هل أتاكم حديث الانتقام؟

 

محمد بن سالم البطاشي

 

هل مللتم الانتظار؟ هل تقطعت بكم الأسباب وأنتم في انتظار الانتقام؟ هل أرهق أعصابكم طول الانتظار؟ هل تحقق مرادكم من وراء الغدر والإجرام؟ هل يئستم من الرد؟ هل أجدتكم نفعًا أحلام يقظتكم؟ هل تكالبت عليكم الهموم والأمراض العصبية والحالات النفسية وأنتم تنتظرون الرد؟ هل فسدت الأطعمة التي خزنتموها؟ هل غصت بكم الملاجئ خوفًا من القصف؟ هل أكملتم بناء الخيام في صحراء النقب استعدادًا لموجة نزوح هائلة إذا شبَّ أوار الحرب؟ هل تعجبتم من برودة أعصاب عدوكم رغم هول الموقف؟ هل بقيت فيكم قلوب لترتجف؟

هل أدهش عقولكم هذا الصبر الاستراتيجي لدى عدوكم؟ هل تمنيتم أن ينتهي هذا الكابوس الجاثم فوق صدوركم والمعشش في عقولكم بأية نهاية كانت؟ هل أنهكتكم الخسائر الاقتصادية والعسكرية والسياسية الفادحة جراء انتظار الثأر؟ هل علمتم ماذا يخبئ لكم عدوكم من المفاجآت؟ هل لديكم يقين بموعد الهجوم عليكم؟ هل أنتم متأكدون من طبيعة الرد الآتي وكيفيته؟ هل تعلمون من أين سيأتيكم الرد؟ أمن فوقكم؟ أم من تحت أقدامكم؟ أم البحر سيتفجر براكيناً عليكم؟ أم سيزحفون عليكم من البر؟ وهل الرد سيكون منفردا أم جماعيا؟ هل سيكون متزامنا أم متقطعا؟ هل علمتم أين سيرد عدوكم؟ هل استيقنتم متى سيرد عدوكم يا أعداء الحضارة وأعداء البشرية؟ هل تعلمتم الدرس جيدًا؟ أم لا تزال على قلوبكم أكنة؟ ماذا نفعكم جمعكم؟ وماذا نفعتكم أساطيل الناتو بحاملات طائراته وبوارجه وسفنه ومدمراته وغواصاته وطائراته ودباباته وصواريخه وأقماره وقضه وقضيضه؟ هل أغنت عنكم تلك الحشود الهائلة التي أتت مسرعة عندما ولولتم ولولة النساء؟ هل علمتم كيف يكون انتقام الرجال؟

أين قوتكم؟ أين جبروتكم؟ أين تعاليكم وغطرستكم وظلمكم وعنصريتكم؟ أين جيوشكم وطائراتكم ومدافعكم ودباباتكم وأقماركم ومنظوماتكم التجسسية؟ أين القبة الحديدية؟ أين منظومة باتريوت أين منظومة آرو؟ أين منظومة مقلاع داؤود؟ أين منظومة حيتس؟ أين طائرات إف-35 وطائرات إف-22 تايفون وطائرات إف-16 وإف-15 وإف-18 وطائرات الناتو وحاملات الطائرات وعشرات البوارج والمدمرات؟ هل أرهقتكم حالة الشلل والقلق التي أوقعتكم شر أعمالكم فيها؟

ألف سؤال وألف علامة استفهام تلتف حول أعناقكم يا أُس الإجرام وأساتذة الغدر والخيانة، حسنًا سأريحكم قليلًا وأنتم والله لستم أهلًا لأي راحة، ولكن مقتضى المقام هنا يلزم التوضيح فأقول إن الانتقام بدأ وأنتم لا تشعرون، وما تلك الأسئلة التي جاءت في مقدمة المقال إلّا تعبير عن قوة الانتقام القائم الآن الذي وضعكم في "حيص بيص"، لا تعرفون مصيركم ولا مآلكم وشتت شملكم وأفشى الخلاف بينكم، ومن وراء كل ذلك عذاب غليظ ينتظركم، حين تمطر السماء طيرًا أبابيلَ وتشقق الأرض عن صناديد يحبون الموت كما تحبون الحياة، وتزحف الجموع الهائلة من كل حدب وصوب، وتعلو التكبيرات، هذا هو المصير الذي ينتظركم.

