عبد النبي العكري
مرة أخرى تابع العالم ما جرة في محكمة العدل الدولية يومي 16 و17 مايو 2024، وتبعات ذلك؛ إثر تقدُّم جَنُوب إفريقيا وللمرة الثالثة في 10-5-2024 بالطلب من المحكمة أن تأمر "إسرائيل" بإجراءات احترازية إضافية بوقف فوري لإطلاق النار والوصول دون إعاقة للإمدادات الإنسانية وعاملي الإغاثة والصحفيين والمحققين وسحب قواتها من غزة، لمنع ووقف وتجريم أعمال الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في ضوء عملياتها العسكرية في محافظه رفح بشكل خاص وغزة بشكل عام.
جنوب إفريقيا تقدمت في 29 ديسمبر 2023، استنادًا إلى كون الدولتين أطراف في الاتفاقية الدولية لمنع وتجريم أعمال الإبادة الجماعية، وهي من اختصاص المحكمة، بدعوى ضد "إسرائيل" بارتكاب أعمال الإبادة الجماعية في حربها ضد الشعب الفلسطيني في غزة. وبالفعل انعقدت جلستا استماع علنيتان لمرافعات الدولتين يومي 11 و12 يناير 2024. وطالبت جنوب إفريقيا حينها المحكمة بأن تأمر "إسرائيل" باتخاذ إجراءات احترازية لمنع ووقف وتجريم أعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وإجراءات أخرى من قِبل الجيش "الإسرائيلي" حتى يتم الفصل في الدعوى الأساسية المتعلقة بممارسة "إسرائيل" للإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني. وبالفعل، فقد أصدرت المحكمة في جلسه علنية في 26 يناير 2024 أمرًا "لإسرائيل" بذلك وتقديم تقرير لها بهذا الخصوص خلال شهر، لكن "إسرائيل" لم تمتثل لأمر المحكمة وواصلت عمليات التدمير الشامل والإبادة الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين في حربها في غزة وعملياتها العسكرية والأمنية في الضفة الغربية بما فيها القدس. وقدمت تقارير مضللة مرة في فبراير وأخرى في أبريل 2024.
وفي ضوء الإعلان الرسمي "الإسرائيلي" عن مخططها للاجتياح العسكري البري لمحافظة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة؛ حيث لجأ ما يقارب 1.2 مليون نازح إلى جانب 300 ألف من سكانها الأصليين ومعظمهم يعيشون في خيم وبيوت مهدمة في أرض منبسطة ومساحة بضعة كيلومترات، تأكد أن مجزرة رهيبة لا سابق لها قيد التحضير. واستكمالا لدعواها أمام المحكمة فقد ارتأت جنوب إفريقيا أن تتحرك لوقف جريمة الإبادة الجماعية الجارية، ولهذا تقدمت مجددًا بطلب إلى المحكمة لإصدار أوامرها "لإسرائيل" لإيقاف عمليتها العسكرية في رفح فورًا وسحب قواتها من غزة وضمان تدفق الإمدادات الإنسانية ودخول عمال الإغاثة والصحفيين والمحققين.
استمعت المحكمة في اليوم الأول 16 مايو 2024 إلى مرافعة الفريق القانوني لجنوب إفريقيا وهم بالأساس من مثلوها أمام المحكمة في الجلسات السابقة، وهم أستاذ القانون الدولي جون دوغارت، والمحامية اللامعة عديلة هاشم، والقانوني فوغان لوي، وسفيرجنوب إفريقيا في لاهاي فوسيموزي مادونسيلا، والمستشار تمبيكي نجيوسكيليسيتيوبي والمستشارة الأيرلندية سارة بودفين جونز.
