تأكيدات على ضرورة الالتزام بالقيم وتطبيق المُمارسات المُثلى للتقنيات الحديثة

نائب رئيس مجلس الدولة يفتتح أعمال "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي".. واستعراض لفرص وتحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام

 

 

صلالة- فيصل السعدي- ريم الحامدية

رعى اللواءُ الرُّكن مُتقاعد المكرم سالم بن مسلم قطن نائب رئيس مجلس الدولة، اليوم الخميس افتتاح أعمال الدورة الثالثة من "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي" بعنوان "الإعلام العُماني في عصر الذكاء الاصطناعي"؛ وذلك بفندق ميلينيوم صلالة، بتنظيم من جريدة "الرؤية".

حضور 2.jpg
 

واستهل حاتم بن حمد الطائي رئيس التحرير الأمين العام، الملتقى، بتقديم بيان افتتاح أعمال الدورة الحالية؛ حيث أوضح أن المنظومة الإعلامية شهدت تطورات تكنولوجية عديدة على مدى العقود والسنوات القليلة الماضية، بدأت بإدخال تقنيات بسيطة في حقبة التسعينيات، ما لبثت أن توسّعت مع مطلع الألفية الثالثة وبزوغ عصر الطفرة التكنولوجية الذي بسقت تجليّاته في تسارعٍ مُذهلٍ وعبر صورٍ متنوعة لم يكن يتوقعها أحد، حتى وصلنا إلى حقبة الذكاء الاصطناعي. وقال الطائي إن الفكر البشري استطاع أن يُنتج منظومة تقنية ذاتية التوليد، بالاعتماد على المصادر المفتوحة وغير المفتوحة، حتى تحوّل هذا الذكاء الاصطناعي إلى عملاق تكنولوجي، وربما وحش إذا ما أُسيء استخدامه.

وأشار رئيس تحرير جريدة الرؤية إلى أن استخدامات الذكاء الاصطناعي عديدة ولا يُمكن إحصاؤها في هذه العُجالة، لكننا سنكتفي بالحديث عن دوره في تطور العمل الصحفي والإعلامي، وآليات الاستفادة منه من أجل الارتقاء بالأداء المهني الصحفي، وتعميق دور الإعلام في تنوير المجتمع وترسيخ الوعي الإيجابي بمختلف القضايا، وبناء رأي عام على دراية بحقائق الأمور، لكننا في المقابل سنتعرف أيضًا على سلبيات استخدام هذا الذكاء الاصطناعي، والكوارث التي قد يُسببها جرّاء تطوّر تقنيات بعينها وفي مقدمتها التزييف العميق.


 

وتابع بالقول إنَّ الحديثَ عن إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام العُمانية، يتطلب منا أولًا الوقوف على تحديات وعراقيل تطوير إعلامنا الوطني وتنفيذ عملية تحوّل رقمي شاملة، وكيفية بناء منظومة إعلامية مُستدامة تضمن توفير العائد المناسب للإنفاق على التطوير وإجراءات هذا التحوّل الرقمي؛ إذ لا يخفى على أحد أن الإعلام العُماني مرّ بجُملة من التحديات الهائلة تسببت في خروج عدد من الوسائل من المشهد الإعلامي، نتيجة لغياب المورد المالي، وضعف المردود الاقتصادي، تزامنًا مع تراجع كبير في الاشتراكات الشهرية والسنوية، وانخفاض شديد في الإعلانات التي تمثل مصدر الدخل الأول لوسائل الإعلام.

