تحقيق: ناصر أبوعون
قال الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(خُرُوجُنا مِنْ مَسْقَطَ.. وَكَانَ خُرُوجُنَا مِنْ مَسْقَطَ السَّاعَةَ التَّاسِعَةَ نَهَارًا يَوْمَ الأَرْبعَاء فِي أَرْبَعَةٍ وعِشْريْنَ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ 1341 هـ عَلَى مَتْنِ البَارِجَةِ الإنْجِلِيزيّةِ المُسَمَّاةُ "ترايد". فَلَمّا انْقَضَتْ السَّاعَةُ العَاشِرَةُ مِنْ يَومِنَا هَذَا أَقْلَعَتِ البَارِجَةُ مِنْ مَرْسَى مَسْقَطَ مُتَوَجِّهَةً إِلَى "ظَفَارَ" وَقَدْ رَفَعَتِ الْعَلَمَ الأَحْمَرَ بِأَعْلَى دقلها رَمزًا لِوُجُودِ السُّلْطَانِ بِهَا. وَلَمْ تَزَلْ تَمْخَرُ عُبَابَ الْبَحْرِ وَتَفْرِي أَدِيْمَهُ. وَقَدْ أَجَادَ "السَّيْدُ العَدْنيُّ" فِي وَصْفِهِنْ؛ حَيْثُ يَقُولُ:
[( ورَكَبْتُ سَابِحَةً كَأَنَّ دُخَانَها // سُحبٌ ولَمْعُ شَرَارِها بَرْقٌ سَرَى
تَفْرِي أَدِيْمَ الْبَحْرِ سَاخِرَةً بِهِ // وتَدُوسُ هَامَتَه إِذَا مَا زَمْجَرَا
تَهْوِي هَوِّيَ الْأَجْدَلِ الْمُنْقَضِّ لَا // تَرَعَى الجَنُوْبَ ولَا الشَّمَالَ الْأَزْوَرَا
تَجْرِي بِأَمْرِ اللهِ وَالرِّيْحُ الَّتِي // سِرُّ الْإِلَهِ بِنَارِهِ فِيْهَا سَرَى)].
[(فَلْمْ تَمْضِ سَاعَةٌ إِلَّا وَقَدْ تَوَارَت عَنِ الْأَبْصَارِ جِبَالُ مَسْقَطَ؛ [( وَتَلَفَّتَت عَيني فَمُذ خَفِيَتْ // (عَنِّي) الطُلولُ تَلَفَّتَ القَلبُ)].
****
- قال الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(خُرُوجُنا مِنْ مَسْقَطَ.. وَكَانَ خُرُوجُنَا مِنْ مَسْقَطَ السَّاعَةَ التَّاسِعَةَ نَهَارًا يَوْمَ الأَرْبعَاء فِي أَرْبَعَةٍ وعِشْريْنَ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ 1341 هـ)].
[(7 فونيمات في مسقط)]
- فأمّا عن ذكره [(مَسْقَطَ)]، فهي (اسم مكان)، وفيه إشارة إلى العاصمة ومركز الحُكْم وموقعها جغرافيا على بحر عُمان في العصر الحالي، وتنحصر بين جبال الحَجَر الشرقيّ وبحر عُمان. وقد زارها عالم الآثار الفرنسي جين ديولافوا عام 1884م، وقال عنها: "إنه خليج هادئ محاط بنطاقات ثنائية واسعة من الصخور، الماء الأخضر يحيط بأرضية المدينة البيضاء".