عبَّرت جنوب إفريقيا عن خيبة أملها من عدم استجابه "إسرائيل" لقرار المحكمة بشأن الإجراءات الاحترازية لإيقاف ومنع الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة؛ بل العكس وهو تصاعد عمليات الإبادة، وخطورة الاجتياح العسكري البري الإسرائيلي الشامل لمحافظة رفح؛ حيث يحتشد ما يقارب 1.5 مليون إنسان. ووصفت عملية رفح "بأنها الفصل الأخير لتدمير قطاع غزة وإبادة شعبها الفلسطيني". ولذا فالأمر عاجل ويتطلب فورًا وقف العمليات العسكرية "الإسرائيلية" والقيام بعمليات إغاثة واسعة بدون قيود ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وقد استندت مرافعة جنوب إفريقيا على:
- وقائع ميدانية موثقة عن توغل الدبابات "الإسرائيلية " في رفح والحشود الضخمة للقوات المدرعة شرقي رفح وقصف القوات "الإسرائيلية" جوًا وبرًا وبحرًا لمناطق سكنية وتجمعات للمدنيين؛ بل واستهدافهم فيما تعتبره إسرائيل "أماكن آمنة". كذلك توثيقًا للمقابر الجماعية، وتدمير البنية التحتية من طرق ومحطات توليد وتوزيع الكهرباء ومصادر وتمديدات الماء، وكذلك محطات ومجاري المياه؛ مما يفاقم من خطر انتشار الأوبئة والوفيات. وتشمل الأهداف المدنية المستشفيات والمدارس والجامعات والمرافق العامة والمساجد والكنائس. إلى جانب اعتقال آلاف المدنيين بمن فيهم الطواقم الطبية، بالتوازي مع عمليات تعذيب منهجية واستئصال أعضاء بشرية، والإعدام بمن فيهم أطفال ونساء. ونشير هنا إلى أن غالبية من قتلوا ومنهمم من هم تحت الأنقاض هم من النساء والأطفال.
- استهداف المستشفيات بالقصف والتدمير واقتحامها وتدمير تجهيزاتها وأقسام منها وإخراجها عن العمل وقتل واعتقال أطقمها والمعالجين فيها، وكذلك استهداف الإسعاف والدفاع المدني. كما إن حرمان هذه المستشفيات من الكهرباء بسبب قطع الوقود والمياه النقية ومنع إمداداتها من الأدوية والمعدات عطّلها فعليًا، وفاقم من الوفيات في صفوف الجرحى والمرضى، حيث تحولت باحات بعضها إلى مقابر جماعية.
- استهداف "إسرائيل" للفئات المهمة للشعب الفلسطيني في غزة؛ حيث قتلت المئات من الأساتذة الجامعيين والأطباء وذوي المهن الطبية والصحفيين ومقدمي الخدمات العامة والشخصيات القيادية هم وعائلاتهم؛ إذ مُحيت عائلات بأكملها.
- الاستمرار في عملية الحصار على القطاع ومنع تدفق مواد الإغاثة والأدوية والوقود والتجهيزات عبر المعابر وخصوصًا بعد سيطرتها على الجانب الفلسطيني من معبر رفح؛ بل وسماحها للمستوطنين باعتراض وحرق مساعدات الإغاثة التي تشرف عليها الأمم المتحدة وغيرها عبر معبر كرم أبو سالم "الإسرائيلي". وترتب على ذلك انتشار الأوبئة وحالة جوع حقيقي تهدد حياة الآلاف وخصوصًا الأطفال وكبار السن، فيما اضطر البعض لأكل أعلاف الحيوانات.
- تؤكد تقارير الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الموثوقة، استهداف منشآتها ومخازنها والعاملين فيها بالتدمير والقتل، وفرض حصار لمنع إيصال إمداداتها وعملها في قطاع غزة، ويشمل ذلك تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولي الإغاثة الإنسانية ومنظمة الأونروا والمفوض السامي لحقوق الإنسان والمقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومفوضية حقوق الطفل واليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمات حقوقية دولية.
يتفق هؤلاء جميعًا على أن ما يجري في غزة من تجويع وتدمير ومجازر من جراء عمليات "إسرائيل" العسكرية والأمنية وحصار محكم، هو كارثة إنسانية لا سابق لها وأنها مسؤولية "إسرائيل"، وطالبوها بوقف الحرب فورًا ورفع الحصار وتأمين حرية أعمال الإغاثة وعامليها. كما إن كلًا من الجمعية العامة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طالبوا بذلك، وهذه المطالب أكثر إلحاحًا في رفح؛ حيث الملاذ الأخير للنازحين الفلسطينين في قطاع غزة.
