التنمر والعنف.. خطر مجتمعي

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

المشاهد التي بتنا نراها بين الحين والآخر من العنف الذي يُمارسه بعض المُراهقين ضد بعضهم، تدعونا للوقوف معها حتى لا تتحول إلى ظاهرة تنتشر بين أفراد المُجتمع ويصعب التعامل معها مستقبلًا، وربما قد تكون عواقبها وخيمة وقد تُفضي إلى كارثة حقيقية إذا لم يتم احتواؤها مبكرًا.

الميل للعنف ليس وليد الصدفة ولا يحدث بشكل عرضي لدى الطفل أو المراهقين؛ بل هو نتيجة لمجموعة من العوامل تتشكل على مدى سنوات عمره، وتلعب التنشئة دورًا مهمًا في تشكيل شخصية الطفل والمراهق، وتتكون شخصية الطفل من خلال مجموعة الأساليب والسلوكيات التربوية التي ينشأ عليها، ويعد التفكك الأسرى وانفصال الوالدين والعنف وممارسة أساليب التربية الخاطئة من أهم الأسباب التي تفضي إلى تكوين شخصيات تميل للعنف والتنمر وممارسة التسلط على الأقران.

ورغم سعي المجتمعات الحديثة لاستخدام أساليب تربوية ناجعة في تربية أبنائهم وتركيزهم على تعزيز هذا الجانب المُهم، إلّا أن هذه المشكلة لا يمكن تجنبها بشكل كامل، وذلك لعدة أسباب؛ مثل: ثقافة الوالدين، ومستواهم المعيشي والتعليمي، والبيئة التي يعيشون فيها، والعلاقات الاجتماعية التي تربطهم بالمحيط، وكل ذلك يسهم بدور في تنشئة الأطفال؛ الأمر الذي يترك أثرًا في شخصيتهم، وقد ينتج عنه وجود اضطرابات في الشخصية، مثل الافتقار للثقة، والشك، والاعتقاد بتعرضهم للأذى من الآخرين، والميل للضغينة والحقد والعدوانية، والعجز والقلق، وفي أحيان أخرى تصل إلى السيكوباتية، وهو ما يعد خطرًا كبيرًا على المجتمع.

وعندما نُشاهد مشهدَ عراكٍ بين طلاب مدرسة تقوم فيه مجموعة من الطلبة بالاعتداء على طالب واحد بكل وحشية، مستخدمين كل أشكال العنف دون أدنى تفكير في العواقب والأضرار التي قد تلحق به والتي قد تُفضي إلى موته، ورغم ذلك يستمرون دون أدنى تردد، هنا يجب أن ندرك أن الأمر ليس مجرد عراك عابر أو خلاف له مسببات وخلفيات معينة؛ بل إن الأمر يتعلق باضطراب نفسي وعنف ناتج عن شخصية غير سوية بداخل هذا الطفل أو المراهق يجب علاجها بشكل سريع.

إنَّ مسؤولية التربية لا تقف عند توفير التعليم وحفظ الدروس؛ بل أرى أن مؤسسة التعليم يجب أن تهتم بعلم النفس بشكل أكبر، ويجب أن يتم توظيف المختصين في الصحة النفسية، ليقوموا بدور مُهم داخل المدارس والجامعات والكليات؛ فهذه الاضطرابات لها أعراض تظهر على شكل سلوك، ومتابعتها وتقديم الدعم النفسي لمن يُعاني منها يُجنبنا ما نشاهده بين الحين والآخر من مشاهد عنف، وقد يكون التدخل في الوقت المناسب إنقاذًا لحياة فرد ومجتمع من كارثة، يتسبب فيها مُعتل نفسي لم يجد الرعاية الصحيحة.

كما إن على الأسرة دور مُهم في مراقبة سلوكيات الأبناء ومتابعتها وعدم التغافل عنها، فقد يكون هناك أمر خطير في المستقبل، وهذه المراقبة تجعل من عملية ضبط السلوك أمرًا أسهل منذ بدايته؛ فالدراسات تشير إلى أن سلوك الانحراف لدى الإنسان لم يحدث فجأة؛ بل تشكّل عبر سنوات عمره نتيجة عوامل التنشئة الاجتماعية الخاطئة، وهو ما يفسر سلوك الإجرام لدى المجرمين الذين خضعوا للدراسات، فالسارق لم يُولد سارقًا، والقاتل لم يولد قاتلًا، ولهذا تقع على الأسرة والمجتمع مسؤولية كبيرة في هذا الجانب.

بقي أن أشير إلى أن التنمر والعنف الذي نرصده ونشاهده، أقل بكثير من ذلك الذي لا يظهر للعيان، وفي كثير من الأحيان يقع الضحية في وضع لا يمكنه من الإبلاغ، وقد يكون تحت تأثير التهديد والابتزاز والتسلط، وكمربين يجب أن نراقب سلوك أبنائنا وأن نلاحظ التغيرات التي قد تطرأ على سلوكهم اليومي، خاصة الانطواء والانعزال والعصبية والصمت الطويل؛ لأنها أكثر السلوكيات التي تدل على تعرضهم للتنمر، وهُنا يجب التدخل المباشر لمساعدتهم، ويجب أن ندرك أن المساعدة سوف تتحقق إذا ما شعر الطفل بالأمان والطمأنينة، وليس من خلال التخويف والترهيب، وهذا ما سوف أعود إليه في مقال لاحق في حينه.

تعليق عبر الفيس بوك