وبيّن الطائي أن الكثير من وسائل الإعلام العُماني ومن بينهم جريدة الرؤية، سعى إلى إطلاق عملية تحوُّل من الجانب التقليدي إلى الجانب الرقمي المتطوِّر، وكانت لنا في جريدة الرؤية العديد من التجارب المُلهمة والنوعية، فقد أطلقت الرؤية قبل عدة سنوات أول إذاعة رقمية متكاملة يقودها شباب عُماني مُبدع، وأطلقنا أول منصة شبابية إعلامية بمشاركة كوكبة من الشباب المُثابر، لكن للأسف آلت أوضاع هذه المبادرات إلى الأفول، لغياب المردود المادي الناتج عن عدم مواكبة المؤسسات والشركات المُعلنة والداعمة للمتغيرات والتطورات الرقمية. ومضى قائلًا: "غير أن ذلك لم يُفقدنا الأمل، وواصلنا العمل المُضني من أجل وضع بصمة جلية في مسيرة تطور الإعلام العُماني، وسعينا نحو رقمنة الكثير من الخدمات الإعلامية، وأحرزنا الكثير من التقدم في هذا الجانب؛ سواء في تقديم محتوى إعلامي رقمي يتماشى مع التطورات الإقليمية والعالمية، وإبرازه في نماذج وصيغ مختلفة، عبر الصور والتصاميم المصوّرة أو المقاطع المرئية "الفيديوهات"، بما يحقق التفاعل الرقمي المُستهدف. وواصلنا العمل في خطٍ موازٍ على إنتاج محتوى مُتقدِّم من الإعلام، مثل خدمات "الرؤية بودكاست"، وهو أحد أوائل منصات البودكاست في عُمان والخليج، الصادرة عن مؤسسة إعلامية لها حضورها الإعلامي منذ عقود.

وتطرق الطائي إلى تحدٍ آخر يُضاف إلى قائمة التحديات التي تعيق مسيرة التطور الإعلامي والدفع بالتحوُّل الرقمي نحو آفاق أرحب، ألا وهو الارتقاء بالكوادر الوطنية العاملة في هذه المهنة الحيوية والمُهمة للغاية. وهنا نعود مُجددًا إلى قضية ضعف التمويل والدعم، وربما في بعض الأحيان عدم توافر البيئة الجاذبة أو الحاضنة؛ حيث إن عملية تأهيل وتطوير مهارات الصحفيين، تستلزم تقديم تسهيلات من جهات أخرى، تُساعد هؤلاء الشباب على أداء مهامهم الصحفية والإعلامية، منها تقديم المعلومات المطلوبة في التحقيقات الصحفية، والحصول على تصريحات من المسؤولين والمعنيين، والسماح للصحفيين والمصورين بالتصوير على أرض الواقع، خاصة في المشاريع الوطنية الكبيرة. ويكفي على سبيل المثال أن نُشير إلى أن عدد كبير من المؤسسات الحكومية الكبرى والشركات العملاقة تكشف عن مشروعات واعدة للغاية وداعمة لمسيرة النمو الاقتصادي، وتعقد مؤتمرات دولية في مسقط، لكن للأسف يغيب عنها دعوة وسائل الإعلام للتغطية، وتقديم محتوى مُميَّز يُضاهي ما نراه في الدول الأخرى التي نزورها.

وشدد الطائي على أهمية تضافر الجهود المؤسسية من أجل تطوير الإعلام، فهي عملية تكاملية لن تنجح إلا بتكاتف جهود جميع الأطراف، حتى لا يشير إلينا البعض ويقول إن الإعلام العُماني لا يواكب المُتغيرات؛ بل نقول إن الإعلام العُماني يحرص على مواكبة المُتغيرات لكن جهات ومؤسسات أخرى لا تساعد على هذا التطوُّر.

وحث الطائي مختلف الجهات، حكومية وخاصة، على العمل على دعم مسيرة التحوُّل الرقمي في إعلامنا الوطني، وتدفع بكل الجهود التي تُسهم في تمكين الصحفي العُماني من أداء عمله على أكمل وجه.

جديدة.jpg
 

وذكر الطائي إن البشرية تعيش حاليًا في خضم عالم رقمي مُتجدِّد، تتمايز فيه وسائل الإعلام بمحتواها الرقمي المُواكِب للمتغيرات والتطورات، وهو ما يفرض علينا مسؤولية كبيرة للارتقاء بالمحتوى الإعلامي الرقمي، وإحدى أدوات هذا التطور توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام، ونقصد هنا أن يكون الذكاء الاصطناعي مُعينًا للصحفي وليس بديلًا عنه، لأن الصحفي إنسان مُبدع يعتمد على تفكيره البشري، وليس مجرد آلة تكتب الأخبار والتحليلات.

