سلبيات الضرائب وتأثيراتها

 

 

منصور بن حبيب الرحبي

مرَّت المجتمعات عبر القرون السابقة بمراحل وأزمات ومنعطفات كلا بحسب بيئته وأحواله والظروف والأقدار والطقوس التي فرضتها السياسات والعوامل الداخليه أو الخارجية أو الإثنين معا ومنها تحديات فرضت واقعًا يعد تهديدًا محتمل الوقوع على كيانها ويؤثر على مكوناتها ومقوماتها ونسيجها الإنساني والاجتماعي والطبيعي وقيمها وأعرافها وحراكها التجاري وربما في بعض الأحيان تصل إلى المساس بسيادتها ونهب ثرواتها القومية وضغوطات في صراعها الكوني والوجودي المحتم من أجل البقاء كدخل البنك الدولي في مفاصل الدولة فيعمل المختصون على إيجاد مخرجا لفتح متنفس للخروج من الأزمة والتي تكون وقتية أو أمدية بحسب المقدر لضمان الأمن العام الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والبيئي.

وللأمير الشاعر أبي فراس الحمداني بيت مرتبط باتخاذ القرار في الحالة القدرية بحيث لامفر ولا مناص أو بديل عنه ويدخل في نهاية آخر الاحتمالات من أجل البقاء وهذا الأقرب تشبيهاً إلى العوامل التي يعزف بأوتارها الماليون بالدعوة إلى فرض الضريبة التي تحطمت من حولها جميع الحلول بحيث لامناص من تنفيذها على الرغم من وجود العقول والحلول والمقومات الأساسية والبديلة بحسب منظور كل رؤية تعتمد على أركان الحياة وأمثلة لدول انتعشت اقتصاديًا دون اللجوء إلى الضرائب ووجدوا في البدائل الحلول ويقول أبوفراس:

ولكن إذا حم القضاء على أمرئ

فليس له بر يقيه ولا بحر

فكلنا يعلم عن خيرات البلاد سماءً وأرضًا من مياه صالحة للشرب ودخلها يفوق سعر برميل النفط لو استثمرت للحكومة من قبل هيئة الاستثمار ومافي البحر من خيرات لو ضمت الشركات للحكومة وما للمعادن من قيمة وما للطبيعة من حياة فالأرض ملك للدولة والمياه كذلك هذا أقرب مثال للدخل الإضافي للخزينة فأرضنا خصبة ومياهنا صالحة للشرب وتحتاج إلى موسيقار بارع يعزف بأوتاره ليحركها عن بعد وهو موجود بيننا أو طبيب أو أستاذ بروفيسور يضع التشخيص على لوحة فنان لينقشها على الحجر والشجر.

ففي العامل الزراعي والسمكي والسياحي والجغرافي والتاريخي ومن أهمها العامل البشري حلول جاهزة ونستثمر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل عمان (سيزيد الله أهل عمان خصبا وصيدا) يا مازن قل آمين. وفي ظل الظروف المختنقة إذا جاز التعبير ومن منظور بعض ساسة رجال المال والاقتصاد منهم من يرى أن عامل الضرائب هو الحل المنجز للخلاص من حالة الموقف والأزمة المالية وأن لا سبيل دونه لتحقيق المخطط المرسوم واعتباره المُخلص وحبل النجاة لتغطية مصروفات الدولة على قطاعاتها.

وبينما يراه البعض الآخر أن السعي إلى تحقيقه يعد فشلا ذريعا وعجزا وسوء إدارة في توزيع المال من قبل المؤيدين للفكرة من دون النظر إلى شمولية التداعيات على رؤية المؤسسة وكونه يتعارض مع دعوتها وتسويقها وتشجيعها للاستثمار الداخلي التي عملت طوال الحقبة الماضية لتحقيقه وفعلت دور العلاقات الخارجية لجلب الاستثمار الخارجي من خلال حزم وحقائب من التسهيلات وفتح نوافذ خدمية جاذبة في الموانئ والمطارات فوضعت تسهيلات مشجعة ومحفزة وتسويق.

