تكامل الجهود لتشغيل القوى العاملة الوطنية

 

 

خالد بن حمد الرواحي

تُعتبر قضية الباحثين عن عمل من القضايا التي تمثل تحدياً للكثير من دول العالم، ومنها سلطنة عُمان؛ مما يتطلب تكاتف الجهود بين جميع الجهات المعنية للوصول إلى حلول فعَّالة ومستدامة؛ نظراً للتداعيات المؤثرة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. بما في ذلك الضغوط النفسية على الأفراد والأسر، وتأثيرها على مستوى المعيشة والقدرة الشرائية، بالإضافة إلى الضغط على ميزانية الحكومة التي تضطر لتقديم الدعم الاجتماعي، وتقليص الإنتاجية الاقتصادية نتيجة هدر الموارد البشرية؛ لذا، تعد معالجة هذه القضية أمرًا حيويًا لاستقرار المجتمع.

الأمر يستدعي تواصل الجهات الحكومية المختصة مع منشآت القطاع الخاص باللغة التي تفهمها هذه المنشآت، وهي لغة تحقيق الربح وتقليل التكلفة، وبالتالي يجب أن تكون هناك علاقة عكسية بين ما يفرض من رسوم وضرائب على هذه المنشآت، وبين ما تحققه من نسب تشغيل للقوى العاملة الوطنية، فكلما حققت نسب تشغيل أكبر انخفضت نسبة الضرائب والرسوم المفروضة عليها.

وعليه، فقد أصبح لزامًا على الحكومة أن تعمل على تحفيز النمو الاقتصادي، وخلق بيئة استثمارية ملائمة تجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتعزيز السياسات الحكومية لتوفير فرص عمل مستدامة من خلال الحلول الجذرية وليست المؤقتة. ووقف استقدام القوى العاملة الوافدة في المهن التي يمكن للقوى العاملة الوطنية العمل بها عملاً بالمادة (27) من قانون العمل العماني، ودعم الصناعات الجديدة مثل التكنولوجيا البيئية والذكاء الاصطناعي.

كما أنَّ نشر ثقافة العمل الحر، وخلق بيئات استثمارية خلّاقة سوف يُؤدي حتمًا لزوال بعض المهن التقليدية وظهور مهن جديدة تتطلب مهارات متقدمة. فضلا عن توزع النمو الاقتصادي على المحافظات بدلاً من تركيزه في العاصمة مسقط؛ مما يُسهم في توفير فرص عمل أكثر بالمحافظات، مع أهمية ومواءمة التخصصات والمخرجات التعليمية مع احتياجات سوق العمل.

إنَّ تعريف منظمة العمل الدولية للباحثين عن عمل قد لا يتناسب مع ظروف هذه الفئة في سلطنة عمان؛ وعليه فمن الضروري وضع تعريف واضح للباحثين عن عمل على المستوى الوطني للوصول إلى إحصائية دقيقة ربما تبتعد أو تقترب من الرقم المعلن عن الباحثين عن عمل وهو 100 ألف باحث.

وبهذا الصدد، فوجود تعريف مُحدَّد وواضح سوف يؤدي إلى استبعاد بعض الفئات من إعداد الباحثين عن عمل مثل المتقاعدين، وكبار السن، والأشخاص الذين يعملون في المهن الحرة المرخصة، وأولئك الذين يمتلكون سجلات تجارية ويعمل لديهم ما يزيد على عشرة من العمالة الوافدة كونهم أصحاب عمل، والأشخاص الذين يستقيلون بمحض إرادتهم من منشآت القطاع الخاص بشكل متكرر يزيد على عشر مرات. وربات المنازل عبر منح إعانة لهن.

ومن جهة أخرى، فإنَّ هناك جهودًا حثيثة تبذلها الحكومة لتحفيز الاستثمار وتوفير فرص عمل جديدة، فوزارة العمل تلعب دورًا محوريًّا في تنظيم سوق العمل ووضع السياسات المناسبة، وقد قامت بعدة مبادرات لتشغيل الباحثين عن عمل؛ منها دعم الأجور في القطاع الخاص وتشجيع التدريب على رأس العمل وغيرها من المبادرات التي لا تخفى على أحد، إلا أن التكامل مع مؤسسات الدولة الأخرى الحكومية منها والخاصة مهم لتحقيق نجاح أكبر.

وعلاوة على ذلك؛ فالاستثمارات والمشاريع والمصانع الجديدة هي من تخلق فرص العمل، وبالتالي نحتاج إلى المزيد من تضافر الجهود من كافة المؤسسات التي لها علاقة مباشرة بتنظيم سوق العمل؛ وذلك عبر منظومة عمل موحده تعمل على تحديث التشريعات القانونية لتكون متناسقة وفعّالة تساعد على توفير المزيد من فرص العمل، ووجود إستراتيجية وخطة واضحة للإحلال مع القيام بالإحلال المباشر للوظائف والمهن التي بها قوى عاملة وطنية باحثة عن عمل مستوفيه لشروط شغلها في القطاعين العام والخاص.

