نسمع جعجعة ولا نرى طحينًا

 

علي بن سالم كفيتان

شهدت محافظة ظفار حراكًا إعلاميًا غير مسبوق منذ عامين ونيف، ولا يكاد ينجلي شهر إلّا على وقع افتتاح مؤتمر أو ملتقى أو ندوة أو ورش عمل، تناقش أداء الاستراتيجيات والرؤى، ناهيك عن استطلاعات الرأي التي باتت نهجًا لبلدية ظفار في تجديد الأسواق وتطوير المحافظة، إضافة للزيارات الميدانية التي يشارك فيها جميع مسؤولي المحافظة إلى ولايات المحافظة بعيدًا عن المركز.

كل ذلك يمثل حراكًا محمودًا وسعيًا حثيثًا لخلق واقع جديد أفضل للمحافظة الجنوبية الواعدة كوجهة سياحية ومنفذ اقتصادي ولوجستي عالمي لعُمان، إلّا أن المتابع لا يرى تغيُّرًا ملموسًا يتناسب مع كل هذا الحراك، ومن هنا أتت فكرة هذا المقال لتذكير أصحاب القرار في المحافظة بأهمية أن يرى المواطن والزائر آثار هذا الحراك على الواقع، وأن يكون الإنسان في المحافظة هو الهدف الأول لأي جهد أو مسعى، ويجدر بنا القول هنا بألا تكون ظفار فقط مصيفًا لمدة 40 يومًا تُفصَّل فيه الامتيازات والتخفيضات والعروض للزوّار والسياح فقط.

لا يمكننا تطوير المنتج السياحي في ظفار بجر الأكشاك ودورات المياه سنويًا بين السهول والوديان والجبال؛ فثقافة الأكشاك والبيع على الطرقات باتت ثقافة جديدة ابتدعتها الجهات المعنية لتتجنب العمل على إرساء بنية أساسية لمشهد سياحي مُستدام في ظفار، فباتت الصورة هي نفسها كل عام: ازدحام وتكدس في وجهات مُكررة، لا يقضي فيها الزائر وقتًا طويلًا، في ظل توافد قرابة المليون إنسان يطوفون على نفس المشاهد وليس أمامهم إلّا الابتكار، فباتوا يتزلجون في الوحول كنوع من الترفيه المفقود، ليعترض الرعاة وتُغلق المسارات، ويُجَر السائح إلى خانة الاتهام. وهنا لا أدري كيف تُقيِّم المحافظة تطوير المنتج السياحي الذي تُقدِّمه؟

من واقع هذا المشهد، ربما التطور الجديد هذا العام هو تثبيت قيمة تذاكر طيران الناقل الوطني بمكيالين لا ثالث لهما، وتمنيتُ لو كان المكيال واحدًا وهو 54 ريالًا للتذكرة ذهابًا وعودة للعُمانيين طوال العام، من وإلى ظفار؛ فالانتقائية التي ميَّزت الموسم السياحي في ظفار بهذا السعر تنال من مفهوم العدالة الاجتماعية في التعامل بالمثل؛ فسكان ظفار لهم مصالح دائمة في مسقط، ويتوافدون عليها في كل المواسم. ومن هنا يرى النَّاس في ظفار أن الناقل الوطني لا يمتلك نظرة تُترجِم واقع هذا الاسم، عندما يتم التعامل مع أسعار الرحلات الداخلية بين صلالة ومسقط، تمنيتُ أن يتم تخفيف وقع هذا الخبر الصادم لسكان المحافظة بمنح تذاكر مُخفّضة للطلبة الدارسين في مسقط وظفار والمرضى المُحوَّلين للمستشفيات المركزية في العاصمة.

أعلنت بلدية ظفار عن حزمة من مشاريعها بعد الخريف الماضي 2023، وأكدت من خلال تصريحات عالية المستوى أن المشاريع المسندة مثل ازدواجية بعض الطرق والجسور والوجهات الساحلية والساحات العامة، سيتم المباشرة فيها بشكل أسرع من المعتاد الذي بات الكل يردده كل عام، وهو العمل في فترة الذروة السياحية؛ مما يؤدي الى تفاقم أزمة السياح، وكأنَّ العام بكامله لا يكفي للبدء إلّا مع تدفق السياح واكتظاظ المحافظة بالزوار. لا أدري كم من الوقت ستحتاج الشركات لحلق بقية أشجار الموز والنارجيل على ضفتي طريق السلطان قابوس؟ والأمر ذاته فيما يتعلق بازدواجية شارع السلطان تيمور وجسر دوار إتين؟

المؤكد أن الموسم هذا العام لن يرى جديدًا من هذه المشاريع، وربما لمواسم أخرى قادمة، رغم تواضع العمل المطلوب، فأين يكمُن الخلل الذي لم يُعالج مع الإدارة الجديدة لبلدية ظفار التي قدمت نفسها بشكل رائع للجمهور من الناحية الإعلامية خلال الأعوام الثلاثة الماضية؟ من المهم أن تلتفت البلدية للظهير السكاني للمدينة كذلك، وهي المناطق الريفية التي لم ترَ مشاريع نوعية كالطرق أو الخدمات الأخرى التي تعمل على تثبيت السكان في قراهم وتخفف من الهجرة إلى المدينة، كما كان سابقًا، من خلال منح حصة من الطرق والخدمات العامة لكل منطقة في الأرياف والعمل على استدامة الخدمات للناس في مناطق سكناهم.

شملت زيارات مسؤولي المحافظة مؤخرًا الولايات البعيدة؛ حيث جلسوا مع المواطنين واستمعوا لمطالبهم، وهذا أمر حسن، لكن ما هو معلوم أن ولاية صلالة يتركز بها أكثر من 86% من سكان المحافظة؛ سواءً في المدينة أو الأرياف، وهم يترقبون من صاحب السمو السيد المحافظ أن تشمل الزيارات واللقاءات القادمة أبناء الولاية الأم حاضرة ظفار، في مراكزهم الإدارية السابقة وقراهم وتجمعاتهم السكانية؛ للاستماع إلى مطالبهم وتطلعاتهم في ظل النهضة المتجددة لمقام مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وأن يجد سموه حلًا للموت السريري لمنطقة صلالة الحرة، التي وُعدِنا قبل أعوام، بأنها ستُسهم في حل مشكلة الباحثين عن عمل في ظفار؛ عبر إيجاد آلاف الفرص الوظيفية، والتي لم ترَ النور إلى اليوم.

وحفظ الله بلادي.