وقد يتراءى لدى البعض مشاهدة السراب أنه ماء ويؤمن أن ينبوعه صافٍ ويدافع عنه لكن ما أن بلغه يجد واقعه سراباً ويبقى في سجل العطشى دون بلوغه المراد وتعتبر الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة يحقق العدالة الاجتماعية والمساواة ويدعو إلى التكافل الاجتماعي والإنساني بين أفراد المجتمع بينما تعتبر الضريبة رأسمالية مادية وتحتل المرتبة الأولى في حياة المجتمع الغربي.

ونستلهم العبر من تجارب غيَّرت أحوال ومسار حياة إلى الأفضل بعيدة عن الضرائب برغم وجود المخالفين عبر الحقب الماضية وفي عصرنا الحديث فمن القائل {اشتروا به قمحا وانثروه على رؤوس الجبال لكي لا يُقال جاع طير في بلاد المسلمين} إنه خليفة المسلمين سيدنا عمر بن عبدالعزيز حين أعد خطته بتفعيل عامل الزكاة تحقيقاً للآية {وخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}.

وكان هو المنفذ للخطة فاختار الثقات والبطانة الصالحة لمعاونته فشاركوه في الرأي وامتثلوا لخطته وكانت نتيجة توجهه ازدهارا واستقرارا وأمنا وغنى للمجتمع وكان نهجًا يحتذى به فالعبرة تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر وتوزيع الحقوق بين النَّاس حتى قيل لم يجد في يوما فقيرا عندما أحضرت للخليفة عمر أموال الزكاة فأمر بتجهيز الجيش وتزويج الشباب وقضاء الدين عن المدينين ثم أمر بنثر القمح على رؤوس الجبال إذاناً بنجاحه بتحقيق الغاية فعمَّ العدل والاستقرار بين الناس وكان الحراك التجاري والاقتصادي فهل سنرى من توجه المؤيدين لفرض الضرائب نتيجة مماثلة فأهلاً ومرحباً بالقرار بالقضاء على الأزمة والفقر وطي ملفات معاناة أثقلت كاهل الفرد.

وفي عصرنا الحديث تجربة ماليزيا عند قيام البنك الدولي بالضغط على ماليزيا بدعوتها إلى الاقتراض والرضوخ لقانونه وإملاءاته التي وجدها الساسة الماليزيون تمس السيادة القومية والوطنية وما كان من الملهم الدكتور محمد مهاتير إلا الجواب الحاسم فدعا النخب إلى الشراكة في الرأي باتخاذ تدابير وقائية وفاعلة وتأسيس قوانين وأفكار ودراسات وخطط واقعية ملائمة قابلة للتطبيق من خلال مقومات الدولة منها البشرية والعلم الممنهج وتأسيس شراكات وطنية تقوم على تدوير الاقتصاد في الداخل لتمكين كل مواطن من الاستفادة من برامج محفزة ويكون شريكا في الإنجاز والعائد القومي ووضع حزما من التسهيلات للاستثمار الداخلي والخارجي من خلال المصانع التي كانت سواعدها وفكرها وطنية نجح في الخروج بالبلاد إلى الآفاق فكانت التجربة محل إشادة من العالم فهذه ماليزيا ولو قارناها بما تمتلك من مقومات وما تمتلكه الدول الأخرى لكانت ماليزيا أو أي دولة أخرى في أي رسم تخطيطي مقارنة بمقومات أي دولة عربية أو دولة خليجية يعد بعدا سماويا فالعامل البشري والطبيعي موجودان.

وتمر الدول بأيام الخصب والمحن، وهي سنن كونية، وأحيانا من منظور رُب ضارة نافعة بما يجري من توجهات وتداعيات لسياسيات خارجية فيرتفع الطلب على النفط والغاز وهذا قادم لا محالة كما سبق.

 

وتلجأ بعض الدول الى اتخاذ تدابير بعيدة عن الضرائب لحل أزمتها لما للضرائب من تأثير مباشر على الحياة الاجتماعية وأسعار السلع الذي سيأخذ في الارتفاع وبعض الشركات تجد مصلحتها في المغادرة والتحول إلى دول أكثر تسهيلا.

