الضرائب.. أين تُنفق؟

 

 

سالم بن نجيم البادي

طرح ضحيٌّ هذا السؤال بعفوية وبراءة وحسن نية، وهو إنسان عادي لا يفهم في التحليل الاقتصادي، ولا يهتم بما يقوله خبراء الاقتصاد والمال والضرائب، ولا يُريد الخوض في الجدل الدائر حول إن كان الوقت الحالي ملائمًا لفرض مزيد من الضرائب أو غير ملائم، كما إنه لا يُبالي بمن يصفقون للضرائب ويدافعون عنها ويتحدثون عن فوائدها، ولا بمن يعارضون الضرائب ويحذرون من العواقب الخطيرة المترتبة عليها، وحتى مُسميات الضرائب لا يفقه معناها؛ سواء ضريبة القيمة المضافة، أو ضريبة الدخل!

كل ما يشغل بال ضحي أنَّه يأمل أن يستفيد الناس من هذه الأموال والتي يُفترض أنها تؤخذ من الأغنياء ليعم خيرها كل النَّاس، ولا تؤثر سلبًا على المواطن البسيط، حين يلجأ من أُخذت منهم الضريبة الى حِيَلٍ قد تكون مُلتوِية لتعويض ما أخذ منهم. ومن هذه الحيل رفع أسعار السلع والخدمات، متخذين من الضريبة مطية لرفع الأسعار. وهنا يصيب الضرر الفقير، عوضًا من الاستفادة من أموال الضرائب، وقد تكون الضرائب سببًا في هروب روؤس الأموال إلى دول تقدم تسهيلات كثيرة لجذب الاستثمارات الضخمة، وعندنا الروتين يُطل برأسه عند إنجاز كل مُعاملة، والاستثمارات الأجنبية ما تزال دون المأمول رغم وجود بيئة جاذبة لم يتم استغلالها على الوجه الأكمل والأفضل.

لقد بلغ عدد الباحثين عن عمل من الشباب والشابات نحو 100 ألف أو يزيدون، وأعدادهم تكبر عامًا تلو الآخر، ونحن في هذه الأسابيع على مشارف تخريج أعداد كبيرة من طلبة الدبلوم العام، وبعضهم لا يحصلون على فرص للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي الحكومية أو البعثات الداخلية والخارجية؛ فينضمون إلى قوافل من سبقوهم والذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعة، فيجلسون في بيوتهم، وجلوسهم هذا يمثل همًّا وغمًّا وحيرةً وقلقًا لذويهم، الذين يُوجعهُم بقاء أبنائهم دون تعليم، خاصة وأنهم لا يستطيعون دفع تكاليف الدراسة في الجامعات الخاصة، وهذا أمر مُستغرب في بلد عدد السكان فيه قليل!

لدينا عائلات من أصحاب الدخل المحدود يعيشون بيننا في المجتمع المتعاضد المتكافل، ولولا هذا التكافل لكانت أحوالهم أكثر صعوبة. وإن كنتم لا تعلمون أعداد هذه الأسر، فاسألوا الفرق الخيرية ولجان الزكاة في مختلف المحافظات والولايات، كما إن أسر الضمان الاجتماعي أوضاعهم المالية تحتاج إلى تصحيح.

وهناك في المجتمع، أولئك الذين سُرِّحُوا من أعمالهم، وهم كثر، وبعضهم تراكمت عليهم الديون، حتى دخلوا السجن، وبعضهم ضاقت بهم أرض الوطن مع اتساعها فلجأ إلى العمل خارج الوطن، وصار لقب "مُسرّح من العمل" يجلب الشفقة لصاحبه!

أيضًا الرواتب في الكثير من المؤسسات لم تتحرك منذ سنوات طويلة، وقد مسها النقص بدلًا من الزيادة في حالات نعلمها. كما إن غلاء الأسعار يحتاج إلى معالجة حقيقية وتدخل عاجل، خاصةً في المواد الغذائية التي لا غنى للناس عنها. ورغم أن خدماتنا الصحية جيدة جدًا، لكن تحتاج إلى التطوير حتى تصير ممتازة، ونقلل الازدحام في المستشفيات وتأخر المواعيد، كما نحتاج إلى بناء مستشفيات جديدة وتوسعة بعض المستشفيات القائمة وإلى زيادة الأطباء والممرضين لحل معضلة مواعيد مقابلة الأطباء الطويلة، وكذلك استثمارات كبرى في المجال الصحى حتى نقلل من أعداد الذين يسافرون إلى الخارج طلبًا للعلاج، وما يتبع ذلك من صرف أموال المواطنين في رحلات علاجية.

أيضًا بعض مرافق البنية التحتية وكما أظهرت الأنواء المناخية الأخيرة تحتاج الى إعادة بناء وتخطيط محكم حتى تكون متينة، ولديها القوة الكافية للصمود في وجه الأنواء المناخية. كما إن الشوارع التي يقع مسارها في بطون الاودية الكبيرة، تحتاج إلى جسور عالية حتى لا نضطر إلى ترميمها كلما سالت هذه الأودية. وبعض المباني والأسواق والبيوت ينبغي أن يتم بناؤها في أماكن بعيدة عن مسارات الأودية وتجمعات المياه.

فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بضريبة الدخل وأخواتها السابقات واللاحقات، إن كانت سببًا في التخفيف ولا أقول القضاء على كل مشكلاتنا، وإن جلبت الرفاه والسعادة والاستقرار المادي والاجتماعي والنفسي لكل أفراد المجتمع. أما إن فُرِضَت ولم يشعر بها النَّاس ولم تتحسن أحوالهم وظل السؤال قائمًا "فلوس الضرائب وين تروح؟"، فلا مرحبًا بها ولا أهلًا ولا سهلًا!