وقد وردت في نطق (مسقط) عدّة قراءات لفظًا ودلالة، وذلك راجعٌ لتعدُّد (الفونيمات = الوحدات الصوتية داخل مبنى الكلمة) في نُطقِها ورسْمِها؛ وأتتْ على ذكرها دراساتٌ عربيّة ووثائق أوربيّة شتَّى؛ كانت أهمها دراسة للباحث المصريّ أحمد محمد يوسف عبد القادر بعنوان: (نقود مدينة "مسكد" النحاسية في القرن 13هـ 19م)(1)، وقد اشْتُهِرَت في اللهجات الفصيحة بلفظ (مسقط) أو (مسقت)(2)، ويلفظ الناطقون حرفها الأخير (ط) أو(ت) ساكنة منذ أوائل القرن العشرين، ويتنوّع نطقها وهجاؤها في اللغة الإنجليزية هكذا [Maskat/Masqat](3)، وقِيل إنّ أصل كلمة (مسقط) بالكاف والتاء المفتوحة وتُرسَم هكذا (مسكت)، ويُقال إنّ صيتها ذاع بهذا الاسم يوم أن وصل إليها صحابة الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- فلّما رأوهم أهلها وسُكانها (سَكَتُوا/ صَمَتُوا) إعجابًا وإجلالًا لقدرِهم وحُسْن هيأتهم. فوصفهم الصحابةُ بقولهم: (أهل مسكت)، ثُم صُحِّفَتْ الكلمة إلى (مسقط)(4)، وقُلِبَت (القاف) إلى (كاف)(5)، ورسمها بعض المؤرخين هكذا (مَاسْكَات)(6)، وبعضُهم مَالَ في نُطْقِ (الكاف) ناحيةَ الجِيم المُعَطَّشَة فقال: (مَسْچَت)(7)، والبعض الآخر حَرَّفَ نُطقها فاستبدل التاء المفتوحة (ت) في (مسكت) بهاء مربوطة غير منقوطة ورسموها هكذا(ــه)، ونطقوها (مَسْكَه)(8) وذلك تأثرًا بما هو شائع على ألسنة الهنود الذين وفدوا إليها منذ القديم(9)، كما ورد ذكر(مَسْقَت) في العديد من الوثائق باستبدال (القاف) كافًا و(التاء) دالًا ساكنة ورسموها ونطقوها هكذا (مَسْكَد)(10)، كما نطالع كثيرًا لفظة (مسكد) في المراسلات الرسمية عام 1306هـ/1889م(11)، ونقرأها كثيرًا في العديد من المخطوطات العربية المنسوخة(12)، وقرأنها في تُحفة الأعيان للعلّامةُ نور الدين السالميّ هكذا (مسكد) بنصّها ولفظها وهجائها(13).
[(زمن الرحلة إلى ظَفَار)]
- وفي قول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(يوم الأَرْبِعَاء)] لطيفة لُغوية؛ فهذا اليوم مفردٌ مذكرٌ على وزن (أَفْعِلاَء)، ومثنَّاه: (أَرْبَعَاوَان)، وجمع التكسير منه: (أرابيعُ) (أرْبَعَاوَات)، أو (أَرْبِعَاءِاتٌ)، وفي حرف (الباء) ثلاث لغات ضَبْطًا ونُطْقًا؛ فيُقال: الأَرْبِعاء (كسرًا)، والأَرْبَعاء (فتحًا) والأَرْبُعاء(ضمًّا)، وجذره اللغويّ (رب ع)، ويُقَال: (قَعَدَ الْأَرْبَعَاء)، أيْ مُتَرَبِّعًا. وشاهدُه في الحديث النبويّ:{إِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، صُمْ رَمَضَانَ، والَّذِي يَلِيهِ، وكُلَّ "أَرْبِعَاءٍ وخَمِيْسٍ، فَإذَا أَنْتَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ، وأَفْطَرْتَ}(14)
- وفي قول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(فِي أَرْبَعَةٍ وعِشْريْنَ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ 1341هـ)]، ففيه اكتفاء بإملاء التَّاريخ الهِجريّ توصيفًا لزمن انطلاق الرحلة إلى (ظَفَار)؛ وهو تقليد دأب عليه القُضاة والمؤرخون والأدباء والنُّسَّاخ العُمانيون في سائر مخطوطاتهم التزامًا منهم بالانتساب إلى الإسلام شريعةً وتاريخًا، ثم لاحقا قرنوا به التاريخ الميلاديّ، مع دخول سبعينيات القرن العشرين؛ لذا لم يكترث الشيخ عيسى الطائيّ في هذه الفقرة بإثبات التقويم الميلاديّ لبدء الرحلة، وهو الموافق ليوم الحادي عشر من أبريل، عام 1923م.