وأكد رئيس تحرير جريدة الرؤية أن توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام من الممكن أن يتمثل في تحليل الأرقام والبيانات، من خلال ابتكار أدوات تحليل رقمي تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، عبر إدخال الأرقام والبيانات ومن ثم الحصول على تحليلات وتقديرات الذكاء الاصطناعي، على أن يقوم المُحرر الصحفي بمعالجتها بما يتواءم مع السياسات التحريرية والضوابط والمعايير الإعلامية المُتبعة.

وأشار إلى أنه يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المحررين في معرفة توجهات الرأي العام، من خلال إجراء مسح رقمي للمحتوى الرقمي المنشور على أيٍ من منصات التواصل الاجتماعي، وهذه ميزة متوافرة حاليًا، ويستخدمها بعض الصحفيين في معرفة بعض الكلمات المفتاحية أو الموضوعات الأكثر رواجًا وهو ما يُعرف بـ"الترند".

وتابع الطائي بالقول إن من شأن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التحرير الصحفي والعمل الإعلامي، أن يساعد في التدقيق اللغوي، وفي الوقت الحالي هناك عدد من المنصات العربية المتخصصة التي تسعى للتميز في هذا الجانب، رغم ما عليها من ملاحظات تحريرية، يمكن للصحفي والمحرر أن يُعالجوها بطريقة أكثر احترافية من الذكاء الاصطناعي.

وأشار إلى أن أبرز وأهم ميزة يمكن أن يوفرها الذكاء الاصطناعي للصحفيين في الوقت الحالي، هي مساعدتهم على تحري مصداقية الأخبار، والتأكد من صحتها، وبذلك المساهمة في محاربة الأخبار الكاذبة والمُضلِّلة.

واختتم الطائي كلمته بتقديم عبارات الشكر والتقدير إلى ضيوف الملتقى من كُتّاب جريدة الرؤية من محافظة ظفار العريقة... هذه الكوكبة من أصحاب الأقلام الرفيعة المستوى، التي تُضيف الكثير إلى رصيد الصحافة العُمانية، وتُسهم في إنعاش منظومة الفكر الوطني، بمختلف جوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لا سيما وأنهم يشتركون في عدة صفاتٍ وخِصالٍ، وتجمعهم الروح الوطنية العالية والحس التحليلي الناقد، والرؤية الاستشرافية الثاقبة.

وأكد الطائي أنَّ هؤلاء الكُتّاب يسهمون بدور بنّاء وفاعل في تقديم محتوى إعلامي إثرائي، يُضيف الكثير إلى الوعي الجمعي في المجتمع. ودعوني أقول إنَّ هؤلاء النخبة من الكُتّاب ينتمون إلى عدة أجيال، تتشابه في أمور وتتباين في أخرى، والتشابه الرئيس يتمثل في النهل من معينٍ معرفيٍ ثريٍ، أسهم في ترسيخ ذلك الوعي السياسي والاقتصادي والثقافي، وبناء حصيلة لغوية تُساعدهم على إبراز الأفكار وإيصالها للقارئ بأسلوب سلس وبسيط، لكنه في الوقت نفسه عميقٌ ونافذ إلى لُب القضايا المطروحة. لكن في المقابل، يبدو أننا نواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في غياب أجيال جديدة شابة من الكُتّاب الصحفيين، وربما يُعزى ذلك إلى عاملين أساسيين؛ الأول عدم تنمية الوعي السياسي والاقتصادي نتيجة لضعف الاهتمام بالاطلاع وقراءة الكُتب المتخصصة.

وقال إن العامل الثاني يتمثل في تراجع مستوى اللغة العربية ونقص في حصيلة المفردات التي تساعد الإنسان على التعبير عن أفكاره بكلمات رصينة وعميقة الدلالات.