أنتم تنتظرون الانتقام ومحور المقاومة يستعد له بالسلاح والرجال، هجومًا ودفاعًا، يا عُتاة الإجرام والعنصرية، إلّا أن محور المقاومة ليس في عجلة من أمره، فهو قد ترككم عامدا متعمدا ينهشكم القلق وتتعاوركم سهام الأحزان والهواجس والهلع والظنون وحالة الشك وعدم اليقين والهستيريا التي تسيطر عليكم منذ وقت طويل، حتى إذا يئستم من الرد وتثاقلتم عن الاستنفار له وخلدتم إلى الراحة ودخل في عقلكم الباطن أن إيران ومحور المقاومة قد رغبوا عن الإنتقام واستحبوا الهدوء والاستقرار وانشغلوا عن مقارعتكم بشؤونهم الداخلية، وأن الاغتيال الجبان للقائد الفذ إسماعيل هنية ورفيقه في درب الجهاد فؤاد شكر، قد مر بردًا وسلامًا وأن دماءهم الطاهرة ودماء شعب عزة المجاهد المغوار قد ذهبت أدراج الرياح، حتى إذا تمكن هذا الإستنتاج من نفوس قادتكم واستحكم في عقولهم، وتعبت اساطيل وجيوش وطائرات الناتو من طول الإنتظار وتكاليفه الباهظة، وعادت أدراجها بعد حين، حينها يكون الرأي قد اكتمل، وانطلت المكيدة والخديعة عليكم وأن الخطة قد نضجت فأسرجت الحرب خيولها واشتعل أوراها، فلعلها تكون القاضية فلا تبقي منكم باقية.

وينبئ مسار الأحداث في المنطقة بأنها تتجه نحو إحدى الحسنيين، فإمّا إجبار العدو ورعاته وحلفائه على إبرام صفقة كبرى يتم بموجبها وقفًا فوريًا لإطلاق النار، وتحقيق كل شروط المقاومة في غزة، ودفع أثمان استراتيجية وسياسية واقتصادية باهظة لمحور المقاومة، وبذلك يتجسّد النصر الحاسم لغزة ومحور المقاومة، ويثبت التاريخ بأن دماء شعب غزة وقادتها العظام وأرواح شهدائهم الطاهرة وتضحيات محور المقاومة في إيران ولبنان واليمن والعراق لم تذهب سدى؛ بل أثمرت وأينعت نصرًا مُبينًا للحق وأهله، وإمّا ضربة كبرى لعمق العدو ومصالح رعاته وحلفائه لا تبقي له حجرًا على حجر، وقد تجر العالم كله إلى حرب عالمية ثالثة لا يتمناها أحد.

إن الولايات المتحدة وبفضل من الله ثم بالحكمة والأناة التي تتمتع بها القيادة الإيرانية تدفع بكل قوة حاليا نحو تأجيل الضربة أو تخفيفها، وحسب التسريبات الإعلامية فإن المقابل لذلك سيكون صفقة تنفذ في إطار زمني محدد، تشمل وقفًا فوريًا لإطلاق النار في غزة ولبنان، وسحب جيش الاحتلال من قطاع غزة، وإطلاق مفاوضات جادة لإطلاق متزامن لسراح الأسرى، وإعادة إعمار غزة وجنوب لبنان وتحرير مليارات من أرصدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية المُجمّدة وتفاصيل وأفكار أخرى كثيرة مطروحة على الطاولة. وفي الأثناء يستغل المحور، الوقت الضاغط على العدو وحلفائه من خلال استمرار الضربات الصاروخية واستهداف مواقع العدو المتقدمة وفي العمق واستمرار الحصار البحري من قبل القوات المسلحة اليمنية الباسلة، وتستمر المقاومة الأسطورية في غزة العزة في دك معاقل العدو بالصواريخ واستهداف تجمعاته بالعبوات الناسفة المدمرة ومختلف الأسلحة المتوفرة، حتى يرضخ العدو ومن ورائه.

وإنه لجهاد حتى النصر، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وإنه سبحانه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.