د. صالح الفهدي
هَيِّئ من يَخلُفك
تُجمعُ الدراسات الإدارية على أنَّ المسؤول الناجح هو الذي يُهيِّء خليفةً له، أو ما يُطلقُ عليه بالصفِّ الثاني، ذلك لأن النظرة العُليا تُلزمُ المسؤول تهيئة من يحلُّ محلَّه دون أن تتضرَّر الوحدة بعد رحيلهِ عنها.
من المؤسف أن بعض رؤساء الوحدات يُقْصُون نوابهم عن المشهد الإداري العام لكي لا يحيطوا علمًا بما يحدث داخل الوحدة، حتى ييأسوا من التهميش والإقصاء وينسحبوا من تلقاءِ ذاتهم!.
كتب أحد المسؤولين تقريرًا إداريا كيديًّا عن نائبه بأنَّه لا يتابعَ أعمال الوحدة، ولا يكترثُ بما يدور فيها من مواضيع، فردَّ عليه نائبه: كيف لي أن أُتابعَ وأنت تتجاوزني إلى مرؤوسيَّ الذين يفترضُ إداريًا أن يكونوا تحت مسؤولياتي، ثم إنَّك كلَّما خرجت في إجازة اعتيادية تركت لي قائمة طويلة من المواضيع لمتابعتها وهي مواضيع لم تطلعني عليها قبل ذلك!
إن رئيس الوحدة لا يمكنُ أن يهيِّئ من يخلفهُ في المنصبِ إن كانَ يحتكرُ الصلاحيات جميعها، أو يُقصي نائبه، أو لا يثقُ فيه، أو يشعرُ بأن نائبه سيختطف منه المنصب إن ملَّكه مفاتيح السُّلطة، وهذا أمرٌ يعودُ في أساسهِ إلى الطباع والأخلاقيات الخاصة برئيس الوحدة، نعم قد يكون النائب ضعيف الكفاءة، لا يصلح لأن يتبوأ المنصب، بيدَ أن هذا السبب لا يعيق من تنمية مهاراته وقدراته، فإن لم يصلح، يمكن تكليفه بوظيفةٍ أُخرى قد يجدُ فيها نفسه.
إنَّ تهيئتك لخليفتك باعتبارك رئيسًا للوحدة؛ بل وللصفوف الثانية في مختلف المستويات الإدارية بحدتك له نتائجه الإيجابية، على سبيل المثال:
أولًا: استمرارية أداء الوحدة بكفاءة دون أن تتضرر بإحالة رئيسها إلى التقاعد، أو لشغور منصبه لأي سببٍ من الأسباب. إنَّ وجود نائب مؤهل وكفء سيكون بديلًا مناسبًا في حال فراغ منصب الرئيس الإداري.
ثانيًا: وجود النائب الكفؤ يخفِّفُ العبء على رئيس الوحدة الذي قد يشعر بضغوطات نظرًا لتراكم الأعمال عليه، فيفوِّضُ النائب بعض الصلاحيات، ويتفرَّغ الرئيس لوضع الخطط الاستراتيجية للوحدة.
ثالثًا: تحقيق المصالحة الوطنية العُليا من خلال التحرر من المصلحة الشخصية التي تدفع باتجاه إقصاء الآخر، وهنا يرتقي الرئيس فوق كل اعتبار ليجعل مصلحة الوحدة خاصةً والوطن عامةً مقتضىً لازمًا له، ووجبًا يتحتِّم عليه تهيئة الصفوف الثانية لتولِّي المناصب القيادية.
هذه المحصَّلة الإيجابية تتحقَّقُ في الأحوال الآتية:
أولًا: أن يكون الرئيس على درجةٍ عاليةٍ من الرُّشدِ والوعي والتَّحلي بالمسؤولية الوطنية.
ثانيًا: أن يكون مؤمنًا بأنَّ المناصبَ لا تُخلَّد، وإنَّما آثار تلك المنصب هي الخالدة، ووفق ذلك الإيمان يكون الرئيس متبنيًا لسياسة تهيئة الصفوف الثانية، ووضع الشخصية المناسبة التي تحلُّ محلَّه في الاتجاه الصحيح ليُحمَدَ بعد ذلك على ما فعل.
ثالثًا: أن يتمتع الرئيس بثقة عالية في نفسه، وبأنَّ وجود نائبٍ كفوءٍ إلى جانبه هو مكسبٌ له، ومحسوبٌ له لا عليه.
رابعًا: أن يكون الرئيس متحرِّرًا من نظرته الشخصية الدونية، متطلعًا إلى المصلحة الوطنية العليَّة، ليرى تقدُّم الوحدة والوطن لا ليرى تقدُّم نفسه.
خامسًا: أن يكون الرئيس صاحب نظرٍ استراتيجي بعيد المدى، يُدرك أثر تطوير مهارات وقدرات المورد البشري على الوحدة.
هكذا يكون رئيس الوحدة قد حقَّق الهدف الأسمى لوضع خليفة له، فأراح نفسه، وأراح الوحدة من بعده، فلا يُذكرُ إلّا بخيرِ عمله، وحُسنِ أثره.