من ينقذ "إجادة"؟

 

 

محمود بن سعيد المحروقي

 

لا شك أنَّ التطوير في الشأن الذي يرتقي بعمل الأنظمة الإدارية الحكومية يمثل غاية سامية ومطلبًا حثيثًا لضبط الإنتاج والعمل من أجل تحقيق المصلحة العامة، وهو أحد الأهداف التي تسعى الحكومة لتحقيقها من خلال استحداث بعض الأنظمة والتي من ضمنها الإجادة الفردية لموظفي الوحدات الحكومية بالجهاز الإداري للدولة.

وحيث إن الشاهد اليوم وفق ما هو ملموس بوجود عدم أريحية من قبل الموظفين وتكاد أن توصف بحالة من الامتعاض بوجود هذا النظام الذي لابد من فهم وتحليل بعض الجوانب التي تصادف عمليات التطبيق له؛ إذ إنه من غير الممكن نقل التجارب والقوالب التي طبقت في دول وأنظمة أخرى بدون الدراسة المتعمقة لماهية البيئة الحاضنة لتطبيق هذه المنظومة في بلدنا العزيز فمن المهم أن يكون التطبيق تجريبيا وتدريجيا فذاك كان أولى من شمولية التطبيق وأن كل القطاعات في الجهاز الإداري للدولة لا يُمكن أن تكون بنفس المنظومة لاختلاف اختصاصاتها ومهامها وطبيعة العمل في كل قطاع وأن المستويات والفئات الوظيفية لا يمكن أن تقاس بنفس المعايير ولا نريد أن ننساق إلى المفهوم السائد عند تطبيق بعض الأنظمة أو أية مشاريع جديدة تقام بالعبارة المتداولة (أهم شيء التطبيق) لما له من عواقب سلبية لاحقة.

وهنا أيضاً نستذكر أنه في إحدى السنوات كان الطموح عاليًا عند تنفيذ مشروع تدريب موظفي الخدمة المدنية على تقنية المعلومات، وإلزامية اجتياز الموظفين الدورة المقررة؛ لذلك فهل الاستفادة منها كانت بقدر الطموح؟ وهل كانت المنهجية المتبعة آنذاك ناجحة؟ وهل الشمولية لكل المستويات الوظيفية وقتها كمثال الوظائف الحرفية مثل السائق والخدمات المعاونة كانت مناسبة؟

هذا بالضبط ما نود أن يتم الاحتراز منه، وليس الانسياق خلف مفهوم التطبيق الشمولي لإنجاح المشروع، دون النظر والدراسة المُتأنية في أبعاده العديدة، ناهيك عن المبالغ الطائلة التي تصرف لهكذا مشاريع أهدافها وطموحاتها عالية ونجاحها يكون ضعيفًا وقصير الأمد، كما إن وجود مسؤولين غير مؤهلين لإجراء عمليات تقييم الأشخاص يضفى نوعًا من غياب العدالة في التقييم لأنهم موجودون ولا مجال لتغييرهم فمنهم من يفتقر لأدنى درجات الفهم لأبجديات التخطيط والمهنية الإدارية فكيف يتم ربط مصير المكافآت والترقيات بهكذا أشخاص؟

ومن جهة أخرى، عند رغبة المسؤول المُخلِص في تكريم الفئة المستحقة فيجد أن الوحدة الحكومية قد حكمته بعدد محدد من المرشحين للتكريم مما يتنج خللاً حقيقياً في المهنية في إعطاء كل ذي حق حقه.

وإذ نرى اليوم أن العلاقات بدأت تسوء بين زملاء العمل وبدأت المشاحنات تزيد بسبب موضوع المكافآت المنبثقة من هذه المنظومة؛ نظرًا لحساسية هذا الموضوع بالذات، رغم أن الموظف العماني مشهود له في التعامل والرقي في علاقاته مع الآخرين، وبدلًا من ارتفاع نسبة رضا الموظف في هذا الجانب، نجد أن الانخفاض هو سيد الموقف. كما إن الأعمال والإجراءات المرنة والتي تُنجز بشكل فوري وعفوي دون تأخير، نجدها اليوم تتأخر بسبب أن بعض الموظفين أصبحوا يطالبون بها أن تكون مقيدة ومدونة حتى تكون في رصيده، لغرض الترشيح للمكافآت، وفي هذه الحالة هو مُحق- من جهة- في كون أن المنظومة تبحث عن الأرقام والإحصائيات لبعض الجوانب، إلّا أن العمل بدأ يأخذ بُعدًا لتعطيل بعض تلك الإجراءات التي تتسم بطابع المرونة سابقًا.

الشاهد الآخر، وجود فهم خاطئ حاليًا بأن الإنجازات هي المهمة في تحقيق عمليات الترشيح؛ مما يترك الموظف أعماله الروتينية التشغيلية وينصرف إلى تحقيق تلك الإنجازات المطلوبة، وقد يكون على حساب جوهر أعماله ومهامه، وللأسف تكون بعض هذه الإنجازات المذكورة زائفة وعبارة عن فقاعات وقتية، لكنها ربما تنجح كمعيار للترشح للمكافآت طالما أنها اعتُمدت من قبل المسؤول الذي أساء التقدير لهذه الحالات!!

هناك العديد من التحديات التي تواجه أي نظام جديد إلّا أن النظام الذي يتعامل مع ترقيات ومكافآت وحقوق الموظف يؤمل منه أن يكون أكثر إيجابيةً وعطاءً، وخاصة بعد الإجحاف في تأخير ترقيات الموظفين في المدد السابقة لفترات تزيد عن العشر سنوات في كل ترقية نتيجة الأزمة المالية الفائتة، فمن المهم الآن تبني موقف صلب وتوجيه البوصلة نحو رفع مستوى التقدير المادي للموظف الحكومي؛ بما يضمن تحفيزه واستقراره وليس عبر إيجاد منظومة قد تكون في نهاية المطاف "دون التوقعات"!

تعليق عبر الفيس بوك