرتغاليين نهائيا من عمان في يوم 23 يناير 1650م ليتمكن الإمام ناصر بن مرشد من تحطيم جذور اليأس والأحباط ويقتلع خيوط الفشل ليحول كل فشلا إلى نصر وتمكين وظفر وهكذا هم أهل الهمم العالية والعزائم المتوقدة والإرادة الفولاذية التي حطمت كرة الجليد وحولت الصعب والمستحيل إلى سهل وممكن.

 

_ إن كنت ذو عزيمة وهمة عالية نستذكر معا ما فعله العلامة الشيخ خميس بن جميل السعدي وهو من علماء القرن الثالث عشر الهجري حينما نسخ موسوعته (قاموس الشريعة) التي تقع في 91 مجلدا نسخها كتابة بخط يده ليس مرة واحدة ولا مرتان بل ثلاث مرات فهكذا أصحاب الهمم يناطحون الجوزاء ويبلغون سنام المجد وذروته بدون ضجيج ولا صخب

 

ليسوا رجالا لا نطيق فعلهم

لكنهم جدوا وقصرنا الخطى

 

 

رابعا/ الاستفادة من تجارب الماضي

 

هنالك ألف طريقة يخترعها الإنسان كي ينجح وفي نفس الوقت هنالك ألف طريقة يتذرع بها الإنسان كي يفشل والتخطيط الجيد والممنهج تأتي من تجارب سابقة استفاد منها الإنسان في الماضي يقول ستانلي جاد: " بقدر ماتفشل تنضج وتتقدم".

 

إن المجاهد الليبي عمر المختار كرس حياته في خدمة دينه ووطنه فقد واجهته مأسي وظروف صعبة وقاسية فقد فقد والده منذ صغره ونشأ في بيئة فقيرة فكرس نفسه في معهد الجغبوب لدراسة علوم الدين والشريعة مدة 8 سنوات وانضم للحركة السنوسية لتفتح له آفاق نحو الجهاد والمقاومة قبل أن يتزعم المشهد الليبي في حركة الجهاد ضد الاحتلال الإيطالي وكثير منا لا يعرف أن عمر المختار خاض تجارب ومعارك لم ينجح فيها ضد الاحتلال الفرنسي والبريطاني ولكن هذه التجارب والمعارك أصقلت منه شخصية قيادية فذه وتعلم منها دروس وعبر وخطط مختلفة

_ خاض حروب ضد الاحتلال الفرنسي في تشاد (1899_ 1902) كان يبلغ من العمر 37 سنة وانتهت لصالح الاحتلال الفرنسي

_ خاض حروب ومعارك ضد الاحتلال البريطاني في مصر سنة 1908 أبرزها معركة السلوم وانتهت لصالح البريطانيين

 

لم يرفع راية اليأس والاستسلام بل جعل من هذه المعارك دروس وتجارب في حياته ليكتسب منها الخبرة وهو ما نفعته في المرحلة الأصعب عندما احتل الطليان ليبيا سنة 1911م ليزيد الأمور صعوبة وتعقيدا بانسحاب الأتراك من ليبيا سنة 1912م لتصبح الساحة فارغة الطليان وفق اتفاقية لوزان

 

_ حمل عمر المختار لواء المقاومة في ظل تفكك ليبيا َوانقسامها سنة 1913 حيث بلغ من العمر 53 سنة واستمرت مقاومته لمدة 20 سنة.

 

_ خاض عمر المختار معارك عديدة ضد الاحتلال الإيطالي وكبدهم خسائر فادحة واستنزفهم في العتاد والأرواح

من أبرز هذه المعارك :

_ (معركة هامة في درنة يوم 16 مايو 1913) حيث قتل من الجيش الإيطالي 70جندي و400 جريح وانتهت المعركة لصالح المقاومة الليبية

 

_ (معركة بو شمال) يوم 6 أكتوبر 1913

 

_(معركة أم شنخب) في  فبراير 1914

-(معركة شليظيمة) : 1914

_(معركة الزويتينة) : 1914

في هذه المرحلة أغلب الانتصارات في صالح المقاومة في ليبيا نتيجة خطط القائد عمر المختار رغم فارق الإمكانيات والعتاد لصالح الطليان

 

_ منذ سنة 1922م احكم الطليان قبضتهم عبر غلق الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة وتهجير المدنين في مناطق نفوذ عمر المختار والحركة السنوسية مع قصف المدنيين بالمتفجرات فهجروا مئات الآلاف وقتلوا الآلاف المدنيين العزل وفيها حدثت عندة معارك منها:  -(معركة بئر الغبي) : 1923

_(معركة البرية) : 1923

 

