فاطمة الحارثية
الحالمون هم من صنعوا حاضرنا، ولدي حلم قد شاركتكم إياه في مقال سابق وهو أن تكون عُمان من نخبة صُناع وقيادة المؤسسات أو الشركات الذكية، وأن نصبح قدوة ونموذجاً يُحتذى به في منظومة النظام المؤسسي المستدام (الشركة أو المؤسسة الذكية)، وكدت أن ألمس حلمي، لكن... لن أيأس ويومًا ما سوف أراه، ويقيني نابع من روائع تنفيذ الرؤية المُتجددة الرشيدة.
كثيرًا ما نسمع عن رأس المال البشري، ومؤخرا لمست زخمًا في ملتقيات وبرامج شؤون إدارة الكوادر البشرية وبالأخص المواهب، يصل البعض إلى أدق التفاصيل مثل الاهتمام ببيئة العمل، قياس التعاضد بين فئات ودرجات الموظفين والقيادات، وغيرها من التفاصيل الهامة في سبيل تنمية الإنسان وتعزيز دوره ورفع كفاءته؛ لكن إلى أي مدى نحن في اتساق يتناسب مع ما نطمح إليه؟ وماهي الصورة الكبيرة التي نصبوا إليها في ذلك؟، وقبل ذلك هل بالفعل نعي ونعلم ما لدينا من إمكانيات ومهارات، ومن ذلك نستشرف المناهج والاستراتيجيات والأنظمة؟ وهل نعلم مقدار العجز الذي نحتاج لردمه أو تقليصه؟، حتى نسعى بموضوعية نحو أن نكون مركزا هاما على مستوى العالم في مجال استثمار وتمكين رأس المال البشري، وأن يكون مصدرا ثابتا لتعظيم الثقة واليقين في تحقق الحلم ورؤانا؛ قد يكون لبعض المؤسسات كفاية في الكوادر لكنها تعاني من عجز كبير وعميق في المواهب والكفاءات، لأنَّ المرونة في المهارات أمر حتمي، لمواكبة العصر وسرعة التغيير والتحول الاقتصادي المؤسسي، وهنا نلمس أهمية تدبر التفاوت في نسب التعيينات بين الكوادر والمواهب حسب الحاجة الاقتصادية والتطويرية للمؤسسة ذاتها، بمعنى ثمة مؤسسات تحتاج إلى نسبة المهارة 60% من إجمالي عدد الموظفين، في المقابل مؤسسات أخرى قد تحتاج فقط 20%، مع مراقبة ومراعاة النمو الطردي للمؤسسة أو الشركة، والتعمق في قراءة ذلك في عمليات توجيه رأس المال البشري، يحقق البقاء والاستدامة في سوق الأعمال وبلوغ النخبوية.
قال (!): طالما أن الأمور تسير بهدوء، فلا يجب أن نهول العجز في المواهب والمهارات ولا أن نستبق الأحداث، فتكلفة التدريب عالية، وتعين الجدد صعب.
احتقن وجه مريم وخرجت من صمتها المقدس فجأة وقالت: قصدك تسير بما يتناسب مع وعيك المحدود وطموحك الذي لا يتجاوز مكتبك الخاص، أعتقد أنه لديك مشكلة مع الطموح بسبب خوفك على منصبك، ولأنك كسول ولا تريد صون التنافسية حتى لا تُجهد نفسك، وتضر بمصالحك الشخصية.
تدارك فراس الموقف وقال: شكرا على رأيك مريم لكن أعتقد أننا نستطيع أن نعرضه بشكل أفضل؛ علينا جميعًا أن ندرك أنَّ التطوير لم يكن ولن يكون طريقا مفروشا وسهلا على الجميع، ومعظمنا لديه الكثير ليُقدمه في رحلة العطاء المقرون بالتعلم وصقل المهارات، وكطبيعة بشرية، نتوقع الاعتراف بالجهود والتميز الذي يتسم ويتفرد به البعض دونا عن الآخر، ونعمل على استثمار هذا الاختلاف بما يعود على الجميع من أفراد ومؤسسة ووطن بالنفع.
قالت مريم وهي تُغادر الحوار: التغيير قاس على الكثير من النَّاس لكنه أمرٌ حتمي، والتحول لبلوغ الرؤى والاستراتيجيات والخطط، يحتاج إلى قلوب قوية متفانية تؤمن بالربح المشترك وتستشرف الحاجات المستقبلية للأجيال القادمة دون المساس بالأجيال الحالية، وتبذل قصارى جهدها وبكل نزاهة من أجل أهداف الصالح العام، وتنئ عن نفسها العنصرية والفردية وما هو خارج النفس السوية من أقوال وأفعال، نحن لن نستمر إن سمحنا لتلك الآفات الفردية بالانتشار، وتراخينا في التمسك بالقيم والمبادئ والهوية.
تعمل المؤسسات على تعظيم استثمار الطاقة البشرية ورفع الأداء من خلال منصات وبرامج عديدة منها منظومة ثقافة العمل، وفي الحقيقة، استهلكت تلك المؤسسات والشركات الكثير من الجهد والمال في ذلك، والسؤال كفكر يؤمن بالأيدولوجية الاقتصادية، كم إلى الآن جنينا في هذه الاستثمارات وما هو مقدار العائد الاستثماري الفعلي؟
لا شك أنَّ تعزيز القوى والطاقة العاملة، تحتاج إلى فهم متعدد واستيعاب الطبيعة الفطرية والنزعة لديها، وتمكين العقلية الإيجابية الكامنة وليست المصطنعة، ونبذ الطفرات التي تشكلت بسبب الانفتاح الغير متوازن والتحول المتواتر، والعمل على رفع مشاعر الحيطة والوقاية، وأيضا ادراك أهمية أننا جُبلنا على العيش كجماعات والتكامل مع بعضنا البعض، ولقد عزز الخالق في كتابه الكريم أهمية التعاون والاعتصام والترابط، وهذا يدُل على طبيعتنا التي بها نصنع وننعم بالحياة التي نريدها، وبالتعاضد والشراكة وليس بالتدليس تقوم العلاقات التجارية والمؤسسية، والجسور المثمرة، وأيضا الاندماج بين بيئات وثقافات العمل المختلفة.
إنَّ تحديات قيادة المهارات والمواهب حديثا قد أطنبنا فيه طويلا، وأكاد اجزم أن ليس ثمة مؤسسة تدريبية قائمة تستطيع أن تقدم فنون هذه القيادة المتميزة لمن لا يتسم بأصالة القدرة والموهبة في ذلك، وهنا يظهر بديع التميز والاختلاف الذي صاغة الخالق في خلقه.
سمو...
لي جنتي على الأرض اختارها الله لي، وسوف يسألني عند لقائه عن ما قد قدمته لها، "عُمان" أعاهدك إلى آخر أنفاسي أقدِّر أن ترتفع من على ترابك الأبي أم حيث يشاء خالقي وخالقك، لن أعتز دونك بوطن على الأرض.