وحث الطائي مؤسسات التعليم بشقيها الأساسي والعالي، على إيلاء مزيد من الاهتمام بمسألة التثقيف وبناء الوعي والمعرفة، وأن يُدرك الطالب نفسه في مختلف مراحل التعليم أن الثقافة ضرورة لا غنى عنها، ولا يجب عليه الاكتفاء بما يتضمنه الكتاب المدرسي أو الجامعي من محتوى؛ بل أن يوسِّع من خيارات القراءة والاطلاع بما يضمن بناء مخزون معرفي ولغوي مُتقدِّم.

وقدمت المكرمة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية عضو مكتب مجلس الدولة والأستاذ المساعد بالجامعة العربية المفتوحة، الكلمة الرئيسية لأعمال الملتقى حول "التشريعات والأخلاقيات.. مُتطلبات المواكبة المنضبطة"، وقالت إنه مُنذ أن بدأ الاهتمام بالذكاء الاصطناعي منذ العقدين الماضيين، وهو يؤثِّر في تسريع التطورات والتغييرات التنموية في المجتمعات، والتي أسهمت في تحسين كفاءة الأعمال ورفع الأداء الاقتصادي؛ حيث يُشير تقرير "حدود الذكاء الاصطنعي.. نمذجة تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد العالمي" إلى أنه من المتوقَّع أن "الذكاء الاصطناعي سيعزِّز الاقتصاد العالمي بنحو 14% بحلول عام 2030؛ أي ما يقارب 15.7 تريليون دولار أمريكي، ومن المتوقَّع أن تتبنى 70% من الشركات تقنيا الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030".

حضور 3.jpg
 

وأضافت أن ازدهار تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العام 2022، مع دخول "شات جي بي تي" واستثمار شركة مايكروسوفت 10 مليارات دولار في الشركة الأم Open AI، ما جعل تطبيقات "شات جي بي تي" في كافة مناحي الحياة اليومية؛ الأمر عكس توقعات لنمو الإيرادات العالمية في سوق الذكاء الاصطناعي من ناحية، وزيادة خطورة تطبيقاته الواسعة خاصة على حقوق الملكية الفكرية، والإعلام، والحياة الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى التحديات التي تواجهها المجتمعات في المجالات الأمنية ومحاربة الجريمة وغيرها.

وأوضحت الدرمكية أن العالم استفاد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخدام خوارزمياته لإنشاء محتوى وسائط في شتى المجالات من خلال عمليات تحويل البيانات إلى نصوص وصور ومقاطع فيديو، خاصة في مجال الإعلام والآداب؛ فنشأت الصحافة الآلية وصحافة الروبوت، التي يسَّرت العملية الإعلامية؛ سواء من خلال إنشاء أو تحليل محتويات الوسائط المتنوعة، والبيانات واختيارها وكتابة الأخبار ونمذجة التعليقات والتحقق من البيانات والمحتويات، ولهذا فإن العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي اليوم تُمكِّن الإعلاميين من "تحليل البيانات وتحديد الأنماط والاتجاهات والرؤى والمصادر المحددة، ثم تحويل البيانات والكلمة المنطوقة إلى نص، والنص إلى تنسيق الصوت والفيديو، إضافة إلى تحقيق الحالة الذهنية، وفحص مشاهد الأشياء أو الوجوه أو النص أو اللون وغير ذلك".

وأشارت الدرمكية إلى أنه على الرغم من الفوائد العديدة والمنافع الواسعة النطاق التي يوفرِّها الذكاء الاصطناعي من خلال تطبيقاته في الإبداع والابتكار، والتي تنعكس على المجتمعات البشرية والقطاعات التنموية، والبيئة والنظم الإيكولوجية عمومًا، إلّا أن هناك مخاطر وتحديات متزايدة خاصة فيما يتعلَّق بحقوق الإنسان والحُريات والقيم والمبادئ الأخلاقية وبالثقافة المجتمعية والهُويات الوطنية التي يجب المحافظة عليها وحمايتها ورعايتها، ولهذا فإن وجود سياسات ضابطة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتظيم الوسائل الكنولوجية الخاصة به، وإيجاد أُطر تنظيمية تعزِّز الاستفادة من تلك التطبيقات وتعظِّم قيمتها المضافة من ناحية، وتدفعها إلى احترام معايير القيم الأخلاقية المحلية والإقليمية، وحماية الثقافات وخصوصياتها من ناحية أخرى.