_ لتقم بعدها القرلت الإيطالية بفرض حصار على المقاومة الليبية لينتهج القائد عمر المختار مع الظروف الخانقة فلم ييآس ولم يستسلم فخاض حروب العصابات التي أرهقت الجيش الإيطالي من 1926 إلى 1931م ليتم القبض على القائد عمر المختار في يوم 11 سبتمبر 1931م بعد أسره في معركة معركة أم الشفاتير

 

_ استمر عمر المختار في المقاومة ضد الاستعمار ما يقارب 20 سنة وبلغ من العمر 73 سنة ليقدم درسا من دروس الفداء والتضحية من أجل وطنه رغم كبر سنه وتقدمه في العمر

 

_ قبل أن يتم شنقه وحكم الإعدام عليه قال عبارة ضلت خالدة على مدى الأجيال فبقي ذكرى أسد الصحراء مخلدا في حين من حكم عليه بالإعدام مغيبا مبهما مدفونا في غيابت الجب حيث قال : "أما أنا فإن عمري أطول من عمر شانقي"

لتكن مرحلة مابعد إعدام عمر المختار مرحلة نضال وكفاح ضد الاحتلال الإيطالي فقد استمر الشعب الليبي في النضال من سنة 1931م إلى أن نال الحرية والاستقلال سنة 1949م بعد أن قتل من الشعب الليبي ما يقارب 150 ألف مدني

فكم من إنسان جعل من أخطاءه طريقا للنجاح وجعل من الفشل دربا يسلك به نحو المعالي.

 

لا تحسبن المجد تمرا أنت اكله

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر

 

_ هنري فورد أفلس خمس مرات قبل أن ينجح أخيرا وينشىء شركة فورد لصناعة السيارات في سنة 1903م ويتم تكريمه سنة 1946 في احتفال اليوبيل الذهبي لصناعة السيارات الأمريكية لمساهمته العظيمة في صناعة المحركات.

 

_ لوي تولستوي طرد من الجامعة ووصف أنه غير مستعد للتعلم ليؤلف بعدها كتاب الحرب والسلام.

 

_ جريجور مندل ابن فلاح في النمسا ذهب إلى فيينا خاض الامتحان التحريري فسقط ثم الامتحان الشفوي فسقط فأرسلوه ليأخذ دروسا في الجامعة لمدة سنتين وكان الامتحان يجري في ثلاث جلسات على مدار ثلاث أيام فسقط من اليوم الأول ورجع إلى الدير ( مكان الحديقة) خائبا.

ذهب إلى حديقة الدير وزاوج بين نبات البازلاء فيقطع النبته التي تحمل حبوب الطلع ويلقح بها نبتة أخرى فقد زاوج بين 28 ألف نبتة على مدى سبع سنين ومير الصفات السائدة عن الصفات المتنحية وبين كيف تنتقل الصفات من جيل إلى جيل.

ونبذ الأكاديميون بحثه واستحقروه كونه ابن فلاح وارسل لهم عشرات النسخ من بحثه إلى المحافل العلمية فهمش ولم يؤخذ بحثه بعين الاعتبار.

ليأتي الإنصاف بعد وفاته بحوالي 14 عاما أي سنة 1900 من قبل العالم الإنجليزي وليم باتيسون وكتب كتابا سماه : (دفاعا عن قوانين مندل في الوراثة) ليصبح اليوم مندل (مؤسس علم الجينات).

 

خامسا/ تجنب الندم على الماضي

 

إن الندم على أخطاء الماضي تجعل المرء متعلق بمشاعر سلبية مما يكون الفشل حليفه في كل مهمة توكل إليه مما يسبب له عقدة نفسية يحتاج إلى وقت أطول لاجتيازها.

 

إن الندم على الماضي هو بمثابة هلاك النفس البشرية وربطها بقيود الفشل ومزجها برداء الاحباط واجتراع مرارة اليأس وقتل روح الإبداع والابتكار لدى الإنسان إن الإنسان الذي يعجز الخروج عن دائرة الماضي فهو كالمحبوس في زنزانة محكمة الإغلاق

 

لأن إذا جميع البشر ركنوا نحو الندم واللطم والبكاء على كل أخفاق يمر بهم أو كل نكسة تحل عليهم لعجزة الأمم والدول والحضارات عن التقدم العلمي والثقافي والاجتماعي والعسكري فلا يمكن للماء أن يرجع إلى القدح ولا الطفل إلى بطن أمه ولا أشعة الشمس إلى مطلعها ولا نزيف الدم نحو الشريان ولا الدمعة إلى العين ولا النهر إلى مصبه.