وفي السياق ذاته، يجب تحسين بيئة العمل في مؤسسات القطاع الخاص بحيث تكون محفزة ومشجعة للعمل للمواطنين ليكونوا بديلا للعمالة الوافدة في أغلب الأعمال، وفي مقدمتها الاهتمام بمعايير الصحة والسلامة المهنية، ومستوى الأجور برفع حدها الأدنى، وأن يكون الحد الأدنى للأجور للحد الأدنى من المؤهلات والمهارات، والعناية بقواعد البيانات عموما وتلك المعنية بربط المشاريع بالعقود خصوصا العقود من الباطن، وتحقيق الربط الإلكتروني فيها، فوجود ربط الإلكتروني بين المناقصات والمشاريع المسندة من الجهات الحكومية ومجلس المناقصات مع وزارة العمل لمتابعة التزام هذه المنشآت بالتشغيل على المشاريع ومتابعة توظيف القوى العاملة الوطنية بشكل فعال.

إنَّ تفعيل محور أولوية سوق العمل والتشغيل برؤية "عمان 2040" سوف يكون له بالغ الأثر في خلق فرص العمل وحل كثير من مشكلات الباحثين عن عمل؛ ذلك أنه يهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات متكاملة لرأس المال البشري لتحديد الاحتياجات المستقبلية والتخطيط بشكل أفضل لتشغيل القوى العاملة الوطنية.

لذلك؛ فإنَّه من المناسب الإسراع في منح إعانة شهرية للباحثين عن عمل لتغطية تكاليف معيشتهم الأساسية حتى يتمكنوا من العثور على وظائف مناسبة. إن هذا الدعم يمكن أن يخفف من الضغوط النفسية والاجتماعية التي تواجه الباحثين عن عمل ويحفزهم على مواصلة البحث عن فرص عمل.

كما أنَّه من المناسب السعي لتثبيت المعينين بمبادرة "ساهم"؛ فهذه خطوة مهمة لتحقيق الاستقرار لهم، مع التوسع في مبادرة دعم أجور القوى العاملة الوطنية العاملة بالقطاع الخاص لخفض التكلفة على الشركات وتشجيعها على توظيف المزيد من العمالة الوطنية.

وإضافة إلى ذلك، تم تبني آلية جديدة لاحتساب نسب التعمين في مؤسسات القطاع الخاص، تقوم على تحديد نسب التعمين لتكون على حسب المستويات الوظيفية لكل قطاع اقتصادي؛ بحيث تحدد نسبة واضحة لكل مستوى وظيفي (الوظائف العليا، والوظائف الوسطى، وللوظائف محدودة المهارة)، وللالتفاف على هذه الآلية قامت بعض منشآت القطاع الخاص باستقدام قوى عاملة وافدة للعمل في مهن الفئة العمالية الثالثة، وتشغيلها في الفئتين الأولى والثانية؛ بهدف عدم توظيف القوى العاملة الوطنية في تلك الفئات؛ مما يتطلب وجود ضوابط تحد من ذلك، ورفع غرامة مخالفة المهنة بشكل عام وللمهن المستهدفة للإحلال بالقطاع الخاص بشكل خاص، والتوسع في قرارات تعمين الأنشطة والمهن التي يوجد أعداد كافية من الباحثين عن عمل بها، مع تفعيل العقوبة الواردة بالمادة (144) من قانون العمل العماني على كل صاحب عمل لا يلتزم بنسب التعمين المقررة أو خطة إحلال العمانيين محل العمال غير العمانيين بدفع غرامة لا تقل عن 500 خمسمائة ريال عماني، ولا تزيد على 1000 ألف ريال عماني وذلك عن كل عماني مطلوب تعيينه أو إحلاله خلال 6 سته أشهر من تاريخ اكتشاف المخالفة، وتضاعف العقوبة عند تكرار المخالفة.

وعلاوة على ذلك، وَضْع تشريع يُلزم منشآت القطاع الخاص بتعين بديل للقوى العاملة الوطنية المستقيلة أو التي يتم إنهاء خدماتها لجميع الأسباب باستثناء سبب انتهاء الأعمال والمشاريع لكون فرص العمل موجودة بالمنشأة، مع ضرورة التصدي للتشغيل الصوري من خلال تشديد العقوبات ورقابة نظام حماية الأجور. ولتقييم ما يتم إنجازه في ملف الباحثين عن عمل يتم التركيز على صافي الزيادة السنوية في أعداد القوى العاملة الوطنية المؤمن عليها في القطاعين العام والخاص، ونسبة الجامعيين الذين تم تشغيلهم لأول مرة ممن لم يسبق لهم العمل، وتشغيل المسرحين من العمل. وإن هذا ليعد مُؤشرًا مهمًّا لنجاح السياسات الحكومية للتشعيل.

وختامًا.. فإنَّ من الأهمية بمكان الإشادة بجهود وزارة العمل وما يقوم به المختصون بها من جهود لتنظيم سوق العمل، واتخاذ كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تشغيل القوى العاملة الوطنية في جميع القطاعات الحكومية والخاصة، وسوف يسهم التكامل الفعّال والتعاون الوثيق بين جميع الجهات المعنية إلى تبني استراتيجيات متكاملة وتوجيه الجهود نحو تطوير بيئة العمل وتوفير الفرص للمواطنين، وتحقق نجاح أكبر في تشغيل القوى العاملة الوطنية وتوفير بيئة عمل مستدامة ومستقرة.

تعليق عبر الفيس بوك