[(البارجة البريطانية ترايدنت)]
- يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(عَلَى مَتْنِ البَارِجَةِ الإنْجِلِيزيّةِ المُسَمَّاةُ (ترايد). فَلَمّا انْقَضَتْ السَّاعَةُ العَاشِرَةُ مِنْ يَومِنَا هَذَا أَقْلَعَتِ البَارِجَةُ مِنْ مَرْسَى مَسْقَطَ مُتَوَجِّهَةً إِلَى (ظَفَارَ) وَقَدْ رَفَعَتِ الْعَلَمَ الأَحْمَرَ بِأَعْلَى دَقَلِها رَمزًا لِوُجُودِ السُّلْطَانِ بِهَا)]. وهنا إشارة لطيفة من الشيخ الطائي أثبت فيها اسم البارجة الإنجليزية، والذي تردَّد في الوثائق الإنجليزية، وبالبحث عن نوع البارجة اتضح أنّها كانت من بوارج الصف الأول التي دخلت الخدمة في الأسطول البحريّ البريطاني تحت مسمى "ترايدنت" عام 1890، وهي "سفينة حربية تعمل بالدفع البُخاريّ ومحميّة بالصفائح الحديدية أو الفولاذية، وظهرت لأول مرة في خمسينيات القرن التاسع عشر بسبب عدم قدرة السفن الخشبية على مقاومة القذائف المُتفجِّرة والحَارقة"(15)
[(حكاية العلم الأحمر)]
- يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(أَقْلَعَتِ البَارِجَةُ مِنْ مَرْسَى مَسْقَطَ مُتَوَجِّهَةً إِلَى "ظَفَارَ" وَقَدْ رَفَعَتِ الْعَلَمَ الأَحْمَرَ بِأَعْلَى دقلها رَمزًا لِوُجُودِ السُّلْطَانِ بِهَا)]. وهنا يستوجب المَقام التنويه إلى ملاحظتين: أمّا الأولى فللتأكيد على أنّ البارجة البريطانية التي أقلّت السلطان تيمور ورفاق رحلته إلى (ظَفَار) كانت ترفع (العلم الأحمر) الذي كان شعار (سلطنة مسقط وعُمان) في الفترة من 1871م- 1970م، وليس هو (العلم الأحمر) الذي نَصَّت عليه المادة [3] من «المعاهدة العامة للسلام بين القبائل العربية والحكومة البريطانية 1820م»؛ التي وقّعتها بريطانيا مع شيوخ (إمارات ساحل عُمان المُتَصالِح) بعد إنهائها تمرد قبيلة (القواسم) وأنصارهم؛ "في 21 يناير 1820م والتي يقول منطوقها: "يلتزم العرب المتصالحون في البرّ والبحر برفع (علم أحمر يضم حاشيةً بيضاء)، ويكون عرض الأبيض في الحاشية مُساويا للعرض الأحمر، ولهُم الخَيَار في أن يحمل هذا العلم شيئا من الكتابة"(16).
وأمّا الملاحظة الثانية؛ فهي للتأكيد على أنّ (سلطنة مسقط وعُمان) بالمقارنة مع مشيخات الخليج الأخرى كانت (دولة) يحمها السلطان تيمور بن فيصل ويعاونه مجلس وزراء، بالمفهوم الحديث للدولة لها قوانين مستقلة وحدود متعارف عليها دوليا، وهي من أقدم الحضارات التي عرفت أيقونة (العَلَم) واتخذته شعارًا لها؛ ففي عام 750 للميلاد، كان العلم الوطنيّ للامبراطوريّة العُمانيّة يتكوّن من (لافتة ملونة باللونين الأحمر والأبيض)، وفي منتصف القرن 18 الميلادي ظهر تصميم الشّعار السلطانيّ لـ(سلالة السادة السلاطين من آل سعيد البوسعيديين)، ويتكوّن من وحدة فنية تجمع داخل نسقها (الخِنجَر السَعيديّ في غِمده والحزامٍ مُرَكّبين على سيفين عُمانيين مُتقاطعين)، ثُمَّ في مرحلة تاريخية لاحقة اتخذ العُمانيون (اللون الأبيض) عَلَمًا لهم في الفترة من 1868م- 1871م، ثم تحوّل لونه من (الأبيض) إلى (الأحمر) في الفترة من 1871م- 1970م.