- تزعم تصريحات قادة "إسرائيل" في الحكومة والكنيست والأحزاب وكبار الحاخامات وشخصيات نافذة، مسؤولية سكان غزة عمّا جرى في 7 أكتوبر 2023، وبالتالي يتوجب معاقبتهم أيضا. كما جرت حملة نزع الإنسانية عن الفلسطينين ووصفهم بالحيوانات لتبرير إبادتهم. ويكرر المسؤولون "الإسرائيليون" ادعاءاتهم أن حماس تجعل من المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية وأنها أقامت شبكة أنفاق تحت المستشفيات والمدارس؛ مما يُبرر استهداف السكان والمنشآت المدنية. علاوة على أن النشر في وسائل التواصل الاجتماعي لعمليات التدمير واستهداف المدنيين وتفاخر الضباط والجنود بما يرتكبونه من جرائم إبادة بحق المدنيين، هو عن سابق تصميم وتنفيذ لسياسة رسمية وضمان للإفلات من المحاسبة والعقاب.
- فنّدت جنوب إفريقيا ادعاءات إسرائيل بانها تمارس حق الدفاع عن النفس لحماية مواطنيها بعد 7 أكتوبر 2023، بأن ذلك غير صحيح؛ إذ إن الدفاع عن النفس لا يُجيز انتهاك القانون الدولي واستخدام القوة المدمرة ضد المدنيين وحصارهم وتجويعهم وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. كما إن حق الدفاع عن النفس لا ينطبق على "إسرائيل" التي تحتل الأراضي الفلسطينية وحق شعبها في مقاومة المحتل بكل الوسائل.
وقد طالب وفد جنوب إفريقيا "اسرئيل" بتنفيذ الإجراءات الاحترازية التي سبق أن أمرت بها المحكمة وتتطلب وقفًا فوريًا لإطلاق النار وما يصاحبها من عمليات وضمان أعمال الإغاثة الشاملة وفتح المعابر دون شروط، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة؛ تمهيدًا لمفاوضات تتضمن تبادل الأسرى، وإضافة لهذه الإجراءات الاحترازية تطلب جنوب إفريقيا من المحكمة بأن تأمر "إسرائيل" بتنفيذ إجراءات احترازية اضافية والوقف الفوري لعملياتها في محافظة رفح وباقي محافظات قطاع غزة، وضمان أعمال الإغاثة الشاملة وفتح المعابر دون شروط، وانسحاب القوات "الإسرائيلية" من قطاع غزة.
لقد كانت مرافعات فريق جنوب إفريقيا القانوني متميزة ومُدعمة بالقرائن والوثائق والحجج القانونية المُقنِعة.
وفي اليوم الثاني 17 مايو 2024، قدَّم الفريق القانوني "الإسرائيلي" مرافعته ردًا على مرافعة الفريق القانوني لجنوب إفريقيا. وكما هو متوقع فقد كان مليئًا بالأكاذيب والادعاءات وتصوير "إسرائيل" على أنها معرضة لخطر وجودي؛ مما يستوجب إجراءات استثنائية.
وقدّم المحامي جيلاد نعوم المرافعة الرئيسية للفريق القانوني لـ"إسرائيل" وتبعته المحامية قبلان ترجمان والتي قدمت فيها مطالب الوفد الإسرائيلي.