وقالت إنه تحقيقًا لهذه الأهداف بدأ التنظيم القانوني لتطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال مجموعة من المبادئ الأساسية الإرشادية؛ حيث أصدر المجلس الأوروبي في العام 2018 (المبادئ التوجيهية الأخلاقية لذكاء اصطناعي جدير بالثقة)، وبعدها نشرت الحكومة اليابانية في العام 2019 (المبادئ الاجتماعية للذكاء الاصطناعي)، وفي العام 2021 صدر عن وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية تقرير (حوكمة الذكاء الاصطناعي)، الذي اشتمل على وصف للسياسة التنظيمية للذكاء الاصطناعي في اليابان، وبالتالي الحوكمة الذكية.

وبيّنت الدرمكية أن تلك المبادئ بدأت تتحوُّل إلى قوانين وتشريعات ملزمة على المستويات المحلية للدُول في ظل التطورات المتسارعة التي شهدتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ ففي العام 2021 نشرت المفوضية الأوروبية مشروع قانون الذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى تعزيز الأمن والشفافية وتدابير السلامة في نطاق تقنيات الذكاء الاصطناعي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تم تقديم قانون المساءلة الخوارزمية لمجلسي الكونجرس في فبراير 2022، وفي كندا تم اقتراح قانون الذكاء الاصطناعي والبيانات في يونيو 2022، وقد سنت اليابان مجموعة من القوانين واللوائح التي تلزم الشركات باتخاذ التدابير والكشف عن المعلومات حول المخاطر المتعلقة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل (قانون شفافية المنصات الرقمية)، و(قانون الأدوات المالية والبورصة)، و(قانون المرور على الطرق وقانون مركبات النقل البري المعدَّل في العام 2020)، وغيرها من القوانين التي تنظِّم العمل بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات.

وذكرت الدرميكة أنه على المستوى العربي، فإنَّ دخول الذكاء الاصطناعي بتطبيقاته الواسعة أدى إلى بروز العديد من التحديات والإشكالات خاصة في ظل الفراغ التشريعي الكبير، إلّا أن هناك تجارب عربية حاولت إيجاد منظومة تشريعية أو على الأقل لوائح وتنظيمات وسياسات ناظمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ منها تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة بإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي، وإنشاء مختبر للتشريعات التي ستسهم من ضبط مستجدات الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية القيادة، وتجربة المملكة العربية السعودية في إنشاء هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي، وجمهورية مصر العربية التي أنشأت المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي الذي يتبع مجلس الوزارة باسم (المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي)، كما أنشأت المملكة الأردنية الهاشمية وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة.

وتابعت أنه رغم تلك الجهود لم نشهد إلى اليوم أي من القوانين العربية الناظمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ولم يتم الإعلان عن أي تشريع عربي صريح يُعني بذلك، سوى تلك التعديلات في القوانين المعمول بها، وإدخال بعض المواد الضابطة بحسب المجالات المختلفة، وفي سلطنة عُمان تم إنشاء "البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة" في العام 2020؛ باعتباره أحد البرامج التنفيذية للبرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي، بُغية تشجيع تبني الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة وتوطينها، وإعداد استراتيجية خاصة به بالاستفادة من من استراتيجيات دولية عدة.

وأوضحت أن من بين أهداف هذا البرنامج الوطني إعداد السياسات والتشريعات الناظمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن أن تكون مساندة لقوانين والتشريعات الحالية المتعلِّقة بالتطبيقات التقنية والرقمية، والتي تمثِّل الأطر الناظمة لتلك التطبيقات وهي (قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات)، وقانون (حماية البيانات الشخصية)، و(قانون المعاملات الإلكترونية) وغيرها، فالتوسُّع الهائل والانتشار الذي يحقِّقه الذكاء الاصطناعي من خلال برامجه وتطبيقاته، والطموح الذي تسعى إليه الدولة من خلال الاستثمار في (الاقتصاد الرقمي) و(تطبيقات الذكاء الاصطناعي)، يدفع إلى أهمية تبني تشريعا خاصا بالذكاء الاصطناعي.