 

يقول أبو تمام :

ما حسرتي أن كدت أقضي إنما

   حسرات نفسي أنني لم أفعل

 

فالإنسان الناجح يتخذ من أخطاء الماضي درجا وطريقا للوصول نحو الهدف لا يكثر الندم والحسره فيتسرب إليه اليأس َويتسلل إليه الاحباط ويهدم كل ما قام به من أجل تحقيق ما يريده وحتى يتخلص الإنسان من عادة الندم من الماضي عليه أن يقوم بعدد من الأشياء منها : الرغبة الصادقة النابعة من القلب لاجتياز الماضي والاتجاه نحو التغيير والتجديد يقول (ديفيد امبروس) : "لو كنت تملك الرغبة في النجاح فقد قطعت نصف الطريق نحو النجاح، ولو كنت لا تملك الرغبة فقد قطعت نصف الطريق نحو الفشل. لذلك يجب أن نعلم أطفالنا ثقافة التجربة والفشل والتعلم من التجربة حتى تنضج خبراتهم وتتوسع مداركهم" كما يجب عليك الابتعاد عن لوم النفس أكثر من اللازم فلا يصل إلى حد التعذيب والانتقام من النفس بسبب مثلا حبسك في السجن أو استخدام سيارة صديقك وحدث لك حادث تسبب في ضرر المركبة أو استخدام استراتيجيات خاطئة في المذاكرة رغم أن أصدقائك أخبروك فتصر على موقفك وتزداد عنادا وتظهر الأمور عكس التيار فحينها ينبغي ألا تندم وتواصل الندم لدرجة جلد الذات بل ينبغي المباشرة والمبادرة لتصحيح المسار ومن الأمور المعينة على التخلص من أخطاء الماضي هو المواجهة والاقرار وعدم الهروب عن الواقع بالأماني الكاذبة والأحلام الواهمة إذ مواجهة الفشل هو أول خطوة نحو النجاح وذلك من خلال التعرف على طبيعة الخطأ وكيفية التعامل معه وتغيير الخطط والأساليب وطرق التنفيذ وإذا لم يواجه الإنسان الفشل في أي مجال من مجالات الحياة عبر الإقرار والتخطيط وطرق التنفيذ سيقبع في دوامة الفشل والاخفاق مدى الدهر

يقول أبو القاسم الشابي:

ومن لا يحب صعود الجبال

يعش أبد الدهر بين الحفر

ومما يساعد المرء على الابتعاد عن الندم مهما كان حجم الأخفاق هي استراتيجية (استراحة القلق) كما يذكرها الكاتب (روبين شارما) حيث يشيد بهذه الاستراتيجية يقول: " جربتها في غير موقف وكان لها أثر جميل في تحسين مزاجي بل وساعدته على السيطرة على حياته ومضاعفة إنجازاته والمحافظة على وقته وصحته" وهي تعني حسب روبين شارما "تحديد موعد معين للقلق والبكاء والهم ثم ننطلق بعده للحياه ".

ويؤيد (ديل كارنيجي) الفكرة ذاتها على أن تضع للقلق حدا أقصى أي على كل إنسان يصاب بالهموم ويسقط في مستنقع القلق وفخ الاحباط أن يضع لنفسه وقتا معينا في اليوم أو في الأسبوع فترة محدده ليجتاز مرحلة القلق والندم والحسرة بالبكاء أو اللوم فترة بعدها ينطلق نحو تحقيق الهدف المنشود الذي يسعى إليه.

 

وحتى لا يفهم مسألة الندم بشكل آخر فإن الشريعة الإسلامية أباحة الندم عند فعل الذنب والتقصير كركن من أركان التوبة ولكن فترة محدده وليس كل الأوقات والوصول لمرحلة التعذيب النفسي أو الجسدي.

 

إن الندم على فعل الماضي بصورة مستمرة تؤدي إلى الغرق في أمواج الاحباط وقتل روح الإبداع والقضاء على ومضة الابتكار وإهدار الطاقات وصرفها في الاتجاه الخاطئ.

 

ختاما هذه بعض الدلائل التي تثبت أن الفشل هو عبارة عن جسر عبور نحو النجاح عبر عدة عوامل منها التوكل على الله عزوجل والعزيمة وحسن اختيار القدوة والإصرار في تحقيق الهدف والتعلم والاستفادة من التجارب السابقة وأخيرا تجنب الندم على أخطاء الماضي فأمسك بخيوط الأمل ولو في أحلك الظروف فلكل ضائقة لها مخرج ينبغي على كل شخص بما فيه نفسي أن نؤمن بقدراتنا وامكانياتنا وألا نخاف من الفشل فهو جزء من سنة الحياة ورصيد خبرة تضاف إلينا كما تضاف الأرصدة في الحسابات المصرفية كما أرجو ألا تكون هذه الكتابات انشائية حبيسة الأرفف والأدراج فينبغي تطبيق هذه التجارب قدر الإمكان فليس بالضرورة أن تطبق بشكل مثالي وكامل بل نبذل قصار جهدنا وقدر المستطاع لتحقيق أهدافنا ومرادنا.

تعليق عبر الفيس بوك