وفي البداية، اتهم المحامي جيلاد جنوب إفريقيا باستهداف "إسرائيل" بطلباتها الحالية كاستمرار لدعواها ضد "إسرائيل" بالإبادة الجماعية للفلسطينيين في 29 ديسمبر 2023؛ حيث انعقدت المحكمة يومي 11 و12 يناير 2024 وأقرت المحكمة طلب جنوب إفريقيا للمحكمة بأن تأمر "إسرائيل" بإجراءات احترازية حتى البت في الشكوى الاساسية وتقدم بذلك تقريرًا خلال شهر، وأن إسرائيل فوجئت بطلب جنوب إفريقيا من المحكمة أن تامر "إسرائيل" بإجراءات احترازية إضافية، في الوقت الذي كانت فيه "إسرائيل" تعكف على إعداد تقرير مُفصّل يُعده فريق من خبرائها لتقديمه للمحكمة حول ما اتخذته من إجراءات لتنفيذ الإجراءات الاحترازية السابقة؛ أي إن خمسة أشهر مضت و"إسرائيل" تُعِد تقريرها وكان من المطلوب تقديمه في بداية 11 فبراير 2024. كما يتجاهل جيلاد أن "إسرائيل" لم تُنفِّذ أمر المحكمة بالإجراءات الاحترازية؛ بل استمرت في حرب الإبادة ومفاقمتها، وكذلك التطور الخطير المتمثل في شن الهجوم البري على محافظه رفح.
ركّز المحامي جيلاد على أن "إسرائيل "تخوض حربًا وجودية وأنها تُمارس حق الدفاع عن النفس، منذ هجوم 7 أكتوبر 2023 من قبل حماس، وترتب عليه مقتل 1200 إسرائيليًا وأسر مئات المحتجزين من بينهم نساء وأطفال مع الزعم بتعذيبهم؛ بما في ذلك الاعتداءات الجنسية وموت بعضهم، وبقي منهم 132 أسيرًا، قُتِل منهم 63.
كما زعم المحامي أن "إسرائيل" مشتبكة في حرب لم تردها أو تسعى إليها أو تبدأها وإنما تمارس "حق الدفاع عن إسرائيل وشعبها". واستطرد في وصف معاناة الرهائن وأهاليهم بالتفصيل. وأكد أن الحرب تنتهي في حال إطلاق سراح الأسرى واستسلام حماس.
وادعى أنه يوجد تحت أراضي رفح أكثر من 700 نفق، منها 40 نفقًا تؤدي إلى مصر؛ حيث يتم تهريب الأسلحة والإمدادات إلى حماس. كما إنه أُطلِقَ ما يقارب 1400 صاروخ من رفح ضد "إسرائيل" والتي تشكل حاليًا القاعدة الأساسية لحماس وأن "إسرائيل" تستهدف حماس وليس المدنيين الفلسطينيين الأحرص عليهم من حماس التي تستخدمهم كدروع بشرية! كما إن العملية الجارية في رفح غير واسعة النطاق؛ بل قطعة بقطعة ويجري إخلاء السكان أولًا بأول.
وجادل المحامي أنه لا يتوجب بالأساس قبول دعوى جنوب إفريقيا لأن حماس ليست طرفًا في اتفاقية محكمة العدل الدولية، وهي منظمة إرهابية جهادية تستهدف "الإسرائيليين " والفلسطينيين، لكنه تجاهل أن كلًا من "إسرائيل" وجنوب إفريقيا طرفان في المحكمة واتفاقية منع وتجريم الإبادة الجماعية، ولذا يحق لأي منهما رفع دعوى أمام المحكمة، كما إنها لم ترفض المثول والمشاركة في سير المحاكمة.
وفسّر جيلاد دوافع جنوب إفريقيا لرفع الدعوى وطلباتها الاحترازية الإضافية كونها حليفة لحماس وتريد منع هزيمتها وقد استقبلت وفدًا قياديًا من حماس. وأن دعواها لا تستند إلى الوقائع والحقائق وإنما مجرد ادعاءات، حسب زعمه.
وبرّر جيلاد بعض الانتهاكات بأنها تحدث في أي حرب أو نزاع مسلح، لكن جيش "الدفاع الإسرائيلي" هو الأكثر حرصًا على مراعاة القواعد الإنسانية الدولية في هذه الحرب. وأكد أن لدى إسرائيل نظام قضائي مستقل ومحكمة العدل العليا للفصل في أية دعاوى بما فيها دعاوى ضد سياسيين وعسكريين في مسار الحرب، وهناك جهاز تحقيق عسكري حقق في أكثر من 400 حالة ومحكمة عسكرية تنظر في العديد من القضايا بما فيها نهب مساعدات الإغاثة، وأصدرت أحكامًا بشأنها. وبرّر التصريحات الداعية لإبادة الفلسطينين أنها ليست صادرة عن مسؤؤلي إدارة العمليات العسكرية المحصورة في مجلس الحرب ومجلس الوزراء الأمني المصغر.