[(دقل البارجة البريطانية)]
- وأمّا قول الشيخ القاضي عيسى الطائيّ [(بأعلى دَقَلها)]؛ فقد قصد به (صاري أو سارية) البارجة البريطانية، و"الدَّقَل" و"الدَّوْقَل" كان يُصنعُ قديما من شجر جوز الهند أو السَّاج: وهو خشبة طويلة تُشَدُّ في وسط السفينة ويُمَدُّ عليها الشراع، وقيل: الدَّقل سهم السفينة"(17)، وجمعه (أدقال)، وشاهده من الحديث النبويّ: (أنّ رَجُلًا حَمَلَ مَعَهُ خَمْرًا فِي سَفِيْنَةٍ يَبِيْعَه، ومَعَه قِرْدٌ، قَال: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَاعَ الخَمْرَ شَابَه بِالْمَاءِ، ثُمَّ بَاعَه؛ قَالَ: فَأَخَذَ القِرْدُ الْكِيْسَ، فَصَعَدَ بِهَ فَوْقَ "الدَّقَلِ". قَالَ: فَجَعَلَ يَطْرَحُ دِيْنَارًا فِي البَحْرِ، ودِيْنَارًا فِي السَّفِيْنَةِ حَتَّى قَسَمَه")(18).
[(في العُبَاب 5 معانٍ)]
- وفي قول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ [(وَلَمْ تَزَلْ تَمْخَرُ عُبَابَ الْبَحْرِ وَتَفْرِي أَدِيْمَهُ. وَقَدْ أَجَادَ "السَّيْدُ العَدْنيُّ" فِي وَصْفِهِنْ)]، وهنا أربع وقفات:
أمّا الوقفة الأولى في قوله: (تَمْخَرُ)، فهو فِعلٌ مُتَعَدٍ، ومعناه في قول العرب: مَخَرَتْ السَّفينةُ الرِّيْحَ: استَقْبَلتْها في جَرْيِها تَشُقُّ المَاءَ بصَدْرِهَا مُحْدِثةً صَوتًا. وقال مجاهد بن جبر المَكيّ في تفسير قوله تعالى:{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ}: "تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيْحَ، ولاتَمْخَرُ الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إلا الفُلْكُ العِظَامُ".(19).
وأمّا الوقفة الثانية فمع قوله: (عُبَاب البَحْرِ)، والعُبَاب يأتي على خمسة معانٍ؛ هي:(أوَلُ الشيء)، و(خُوصُ النخل)، و(الجماعة من القوم)، و(قَرارُ البحر وقِيعانه)، و(موجُ البحر)؛ وهذا المعنى الأخير هو مقصود الشيخ عيسى الطائيّ، وشاهده الشِّعريّ في بيت قاله تَأبَّطَ شَرًا الفَهْميّ، يُشَبِّهُ فرسَه بالبَحر في هيجانه: [(يَجُمُّ جُمُومَ الْبَحْرِ طَالَ عُبَابُهُ* إِذَا فَاضَ مِنْهُ أَوَّلٌ جَاشَ آخِرُ(20))].
وأمّا الوقفة الثالثة؛ فمع الصورة الشعرية المبتكرة في قول الشيخ عيسى الطائيّ [(تَفْرِي أَدِيْمَهُ)].أي: (السفينة تَفْرِي أديم البحر)، و(تَفْرِي) بمعنى تُمزّق، والتَّفَرّي: معناه التَّشَقُّق(21)، أي تشقُّ السفينة (أَدِيْمَهُ= جِلْدَه)، و(الأديم) مجاز مُرسل عن (الموج).