وأضافت أنه لهذا السبب فإن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أشار في خطابه السامي بمناسبة الانعقاد السنوي الأول للدروة الثامنة لمجلس عمان في العام 2023، إلى عنايته- أعزه الله- بهذا القطاع الحيوي "لِما يوفِّره من فرص لتحسين الإنتاجية والكفاءة لمجموعة واسعة من القطاعات"، وقد أبان- حفظه الله- عن توجيهه "بضرورة إعداد برنامج وطني لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها، مع الإسراع في إعداد التشريعات التي ستسهم في جعل هذه التطبيقات كأحد الممِّكنات والمحفزَّات الأسياسة لهذه القطاعات".

وأكدت الدرمكية أن العالم ينظر إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي باعتبارها فرصة استثمارية هائلة يُمكن تبنيها والاستفادة منها في تطوير القطاعات التنموية وتعظيم قيمتها المضافة، وتوسيع نطاقات الإبداع والابتكار، إلّا أن هذه القيمة لن تتحقَّق أو قد تتحقَّق على حساب الكثير من الخسارات القيمية والأخلاقية والثقافية، لذا فإن الحاجة إلى تشريعات وقوانين ملزمة لتلك التطبيقات أصبحت ملِّحة وأساسية ليس فقط من أجل الحفاظ على الثقافة المجتمعية، بل أيضا من أجل توسيع نطاق الاستفادة من تلك التطبيقات وقدراتها ومجالات الاستثمار في برامجها المتعددة.

إلى ذلك، ألقى غسان بن يوسف الشهابي الخبير الإعلامي عضو لجان تفعيل ميثاق العمل الوطني بمملكة البحرين، كلمة الضيف المشارك الإعلامي؛ حيث أبرز العديد من الجوانب المتعلقة بالتضليل الإعلامي ونشر المعلومات المزيفة، وقال إن المعلومات المُضللة تمثل واحدة من أخطر التحديات التي تواجه العمل الإعلامي ولا لُد من أدوات مساعدة لكشف التضليل وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي. وأشار إلى أن تدقيق المعلومات في المؤسسات الإعلامية بات يمثل ضرورة لا غنى عنها اليوم في ظل الطفرة التقنية الهائلة. ولفت الشهابي إلى أن الفيض الواسع من المعلومات المضللة الموجهة قسرًا يمكن أن يتحول إلى حقائق لا تقبل الشك، داعيًا إلى ضرورة مواجهة التضليل المعلومات مع ضمان حماية حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير.

وقال الشهابي إن فترة جائحة كورونا كانت أكثر الفترات انتشارًا للمعلومات المضللة. ودعا الشهابي جريدة الرؤية إلى إطلاق أول منصة خليجية مُتخصصة لمحاربة المعلومات المُضللة وتدقيق المعلومات من منطلق ريادة الجريدة إعلاميًا.