ويتجاهل جيلاد أن هذه التصريحات صادرة من قادة "إسرائيل" وحكومتها وقياداتها العسكرية وفي مقدمتهم رئيسها هيرتزوج ورئيس وزرائها نتنياهو ووزير دفاعها جالانت ورئيس الأركان هاليفي ورئيس الكنيست أمير أوحانا، وجميع الوزراء وقادة الأحزاب "الإسرائيلية". كما إن محكمة العدل العليا الإسرائيلية ومنذ قيام دولة الاحتلال في 1948، لم تحكم على أي مسؤول أو مؤسسة "إسرائلية" بعقوبات لقتل الفلسطينيين، وكذلك الأمر لبقية المحاكم "الإسرائيلية". الإجراء الوحيد كان قرار رئيس الأركان هاليفي تنحية قائد قوات خاصة قامت بقتل 7 من العاملين الأوروبيين في المنظمة الإغاثية "الطعام اليوم".
كما شكَّك في مصداقية تقارير الأمم المتحدة واتهم جنوب إفريقيا بأنها تستند إلى معلومات مصدرها حماس، التي تُخفي خسائرها وتضمنها بين خسائر المدنيين. كما أدان وصفها لمناطق الإبادة في غزة بمعتقلات الهولوكوست. وخلص بالقول إلى أن ما يجري ليس إبادة جماعية بحق الفلسطينيين؛ حيث تقدم لهم "إسرائيل" مواد إغاثة بالملايين، وتؤمن لهم المعابر من الأراضي "الإسرائيلية" إلى جانب الرصيف البحري الذي أقامته أمريكا بتعاونٍ مع "إسرائيل".
وفي هذا الصدد، فإن رفض "إسرائيل " لتقارير الأمم المتحدة وقراراتها وعدم تنفيذها مستمر منذ قيامها في 1948، حتى اليوم، ولا تتورع عن اغتيال وقتل موظفي الأمم المتحدة منذ قتلها الوسيط الدولي كونت براندوت في 1947، حتى مجزرة موظفي الأمم المتحدة في غرة حاضرًا.
أما المحامية "الإسرائيلية " كوبلان تورجمان، فقد استعرضت بالتفصيل ما تدعيه من معاناة الأسرى الـ132 "الإسرائيليين" لدى حماس، إثر ما تُسميه "مذبحة 7 أكتوبر 2023"، وأصناف التعذيب؛ بما في ذلك القتل والاغتصاب الجنسي، حسب افتراءاتها.
كوبلان تتجاهل الشهادات التي أدلى بها الأسرى "الإسرائيليين" الذين أُطلق سراحهم في صفقة التبادل الأولى في سبتمبر 2023، وأشادوا بحسن معاملة سجّانيهم الفلسطينين "كتائب القسام" رغم الأوضاع الخطرة والصعبة في العيش في الأنفاق تحت القصف الإسرائيلي والاقتحامات العسكرية الإسرائيلية وحرب الإبادة والحصار. وقد ثبت أن القوات "الإسرائيلية " قتلت 3 منهم بالرصاص وهم يُلوِّحون بخرقٍ بيضاءٍ وتسبب القصف الإسرائيلي- وعدم القدرة على علاج جرحى ومرضى منهم بسبب تدمير واحتلال المرافق الصحية- في موت العشرات منهم، ولم تعر "إسرائيل" أهمية لنداءات الأسرى أو احتجاجات أهاليهم للتوصل إلى تسوية "إسرائيلية" فلسطينية تتضمن تبادل الأسرى.