[(من هو السَّيْدُ العَدْنيُّ؟)]
وأمّا الوقفة الرابعة فمع قول الشيخ عيسى الطائيّ: [(السَّيْدُ العَدْنيُّ)]، إشارة إلى الشاعر اليمنيّ أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن شهاب الدين، باعلويّ الحسيني، من آل السقاف (1262- 1341هـ)، وفي 1286هـ - 1869م، الذي شدَّ رحاله إلى مكة حاجاً، وبقي فيها مدة، ثم انتقل إلى المدينة المنورة طلباً للعلم، ثم عاد إلى مسقط رأسه (تريم) وأقام بها حتى سنة 1288هـ، ثم انتقل منها إلى (عَدَن)، لكنه لم يلبث إلا قليلا، ثم رحل إلى الشرق الأقصى وأقام به أربع سنين، وزار مصر والقدس وبلاد الشام والأستانة، وقلده السلطان التركي (النيشان المجيدي)، و(السيف العثمانيّ)(22)، ثم قصد حيدر أباد واستقرّ بها نحو ثلاثين سنة، نذر نفسه فيها للدعوة الإسلاميةً، وكان من روّاد الصف الأولى للمدرسة الشعرية والأدبية والعلمية في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الهجريين، وقد غنّى المطربون كثيرا من أشعاره الحِكْمية، وسائر قصائده الغنائية في مستوى عالٍ من الرِّقة والانسجام والبلاغة(23)،واتسعت شهرته في (الهند) و(جاوة) و(الملايو)، وكُفَّ بصره آخر عمره، وتوفي ليلة الجمعة العاشر من شهر جمادى الأولى عام 1341هـ، الموافق الـ29 من ديسمبر سنة 1922م، وُدفِن في حيدر آباد. ويُقالُ إنه "الحفيد الرابع والثلاثون لسيدنا رسول الله محمد العَدْنَانيّ صلى الله عليه وسلم في سلسلة نسبه"، وقال عنه الزركليُّ في (أعلامه): "له تصانيف عديدة حوالي الثلاثين مصنفا ومعظمها في المنطق والتوحيد والفقه والتاريخ والطبيعة والأنساب والأسانيد وغيرها من العلوم.(24)
[(العَدْنِي يمدح السلطان برغش)]
- يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ [(وَقَدْ أَجَادَ "السَّيْدُ العَدْنيُّ" فِي وَصْفِهِنْ)] إشارة منه إلى وصف البارجة البريطانية على وجه الخصوص والسُّفن بوجه عام في أربعة أبيات للسيد العدنيّ "أبو بكر باعلويّ"، وهي:
[(ورَكَبْتُ سَابِحَةً كَأَنَّ دُخَانَها // سُحبٌ ولَمْعُ شَرَارِها بَرْقٌ سَرَى
تَفْرِي أَدِيْمَ الْبَحْرِ سَاخِرَةً بِهِ // وتَدُوسُ هَامَتَه إِذَا مَا زَمْجَرَا
تَهْوِي هَوِّيَ الْأَجْدَلِ الْمُنْقَضِّ لَا // تَرَعَى الجَنُوْبَ ولَا الشَّمَالَ الْأَزْوَرَا
تَجْرِي بِأَمْرِ اللهِ وَالرِّيْحُ الَّتِي // سِرُّ الْإِلَهِ بِنَارِهِ فِيْهَا سَرَى)].
وهذه الأبيات مجتزئة من قصيدة طويلة له بعنوان: (حيّ الربوع وقف بها مستخبرًا) أنشأها في شهر ذي الحجة سنة 1300هـ ممتدحًا ومهنئًا بها حضرة الملك الجليل برغش بن سعيد بن سلطان سلطان زنجبار(25)، ونسوق هنا بعض أبياتها لضيق المقام يقول فيها:
[(أو كالإمام الحق "برغشٍ" الذي // بسناه صقع الزنج ضاء وأسفرا
ملكٌ كِرام العرب أمته التي // شرعت لكل موحد أن يفخرا
سبق الملوك مُجلِّياً في حلبة الـ // عليا فصلّوا خلفه لما جرى
وبنى كما يبني سعيد بالقنا // فوق السماكين المعاقل والذرى)].
