الفرق في استثمار الإجازة

 

 

سلطان بن ناصر القاسمي

هل هناك فرق في البيئة العمانية؟ وهل تختلف نظرة الأسر نحو المستقبل؟ وهل هناك تباين في تحقيق الأهداف التربوية وتخطيط واستثمار الأوقات المُفيدة للأبناء؟ فمع بداية إجازة الصيف، تبدأ الأسر والأفراد في وضع خطط لاستثمار هذه الفترة. وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن استثمار أوقات الصيف للأطفال؟ وما هي الاختلافات التي نلاحظها؟ هذا المقال يسعى لاستكشاف هذه التساؤلات وتحليل كيفية استثمار الأسر والمحافظات المختلفة في عُمان لأوقات الصيف.

وفي بعض المحافظات، هناك اهتمام كبير بالمراكز الصيفية ومراكز تعليم القرآن الكريم. هذه المراكز لا تقتصر على تعليم القرآن فقط، بل تشمل أيضًا تعليم أمور الدين، وتنظيم رحلات دينية إلى الديار المقدسة لأداء العمرة. هذا النوع من الأنشطة ليس فقط يعزز المعرفة الدينية، بل يقدم أيضًا تجربة تحفيزية للطلاب تشجعهم على التعمق في فهم دينهم والتواصل مع مجتمعهم. ويُعتبر هذا التوجه نموذجاً إيجابياً يُعزز القيم الدينية والأخلاقية لدى الشباب، ويشجعهم على تكوين علاقات إيجابية مع أقرانهم.

ومن المحافظات التي تميَّزت باستثمار الإجازة الصيفية تلك التي تفتح مراكز لتعليم اللغة الإنجليزية. حيث يقضي الطالبات والطلاب شهراً كاملاً في هذه المراكز وكأنهم في إحدى الدول الأوروبية؛ حيث يتم تنظيم برنامج متكامل يركز على تعلم اللغة الإنجليزية من خلال الحياة اليومية. هذه المراكز تقدم بديلاً فعالاً عن السفر إلى الخارج لتعلم اللغة، مما يُقلل من تكاليف السفر ويوفر بيئة تعليمية محفزة وقريبة من المنزل. بالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه البرامج في تعزيز الثقة بالنفس لدى الطلاب من خلال تمكينهم من التواصل بلغة أجنبية، مما يفتح أمامهم آفاقاً جديدة في المستقبل الأكاديمي والمهني.

وكذلك، إن بعض الأسر تفضل استثمار الإجازة الصيفية في السياحة، سواء السياحة الداخلية على سبيل المثال في محافظة ظفار، أو الخارجية. حيث إن السياحة الداخلية توفر فرصة لاستكشاف جمال البلاد وتعزيز الروابط الأسرية من خلال الأنشطة الترفيهية والرحلات. بينما السفر إلى الخارج يقدم تجربة ثقافية غنية وفرصة لتعلم أشياء جديدة والتعرف على ثقافات مختلفة. كما أن الرحلات السياحية، سواء داخلية أو خارجية، تساهم في توسيع مدارك الأطفال وتعليمهم تقدير الثقافات المتنوعة واحترامها، كما تعزز الترابط العائلي من خلال قضاء وقت ممتع ومفيد معًا.

وفي بعض المحافظات والولايات، نجد أن الاهتمام الأكبر يكون بقضاء أوقات الأبناء في لعب كرة القدم وتشجيعها. حيث يتم تنظيم مسابقات كروية للفرق الأهلية بكافة فئاتها، وتصبح هذه الأنشطة محور حياة الشباب. صحيح أن الرياضة أمر مهم، إلا أن الاقتصار عليها دون استثمار الوقت في أنشطة تعليمية أو تطويرية أخرى قد يؤدي إلى فقدان التوازن في تنشئة الأطفال، مما يؤثر سلباً على تحصيلهم الدراسي ومستقبلهم الأكاديمي. كذلك الأنشطة الرياضية توفر فرصة لتطوير المهارات البدنية والعمل الجماعي، ولكن يجب أن تكون جزءًا من برنامج شامل يشمل الجوانب الأكاديمية والتطويرية الأخرى.