إلى ذلك، قدم الدكتور أحمد بن علي المشيخي الباحث والأكاديمي في السياسات الاتصالية وإدارة الأزمات، ورقة العمل الأولى حول "الإعلام الجديد وفُرَص الاستثمار في بناء الوعي الجمعي"، تناول خلالها الفوارق بين الإعلام القديم والجديد، وفرص الاستثمار في الوعي المجتمعي، علاوة على الإشارة إلى التحديات المصاحبة لاستخدامات التقنيات الحديثة في الإعلام ومنها الذكاء الاصطناعي. كما استعرض المشيخي عدة مؤشرات وإحصائيات حول منصات التواصل الاجتماعي ونسبة ومعدلات استخدام الجمهور لها. وأوضح المشيخي أن الأغلبية الساحقة تُتابع الأخبار عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأن الأخبار الزائفة تمثل جزءًا كبيرًا من المحتوى الإعلامي الرقمي. وأشار إلى ضرورة تعزيز التدريب الإعلامي وإطلاق المزيد من المبادرات الإعلامية للنهوض بالوعي الإعلامي المجتمعي مع توظيف أمثل للتكنولوجيا الجديدة. وبيّن أن فرص استثمار واعدة في التقنيات الإعلامية الجديدة، لافتًا إلى أن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية صناعة محتوى متطور ونوعي وجاذب للجمهور. ولفت المشيخي إلى أن الشباب سيقود استخدامات الذكاء الاصطناعي في القطاع الإعلامي، داعيًا الجميع إلى توظيف التقنيات الحديثة والاستفادة منها. وقال المشيخي إن التقنيات الحديثة ساهمت في نشر المحتوى الإعلامي والحقائق حول أحداث غزة في ظل سيل من المعلومات المضللة، مشيرًا إلى أن ازدواجية المعايير جزء من التضليل الإعلامي الذي يتعين مواجهته بكل صرامة. وأضاف أن المحتوى الترفيهي والسردي هو الأكثر انتشارًا.. وأكبر دليل على ذلك انتشار "الثريد" على منصة إكس إلى جانب التوسع في استخدامات الصور والمقاطع المرئية "الفيديو".

وقدم ورقة العمل الثانية عبيدلي العبيدلي الخبير الإعلامي ورئيس الاتحاد العربي لتقنية المعلومات.

وقدم الدكتور محمد بن عوض المشيخي الأكاديمي والباحث المختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري، ورقة العمل الأخيرة حول "الإعلام العُماني وتطبیقات الذکاء الاصطناعي.. الفرص والتحدیات". وتحدث المشيخي عن التطورات التكنولوجية المتسارعة والمتمثلة في الانفجار المعرفي الهائل، وما صاحبه من تطورات مُلفتة؛ حيث الآلات والروبوتات التي تحاكي العقل البشري وتُبرمَج من خلال تطبيقات ذكية مُتقدمة مثل "شات جي بي تي، وجوجل جيمني"، وغيرها من التطبيقات، التي تعمل من خلال الخوارزميات المتقدمة كبديل عن البشر.

وقال إن الذكاء الاصطناعي دخل في كل القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والتعليمية والثقافية والإعلامية؛ مما ترتب على ذلك الخوف من تفوق هذا النوع من الذكاء الذي في الأساس هو من صنع الإنسان وأصبح حديث الساعة.

ولفت المشيخي إلى أن الإعلام وما يحمله من مضامين عبر شبكة الإنترنت يمثل واحدًا من أبرز المجالات التي دخلت بقوة في الذكاء الاصطناعي؛ فهناك اليوم بعض المؤسسات الإعلامية تُوظِّف هذه التقنية على نطاق واسع في مختلف الفنون الإعلامية، مثل: جمع الأخبار وتحريرها، وكذلك تحليل الكم الهائل من المعلومات وإعدادها للنشر.

وأضاف أن هذه العمليات التي تعتمد على سرعة توليد المضمون الإعلامي تتميز بقدرتها على اختصار الوقت والإسهام في خفض التكلفة، لكنها في نفس الوقت تفتقد إلى الحقيقة لكونها مُجمَّعة من عدة مصادر، وتعتمد على الخوارزميات وتحليلات الذكاء الاصطناعي التي لا تصيب دائمًا.

ويرى المشيخي إن الإعلام العربي بوجه عام، والعُماني خاصة، لم يتمكن حتى الآن من فك رموز خوارزميات الذكاء الاصطناعي، أو امتلاك واستيعاب طبيعة عمل الحواسيب والروبوتات المعروفة علميًا بـ"الهارد وير"، وكذلك توطين التطبيقات الخاصة بهذه التقنية المعقدة والمعروفة بـ"السوفت وير"، من أجل تطوير واستخدام المحتوى الإعلامي المُولَّد بالكامل من هذه التكنولوجيا الواعدة.