[(تَلَفَّتَ قَلبُ الطائيّ)]
- يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ [(فَلْمْ تَمْضِ سَاعَةٌ إِلَّا وَقَدْ تَوَارَت عَنِ الْأَبْصَارِ جِبَالُ مَسْقَطَ؛ [(وَتَلَفَّتَت عَيني فَمُذ خَفِيَت // (عَنِّي) الطُلولُ تَلَفَّتَ القَلبُ)]، وهذا البيت يُرى عن الشريف الرضيّ شاعر ومؤرخ لآل البيت رضوان الله عليهم- وهو أحد أبيات ثلاثة من مقطوعة شعرية قصيرة من وزن بحر الكامل (26) يقول فيها:
[(وَلَقَد مَرَرتُ عَلى دِيارِهِمُ // وَطُلولُها بِيَدِ البِلى نَهب
فَوَقَفتُ حَتّى ضَجَّ مِن لَغَبٍ // نِضوي وَلَجَّ بَعُذَّلي الرَكبُ
وَتَلَفَّتَت عَيني فَمُذ خَفِيَت // عَنها الطُلولُ تَلَفَّتَ القَلبُ)].
وفي هذا الاستحضار الانتقائيّ من الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ الطَّائِيُّ لبيت الشريف الرضيّ ثلاثُ لطائف وجب التنبيه إليها؛ أمّا اللطيفة الأولى، فتمثلت في علاقة المشابهة في الحالة النفسية المشتركة بين (الطائيّ والرضيّ)؛ حيث توافقت حال الطائي في غربته عن أحبته في (بوشر) و(مسقط)، مع حال الرضي في اغترابه ومفارقته آل البيت الذين رحلوا عن ديارهم موتًا أو قسرًا فالأمر سيان.
وأمّا اللطيفة الثانية فاستبانت بتوظيف الشيخ الطائيّ الصورة الشعريّة وما يُحسّ به من حسرة تولّدت إثر مغادرته مسقط العامرة وبساتين بوشر الظليلة وما خلّفه فيها من (آل طَيّ) من بني قرابته، وهذه "الحسرة حوّلت دفَّة القلب باتجاه الطلول بعد أنَّ عجزت العين عن التلفُّت وأصبحت الطلول خارج نطاق البصر"(27).
أمّا اللطيفة الثالثة فتأكدت من عملية الإزاحة اللغوية لمفردة (التلّفت) والخروج عن الاستعمال الإبلاغيّ المعتاد للغة مشمولة بغموض جارف تتسع مساحته داخل النصّ باتساع حركة الإزاحة؛ "فنجد كلمة (تَلَفَّتَتْ عَيني) في الشطر الأول تخضع لما هو جارٍ عليه الاستعمال في المعجم؛ لأن الشاعر أسند هذا الفعل للعين، والعين هي التي تَلَفَّتَتْ، وتتجه بنظرها من مكان لآخر، في حين أن الكلمة (تَلَفَّتَ القَلبُ) في الشطر الثاني من البيت اسْتُعْمِلت لِتَنُمَّ عن شيء آخر غير الالتفات، وإنما جاءها المدلول من إسناد الفعل فيها للقلب؛ لأن القلب لا يلتفت مثلما تلتفت العين؛ فالكلمة انحرفت عن موقعها المُعجميّ لتحتل موقع كلمة أخرى، من مثل: خفق القلب، اضطراب القلب، توجّع القلب، أو أي معنى يشبه هذا، ويشاكله من وجه أو من بعض الوجوه"(28).
