الوادي الكبير والتركيبة الديموغرافية

 

 

د. محمد العاصمي

الوادي الكبير تلك المنطقة القابعة بين أحضان جبال مسقط، والتي كانت أول الحواضر عندما خرج السكان من مسقط الداخل والمناطق الساحلية والولجة وروي القديمة، لتشهد هذه المنطقة الجميلة النزوح العمراني الحديث، وأضحت الصورة البهية للعاصمة ومركز الثقل السكاني المتطور، والموقع الإستراتيجي الذي يقع على مقربة من أهم المنطق الحيوية، سواءً المؤسسات الحكومية أو المؤسسات التجارية، فلا يفصل الوادي الكبير عن ولاية مسقط العاصمة الإدارية سوى عقبة البستان، ويقع الحي التجاري ملاصقاً لها من جهة الشمال.

هذه المنطقة الحصينة، وفد إليها أبناء سلطنة عُمان واستقروا جنباً إلى جنب مع من كانوا يقطنونها، ونشأت أهم حواضر محافظة مسقط في فترة السبعينيات والثمانينيات إلى مشارف التسعينيات، عندما بدأت الهجرة الداخلية والتوسع العمراني خارج هذه المناطق إلى المناطق الحديثة في أرجاء المحافظة، وفضَّل البعض البقاء، خصوصاً أولئك الذين تجذروا في المنطقة واعتادوا العيش فيها، وارتبطوا كثيراً كحال أي إنسان عندما يبني قصة عشق مع الأرض التي يسكنها.

التوسُّع العمراني وحتمية التطور الذي تشهده التجمعات السكانية، والنمو الذي تشهده المدن من خلال استحداث مخططات سكنية جديدة، إضافة للتغييرات التي تحدث في نسب السكان ونمو الأسر، كل هذه الظروف حتَّمت حدوث تغييرات في بنية وتركيبة السكان، خاصة في المناطق التي أصبحت مكتظة بالسكان والمؤسسات والمشاريع من جانب، ومحدودية المساحات من جانب آخر، وهذه الحال تنطبق على الوادي الكبير وغيره من المناطق التي نَمَت خلال الفترات السابقة، لقد تغيَّرت التركيبة السكانية في هذه المناطق بشكل ملحوظ، خُصوصاً مع وجود المنطقة الصناعية والمنطقة التجارية في قلب المنطقة.

لقد شكَّل الوافدون، خاصة من الجاليات الآسيوية، عدداً كبيراً من نسبة السكان في عموم ولاية مطرح؛ حيث تُشير الإحصائيات بحسب تقرير المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى وجود ما يقارب 177.332 نسمة من الوافدين بنسبة 80.6% من إجمالي سكان ولاية مطرح، بينما لا يشكل العمانيون سوى 42 ألفًا و600 نسمة فقط، بنسبة لا تتعدى الـ19%،  لقد تأثر سكان هذه المناطق بكل ذلك ولم يعد الأمر كما كان سابقاً، وهو ما دعا العديد منهم للمطالبة بالحد من تمركز الوافدين في وسط هذه المناطق، وتأثير ذلك على أبنائهم والمجتمع بشكل عام، حتى إنَّ بعض المناطق القريبة مثل "الولجة" أصبحت مناطق وافدين بنسبة كبيرة جدًّا، ولربما يكاد يكون هذا الوضع شبيهاً بما نراه في عديد دول العالم عندما تميل بعض الجنسيات للتجمع في مناطق محددة يصبغونها بصبغتهم الخاصة؛ مثل الأحياء الصينية في كثير من دول العالم، والأحياء اللاتينية التي تُعاني منها أمريكا الشمالية وبعض دول أوروبا.

إنَّ ما يصحب هذا التغيُّر في ديموغرافية المناطق بكل تأكيد له آثار سلبية وانعكاسات على البلد، خصوصاً على مستوى الأمن والخدمات والصحة والتعليم، وهذه التأثيرات لا يُمكن تجاهلها أو إغفالها وغض الطرف عنها، بل يجب أن تكون موضع متابعة مستمرة وبحث وتقصٍّ، ويجب أن تُوضع تحت السيطرة بمختلف الوسائل حتى نتجنَّب عواقبها، ولربما كانت حادثة الوادي الكبير التي لم يعتد المجتمع العماني المسالم على مثلها قد تكون نتيجة من نتائج هذه التغيُّر التركيبي السكاني، ونمو التجمعات الفئوية التي تمكنها -حسب اعتقادها الواهي- من تطبيق قوانينها الخاصة.

تقع على الجهات المختصة اليوم مسؤولية كبيرة في مواجهة هذه المشكلة خاصة في العاصمة مسقط، والتي توجد بها أكبر نسبة من التجمعات السكانية للوافدين، ووجود مناطق عديدة قد تكون بداية لتشكل تجمعات فئوية لجنسيات محددة بعينها، وعليها أن تضبط إيقاع تراخيص العمل ومتابعة الوافدين الذين لا يملكون تأشيرات أو المنتهية تراخيصهم والهاربين من كفلائهم؛ حيث تشكل هذه الفئة خطرًا، خاصة العمالة غير الماهرة، وتلك التي تمارس التجارة المستترة، وتتقن التكيف مع الظروف المعيشية السيئة.

إنَّ الأمن والأمان عنصران مهمان من عناصر التنمية، والنمو الاقتصادي، ولا يجب الاستهانة بالثمن الذي يُدفع من أجل تحقيقهما، وكما تقع على الجهات المختصة مسؤولية ترسيخهما تقع علينا كمواطنين مسؤولية أكبر في هذا الجانب، وعلينا أن نكون أول المساهمين في ذلك من خلال التزامنا بالقوانين والتشريعات التي تنظِّم وجود العمالة الوافدة؛ سواء من حيث التشغيل أو السكن أو الاستغلال الخاطئ لجلبهم دون عمل حقيقي، وهذا بحد ذاته كفيل بتجنيب المجتمع المشاكل التي تنتج عن المخالفات المرتكبة من هذه الجاليات.

تعليق عبر الفيس بوك