وأشار إلى أن ثمة مخاوف من أن تتولى الروبوتات والتطبيقات القيام بالأعمال اليومية للصحفيين والإعلاميين في تلك المؤسسات التي تُعاني من شح في الموارد؛ بهدف التوفير وتقليل المصاريف التي تُدفع كرواتب للعاملين في هذا الحقل.

واحتفاءً بالإبداع، وتقديرًا للجهد الإعلامي من الكوادر الوطنية المجيدة، تُبادر جريدة "الرؤية" مُمثِّلة للجنة الرئيسية للحدث، بالاحتفاء بكُتابها من أصحاب الرأي والأقلام الواعدة في محافظة ظفار.

تلى ذلك انطلاق الورش التدريبية المصاحبة لأعمال الدورة الحالية؛ حيث قدَّم خبير الإعلام الرقمي أحمد الشيخ عضو مجلس الإعلام الجديد بنقابة الصحفيين البريطانية، الورشة الأولى بعنوان "المحتوى الإعلامي في عصر الذكاء الاصطناعي"، والشيخ هو صحفي وباحث في دراسات الإعلام، حاصل على درجة الماجستير في الدور السياسي لوسائل التواصل الاجتماعي من جامعة ويستمنستر في لندن، ومدرب معتمد في مجال الإعلام الرقمي بنقابة الصحفيين في بريطانيا، عمل في عددٍ من المؤسسات الإعلامية الرائدة؛ منها: BBC ورويترز.

فيما قدَّم الورشة التدريبية الثانية "التزييف الإلكتروني وآليات المواجهة"، الخبير البحريني غسان بن يوسف الشهابي الإعلامي والصحفي البحريني، صاحب خبرة تزيد على 30 عامًا، عمل بالعديد من الصحف والمجلات المرموقة؛ منها: الخليج الإماراتية، الشرق القطرية، "فوربس" النسخة العربية، الرأي الكويتية، كما تم اختياره في العام 2001م ضمن لجان تفعيل ميثاق العمل الوطني لصياغة مقترح قانون جديد للصحافة في البحرين، وأسهم في تأسيس عدد من الصحف البحرينية؛ منها: صحيفة الوسط، والوطن، والوقت، وأسواق.

يُشار إلى أن أعمال الدورة الثالثة من "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي"، تأتي مُستهدفةً تسليط الضوء على مستقبل الإعلام العُماني في عصر الذكاء الاصطناعي واستعراض مدى تأثير تقنيات هذه التكنولوجيا على صناعة المحتوى بمهنية ومصداقية وحيادية واستقلالية تحريرية، إضافة لتهيئة النقاش أمام المشاركين لبحث إمكانية تأطير جُملة ضوابط أخلاقية لممارسات الذكاء الاصطناعي في الفضاء الإعلامي والضوابط التشريعية والقانونية المُحدِّدة لها، ومُتطلبات المُواكبة من حيث تطوير المهارات والكفاءات، وتوسيع دائرة المعرفة وتعزيز الفهم الجيد والتوظيف المثالي للذكاء الاصطناعي في كافة الممارسات الإعلامية.

وتتطلع اللجنة الرئيسية لأعمال الملتقى للوصول إلى جُملة أهداف؛ منها: رصد الإيجابيات وتوقُّع عواقب سوء استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام، والاتفاق على جُملة مبادئ أخلاقية لصناعة محتوى موثوق في عصر الذكاء الاصطناعي، والوصول لبنود واضحة للضمانات المهنية والأخلاقية لممارسات الإعلام الجديد، وبحث فرص الاستثمار في المجال الإعلامي على ضوء تطور تقنيات الثورة الرقمية، إضافة لرفع مستوى الوعي وإكساب الرأي العام القدرة على التمييز بين المحتوى الأصيل والمُصطنع.

وتنطلق أعمال الملتقى هذا العام بشراكة إستراتيجية مع بلدية ظفار، وبرعاية رئيسية من شركة تنمية نفط عُمان وغرفة تجارة وصناعة عُمان فرع محافظة ظفار.

تعليق عبر الفيس بوك