تقنيات الذكاء الاصطناعي في عُمان

 

عمير العشيت **

alashity4849@gmail.com

تفاجأ العالم بمنظومة الذكاء الاصطناعي الذي حل ضيفًا خفيفًا ثقيلًا على النَّاس بعد أن تضاعف استخدامه على مستوى العالم، ولم يعد مجرد حاضر في الخيال العلمي؛ بل حقيقة واقعية له تطبيقات تحاكي العقل البشري وتتفوق عليه في توفير المعلومات، وبات هذا المارد الكبير الذي خرج من قُمقُم الثورة التكنولوجية، جزءًا لا يتجزأ من حياتنا المعاصرة، فمنهم من ندد بوجوده؛ كونه يشكل خطرًا وعدوًا لدودًا على الحياة البشرية ومن حولها، باعتباره مغتصبًا للحضارة والسيطرة عليها، ومنهم من استبشر فيه خيرًا، نتيجة الابتكارات والاختراعات والمعلومات الدقيقة التي يوفرها للإنسان.

إنَّ الإطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي يندرج تحت سلسلة كبيرة من التعريفات، ولكن الأقرب إليه هو عبارة عن أنظمة تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام ولديه القدرة على أن يحسن من نفسه باستخدام المعلومات التي يحملها، كما يصنف على أنه أحد فروع علوم الحاسوب، الذي يقوم باستيعاب البيئة المحيطة به، واتخاذ إجراءات لتعظيم فرصة تحقيق أهدافه بنجاح، وفيما يتعلق بالأهداف الرئيسية للذكاء الإلكتروني فهي معالجة المعلومات وحل المشكلات التي تواجه مجموعة من المجالات مثل اكتشاف الاحتيال والتشخيص الطبي وتحليلات الأعمال. والغريب أن الذكاء الاصطناعي من صنع الإنسان بينما تغلب المصنوع على الصانع، بل قد يتمرد عليه في العديد من المجالات، اما أبرز الإيجابيات المستنتجة فهي تخفيف معاناة البشر من الأزمات الناجمة عن الكوارث والأعاصير والأحداث التي يتسبب بها الإنسان، وذلك من خلال تحسين الطرق التي تتنبأ بحدوث وتعزيز وسائل التعامل مع الكوارث قبل او بعد وقوعها، وهذا ما نشاهده جليا على الواقع النظري والعملي في الأعاصير التي حدثت في السلطنة وغيرها من بلاد العالم، وابتكار مصطلح " الإنذار المبكر".

 واستنادًا لمؤشر أكسفورد إنسايت للذكاء الاصطناعي للجاهزية الحكومية لعام 2020، تحتل سلطنة عُمان المرتبة 48 عالميًا، والسادسة على مستوى الشرق الأوسط. وقد اعتمدت حكومتنا الرشيدة على البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي الذي يمثل الجانب الاستراتيجي لبناء اقتصاد رقمي فاعل يدعم الناتج المحلي الإجمالي ويتماشى مع رؤية "عُمان 2040" والتي اعتبرت قطاع تقنية المعلومات والاتصالات واحدًا من القطاعات الممكنة والمحفزة للقطاعات الاقتصادية والإنتاجية والخدمية. وعليه فإن البرنامج يسعى الى ان تتبوأ السلطنة مراتب متقدمة عالميا في مؤشرات الاقتصاد الرقمي مثل مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية ومؤشر جاهزية الشبكات. كما قامت وزارة النقل والاتصالات الى انشاء البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في عام 2020 ضمن هيكلتها الوزارية وهذا ان دل ذلك على شيء فانه يدل على أهمية الذكاء الاصطناعي في التنمية الشاملة.

لقد استفادت سلطنة عُمان من تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل واسع واستطاعت خلال فترة وجيزة بان تقدم منظومة الذكاء الاصطناعي لتدخل في المؤسسات الحكومية كافة من خلال ادراج هذه المنظومة  في الحكومة الإلكترونية لتشمل جميع الوزارات والمؤسسات الخاصة باعتبارها  المحفزات للقطاعات الصناعية والإنتاجية والخدمية، وهذا ما يلامسه المواطن والمقيم والمستثمر في تقديم الخدمات وتسهيل وتخليص  المعاملات على نطاق واسع وعلى مدار الساعة. ومن ضمن تلك المؤسسات الحكومية الرائدة في هذه المجالات والتي تفانت في تقديم الخدمات الالكترونية بشكل سريع ومبسط عبر مكاتب سند، هي: شرطة عُمان السلطانية ووزارات العمل والاعلام والصحة والتعليم والتجارة والصناعة وترويج الاستثمار والإسكان، وغيرها من القطاعات التي استفادت من منظومة الذكاء الاصطناعي بصورة واسعة والتي نتج عنه  تطوير وتحسين الاقتصاد الرقمي والتنمية، فالمعاملات التي كانت تأخذ أيام واسابيع باتت في متناول يديك خلال دقائق وفي أي مكان تشاء.

بيد أن هناك العديد من التساؤلات حول موقف المُشرِّعين ورجال القانون من الذكاء الاصطناعي، من حيث التنظيم والاستخدام وفق قوانين ولوائح تحد من أخطاره على المجتمع وتخفف من آثاره السلبية، والشاهد من القول إن المُشرِّع ما زال يقف موقف الذهول والارتياب تجاه منظومة الذكاء الاصطناعي، لا سيما في حالة وقوع جريمة، وفي هذا الموضوع يحضرني خبر موافقة المجلس الأوروبي على أول قانون رئيسي في العالم لرقابة الذكاء الاصطناعي، وقد يؤدي إلى التأسيس لمعيار عالمي. وهذا مؤشر جيد من حيث التنظيم والتحكم في اطار تطوير ذكاء اصطناعي آمن ومتمحور حول الإنسان وجدير بالثقة، وستحد أيضًا من استخدام الهوية البيومترية في الأماكن العامة؛ حيث توفر هذه الهوية العديد من الامتيازات للمواطنين والمقيمين حماية تامة للبيانات الشخصية.

إن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، شأنه شأن الأجهزة الإلكترونية الأخرى التي غزت عالم البشر؛ فهي تعطي وتأخذ وفق الرغبات التي تلبي متطلبات الإنسان والسياسات العالمية؛ حيث ساهمت في العديد من المجالات العلمية والصحية والاقتصادية لصالح الإنسان، وفي المقابل دخلت في تدمير أجزاء كبيرة من خلال تصنيع الأسلحة الفتاكة لتستخدم في الحروب وإلحاق الأذى بكوكب الأرض.

** كاتب وباحث

تعليق عبر الفيس بوك