يتبع،،،
المراجع والإحالات:
(1) مجلة مركز الدراسات البرديّة (BCPS)، كلية الآثار، جامعة القاهرة، جامعة عين شمس، مج39، 2022، ص: 694/696/695/
(2) ج.ج – لوريمر، دليل الخليج العربيّ، القسم الجغرافيّ، ج4، قطر، الدوحة، مطابع علي بن علي، 1995م
(3) محمود محمد الجبارات، (مدينة مسقط 1900- 1913)، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، جامعة مؤتة، مج32، عدد: 5، الأردن 2017، ص: 259
(4) ابن المجاور، صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز(تاريخ المستبصر)، راجعه ووضع هوامشه: ممدوح حسن محمد، القاهرة، مكتبة: الثقافة الدينية 1996م، ص: 314
(5) أحمد بن محمد الحضراوي، مختصر حسن الصفا والابتهاج في ذكر من ولي إمارة الحجاج، تحقيق: محمد ناصر الخزيم، ومحمد التمساحي، ط1، القاهرة، مكتبة زهراء الشرق للنشر، 2007، ص: 293
(6) س. بكنجهام، بعض الملاحظات عن البرتغاليين في عُمان، ندوة الدراسات العُمانية، سلطنة عُمان، نوفمبر 1980م، ج6،، ص: 200
(7) جي وايز جرير، مسقط في عام 1688م، وناصر بن سالم الصوافيّ في (الحياة الاجتماعية في مسقط)، ص: 17
(8) أحمد قايد الصياديّ، بلاد عمان فصل من كتاب كارسن نيبور، ص: 83
(9) ثمان بن عبد الله بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، حققه وعلّق عليه: عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، ط4، الرياض، دارة الملك عبد العزيز، ج1، 1982، ص: 297
(10) عبد الله بن عبد العزيز الحوير، التاريخ السياسي لمسقط وعُمان في الفترة ما بين 1308 – 1339هـ/1891 – 1920م، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة أم القرى 1412هـ
(11) برنهارد مورتس، السموط الدريّة في الخطوط العربيّة، برلين، 1892م، ص: 107
(12) سيف بن ناصر اليعربيّ، أول قطرة طلّ بسيرة أبي محمد البطل، مخطوط، 1373هـ، الورقة: 97
(13) نور الدين السالمي، تحفة الأعيان، ج2، القاهرة، 1347هـ، ص: 166
(14) الجامع الصحيح، سُنن الترمذيّ (ت 279هـ)، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر، وآخرين، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة، 1978، 3/114، رقم: 748
(15) ; p. 17 (ردمك 0-304-35273-X) Hill, Richard. War at Sea in the Ironclad Age
(16) انظر: الأعلام الحمراء في الخليج، قصص من ماضي البحرين، باربار - حسين إسماعيل ، جريدة الوسط البحرينية، العدد 120 - الجمعة 03 يناير 2003م الموافق 29 شوال 1423هـ، للتفاصيل، انظر كتاب صالح العابد " دور القواسم في الخليج العربي"، جامعة بغداد ، 1976م، وللمزيد اقرأ: حسين البحارنة "الوضع القانوني لبلدان الخليج العربية"، جامعة مانشستر 1968
(17) لسان العرب، ابن منظور، ج 5، ص: 282
(18) مسند الإمام أحمد(ت،241هـ)، حققه وخرّج أحاديثه وعلَّق عليه: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيوت، ط1(1995- 2000) 13/420/رقم: 8055
(19) الجامع الصحيح المسند من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته وأيامه: البخاري (ت،256هـ)، تحقيق: محب الدين الخطيب، الدار السلفية ومكتبتها، القاهرة، ط1، (1400هـ)، 2/78
(20) ديوان تأبّط شرًّا، تحقيق: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط1، 1984م، ص: 82
(21) كتاب العين، الفراهيديّ، تحقيق:مهدي المخزوميّ، وإبراهيم السامرائي، دار مكتبة الهلال، القاهرة، د.ت 8/281
(22) مقدمة ديوان ابن شهاب باعلويّ، ص: 11
(23) موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، الجزء الأول،ص31، ط1، 2005، رقم الإيداع في دار الكتب:(297)
(24) خير الدين الزركلي (2002). الأعلام. بيروت، لبنان: دار العلم للملايين. ج. الثاني. ص. 65
(25)ؤديوان العلامة أبي بكر بن عبدالرحمن ابن شهاب الدين، طبعة: مكتبة التراث الإسلاميّ، ودار التراث اليمنيّ، ص: 136،135،134،133، سنة 1996م- 1417هـ.
(26) ديوان الشريف الرضي، تحقيق: شرح د. محمد التنوجي، ج1، ط1 ، دار الجيل بيروت، 1997م، ص: 145
(27) تلفّت القلب، جاسم الصحيح، صحيفة اليوم السعودية، 06/04/2011م.
(28) إبراهيم محمود خليل، الأسلوبية العربية مدخل إجرائي، ط1، دار الخليج 2022، ص: 80.