فرسالتي إلى أولياء الأمور هي ضرورة الاهتمام بأبنائكم والتخطيط لاستثمار أوقاتهم الصيفية بالشكل الذي يعود عليهم بالفائدة. عليكم أن تدركوا أن إدارات الأندية الرياضية والفرق الأهلية لا تهتم بمستقبل أبنائكم الأكاديمي أو التربوي، إذ تقتصر اهتماماتها على إقامة المسابقات وتسجيل الأنشطة الرياضية والشبابية دون النظر إلى مستقبل الشباب الأكاديمي والتربوي. فالاهتمام الكبير من قبل الأندية بزيادة المسابقات الرياضية لا يعدو كونه هدفاً مادياً وسعياً لإيجاد عناصر جاهزة لتمثيل الأندية في مسابقات الاتحاد المختلفة والمتنوعة.

لذا، أنادي إدارات الأندية بأن تسعى لتحقيق التوازن بين الأنشطة الرياضية والثقافية، وأن يكون التنوع هدفهم الأساسي. كما أشجع أولياء الأمور على تبني نهج متوازن في تنظيم أنشطة أبنائهم خلال الإجازة الصيفية، بحيث تشمل الأنشطة اليومية تعليم القرآن في فترة الصباح، وممارسة الرياضة ومتابعة المسابقات الرياضية في فترة العصر أو المغرب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأسرة استثمار الإمكانيات المادية للسفر للسياحة الخارجية أو الداخلية، مما يساهم في تحسين نفسية الأبناء بعد عام دراسي مليء بالجد والاجتهاد.

وعليه، فإنَّني أدعو وزارة الثقافة والرياضة والشباب الموقرة إلى التفكير الجاد في فتح مراكز صيفية متكاملة في كافة ولايات السلطنة. هذه المراكز يجب أن تكون ممنهجة ومبرمجة لتستوعب العديد من الشباب والشابات. وكذلك يجب أن تشمل البرامج محاضرات توعوية، تعليمية، وتثقيفية تحت إشراف مشرفين أكفاء. هذه المراكز يمكن أن تساهم في تنمية مهارات الشباب وتحفيزهم على استثمار وقتهم بفعالية لتحقيق أهدافهم المستقبلية. وجود مثل هذه المراكز يمكن أن يكون بمثابة الحل الأمثل لتوجيه طاقات الشباب نحو الأنشطة البناءة والمفيدة.

وعلاوة على ذلك، يُمكن لهذه المراكز أن تقدم برامج متنوعة تشمل تعليم اللغات، المهارات الحياتية، الرياضة، والفنون. يمكن تنظيم ورش عمل لتعليم الحرف اليدوية والفنون التشكيلية، بالإضافة إلى دورات تدريبية في التكنولوجيا والبرمجة. هذا التنوع في الأنشطة سيمكن الشباب من اكتشاف مواهبهم واهتماماتهم وتطويرها، مما يساهم في بناء جيل متعلم ومبدع. كذلك، يمكن لهذه المراكز تنظيم مسابقات وجوائز تشجيعية لتحفيز الشباب على المشاركة بفعالية وإظهار أفضل ما لديهم.

إنَّ استثمار الإجازة الصيفية بشكل فعال يمكن أن يعزز معرفة الأطفال ومهاراتهم. من خلال المشاركة في المراكز التعليمية والأنشطة المختلفة، يمكن للأطفال تعلم أشياء جديدة وتوسيع آفاقهم. هذا لا يساعد فقط في تحسين تحصيلهم الأكاديمي، بل يساهم أيضًا في تطوير شخصياتهم وزيادة ثقتهم بأنفسهم. الأطفال الذين يتم تحفيزهم على استثمار وقتهم بفعالية يظهرون تحسناً في مهاراتهم الاجتماعية والأكاديمية، ويكونون أكثر استعداداً لمواجهة تحديات المستقبل.

وفي الختام.. أسأل الله تعالى أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من كل سوء، وأن يرزقهم العلم والحكمة والقدرة على استثمار أوقاتهم بشكل يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع والفائدة.

تعليق عبر الفيس بوك