طرحت كوبلان أن "إسرائيل" تبذل قصاري حهدها في إغاثة الفلسطينيين في غزة؛ حيث إن جميع المعابر وهي رفح (مع مصر) وكرم أبو سالم وإيريز (إسرائيليان) مفتوحة وتمر عبرها مئات الشاحنات من المعونات الإغاثية؛ حيث بلغ معدل عدد الشاحنات التي تمر من معبر كرم أبوسالم 350 شاحنة يوميا؛ بل إن "إسرائيل " خصّصت ما قيمته 2.5 مليون دولار لمواد الإغاثة، واليوم الوحيد لإقفال معبر كرم أبو سالم هو ليوم واحد في 9 مايو 2024؛ حيث قصفت قوات حماس الجانب "الإسرائيلي" من المعبر. وإضافة إلى ذلك فإن "إسرائيل" تتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة الرصيف العائم مقابل شاطئ غزة، والذي سيوفر 2.2 مليون وجبة لفلسطيني غزة يوميًا. كما إن "إسرائيل" تأخذ في اعتبارها سلامة واحتياجات المدنيين الفلسطينيين في عملية رفح العسكرية، والتي ستكون تدريجية مع تأمين إجلاء المدنيين وتأمين إغاثتهم. وبالنسبة لما يُدعى باقتحام المستشفيات، فقد حذر رئيس الأركان هاليفي من أن المستشفيات ليست مكانًا آمنا للإرهابيين، كما إن "إسرائيل" تقوم بتحذير السكان في المناطق المستهدفة بعملياتها الحربية. وعدَّدت كبلان ملايين القصاصات والرسائل الصوتية التحذيرية.
لا شك أن ادعاءات كوبلان خيالية وغير صحيحة وكاذبة؛ فهناك إجماع على أن لا مكان آمنًا للفلسطينين في غزة؛ فالقصف الجوي والبري والبحري سوّى 85% من مبانيها بالأرض، وقد تجاوز عدد الشهداء 35.7 ألف، وآلاف من المدفونين تحت الأنقاض، وما يزيد عن 80 ألف جريح. وتفرض "إسرائيل "حصارًا محكمًا على قطاع غزة وتتحكم في عدد الشاحنات والمواد الإغاثية؛ حيث تمنع الكثير من الأدوية والإسعافات والتجهيزات الطبية والوقود وتقنن الأغذية والذي أوصل غزة إلى وضع كارثي من المجاعة والأوبئة وانهيار النظام الصحي والتعليمي.
طالبت كوبلان المحكمة برفض دعوى جنوب إفريقيا من الأساس ضد "إسرائيل" ورفض مطالباتها بالإجراءات الاحترازية الإضافية، لأن إسرائيل ملتزمة بالقانون الدولي في هذه الحرب وما يرافقها ويترتب عليها. كما طالبت المحكمة بالنظر في ما ارتكبته حماس من أعمال الإبادة الجماعية لليهود في 7 أكتوبر 2024، وما تلاه من استهداف المدنيين الإسرائيليين بقصفها الصاروخي.
وهنا أيضا تستخف "إسرائيل" بالمحكمة والقانون الدولي وتضع لنفسها معايير وحقوق خاصة تُحرِّمُها على الفلسطينين والعرب وسائر البشر.
رئيس المحكمة القاضي نواف سلام سأل القضاة إن كان لأي منهم سؤال؛ حيث سأل القاضي نورثي الوفد "الإسرائيلي" إن كان يضمن سلامة السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة من استهدافهم بعمليات عسكرية وتأمين مناطق وظروف آمنة لهم، وضمان وصول الإغاثة ومستلزمات الحياة.
وأعلن القاضي نواف سلام أن المجال مفتوح حتى يوم الإثنين 20 مايو؛ لتلقي أي مذكرات أو إضافات مكتوبة من قبل جنوب إفريقيا و"إسرائيل" لضمها لملف الدعوى ومطالبة جنوب إفريقيا المحكمة بأن تامر "إسرائيل" بالإجراءات الاحترازية الإضافية.
وكما في السابق.. فإنه يُتوَقَّع أن تُعقد جلسة علنية خاصة للإعلان عن قرار المحكمة بشأن الإجراءات الاحترازية الإضافية خلال أيام.