وبينما نرى البعض الآخر يجعل من الضرائب عاملا مهما وداعما للاقتصاد وعنصرا فاعلا لاستكمال خططه التنموية ويكون المواطن أو المؤسسة فيه الممول وبنك تمويل من دون عائد أو بئر سيولة لن ينضب. ومنهم من أشار إلى خروج الأموال بالأرقام تصل المليارات إلى خارج البلاد ومع هذه الجزئية نؤيد القيام باتخاذ التدابير لفرض الضريبة على الأموال المحولة كما في بعض الدول وفي نفس السياق إرجاع أموال أثرياء البلد من الخارج لإنعاش الاقتصاد وتستفيد منها خزينة الدولة وأقرب مثال جمهورية الهند.

وقبل التوجه للضرائب نرى أهمية القيام بالدراسة بمشاركة المجتمع ففي المجتمع نخب متعلمه وخبره بإمكانها تكون رافدا للحكومة لما للضرائب من انعكسات وتداعيات اجتماعية وأمنية واقتصادية وتجارية ووطنية ويكون مؤشر الفقر وتدعاياته على الوضع الأخلاقي والأسري كما شاهدنا في كثير من الدول.

وكم من حالات التعاطي والمخدرات في مجتمعنا العربي والخليجي يمكن القياس عليها ففي بعض الدول شاهدنا نسبة التدخين عالية جدًا لثلاث فئات الشبان والشباب وكبار السن من الجنسين ولما سألنا كان الجواب صادمًا أن سببه "الضرائب" والفقر وسوء الحالة النفسية وأثّر سلبًا على تداعي الحالة الصحية. لذا وجب التمهل وعدم التسرع والاستعجال في اتخاذ القرار وينبغي التشاور والشراكة المجتمعية ودراسات علمية، وقصة سيدنا سليمان عليه السلام مع سبأ وعرش بلقيس لما أراد بالإعجاز الإلهي "قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ".

فلا يجب أن يكون القرار مركزيًا وإن حول للمجالس فالقرار الوطني يمر بمراحل عبر حلقة تشريعات ومخاطره وتحدياته ومحاسنه ومساوئه وأهميته وظروف الحالة وقبل التفكير في فرض الضرائب اهمية شراكة المجتمع ليكونوا عونا والقيام بدراسة ثقافة المجتمع واحواله والملفات والقضايا في المحاكم هي خير دليل.

وتفرض الضرائب على افراد أصحاء ودخلهم يُلاقي نهاية الشهر فائضًا، وكم من حالات وملفات صحية يعاني منها المواطن اذا ماعلمنا عن نسبة الضغط انه تجاوز الثلاثين فالمئة وتكلف البند الصحي الملايين من جراء تداعيات الأحوال النفسيه فمتى نرى في البند الصحي وفورات نعلم أن المجتمع المراد فرض الضريبة عليه في مستوى صحي وينعم بالطمأنينة من دون خوف على مستقبل أسرته فلسنا مجتمعا غربيا عندما يبلغ الأبن السن القانوني يغادر البيت نحن مجتمعنا مختلفا وبيئتنا تكوينها سياج ونسيجا متماسكا فيه التراحم مجتمع متعايشا منسجما يسوده الوئام وإذا اشتكى منه عضو تداعت له ساير الأعضاء بالحمى والسهر كما في الحديث الشريف.

ونرى من الأهمية في عدم التسرع في اتخاذ القرار وايجاد حلول بديلة وخاصة إذا قورنت بمقومات المؤسسة والدولة وتعداد افرادها ومساحتها ومكوناتها وافرعها.

وعلينا أن نقف بداية مع كل عنصر من عناصر المقومات ونستثمره ومن مكوناتها: العامل البشري، والأرض، والموقع، ونقارنها بما تمتلكه دول أقل مورد وأكثر تعدادًا ومؤسسات نمت في خريطة العالم وتمكنت من بلوغ القمة وتبوات مراكز مرموقة شهد لها العالم من خلال احتوائها للأزمة وتشغيل مصانع وتوجيه العلم الى تقني والزيادة العددية في كليات التقنية.

نعم مع التوجه الضريبي للقضاء على التهرب الضريبي وتقنين آلية تحويل الأموال وفرض رسوم مناسبة. نعم مع التوجه الضريبي في فرض نسبة معقولة على العائدات والفائض من الدخل بنسبة معقولة.

 

تعليق عبر الفيس بوك