مأزق العدو في غزة (1- 2)

 

محمد بن سالم البطاشي

 

الحرب هي السياسة ولكن بشكل آخر، وتُشن الحروب عادة لتحقيق أهداف سياسية تكتيكية واستراتيجية عندما تخفق الوسائل الدبلوماسية في تحقيق تلك الغايات، ثم تأتي الدبلوماسية لتثبت نتائج الحرب ومخرجاتها، وحين تتوافق الدول على الذهاب للتفاوض بدون الحرب فهذا يعني أنَّ القوي قد حصل على ما يريد بدون اختبار لقوته، والضعيف قد أعطى ما يستطيع دون إلغاء لذاته.

ولو نظرنا إلى أحداث طوفان الأقصى، فإننا نجد أن هذا الحدث الضخم قد جاء نتيجة لتعنت الاحتلال وتماديه في الغطرسة معتمدا على قوته التي توهم إنها الحصين الحصين له، ولقد تبارى زعماء الكيان في تبني المواقف الموغلة في التطرف والتوحش والعنصرية والاستهتار بكل القيم والمبادئ والقوانين والمواثيق التي تضبط دور الاحتلال في المناطق المحتلة، وذهب به التمادي والغرور والصلف إلى منتهاه من فرض وتشديد الحصار الطويل على قطاع غزة والتنكيل بالسجناء والموقوفين بدون وجه حق وتدنيس الأماكن المقدسة وعلى رأسها المسجد الأقصى دون رادع، مستغلًا الغطاء القانوي والسياسي والاقتصادي والعسكري الذي توفره الولايات المتحدة والغرب والمتواطئون معهما. ورغم كل الدلائل وكل التحذيرات التي أطلقها المفكرون والعقلاء من عواقب هذا السلوك المشين إلّا أن الغرور قد أعمى بصر وبصيرة قادة العدو سواء من كان منهم في الحكم أو في المعارضة.

ومع انطلاق الثورة في السابع من أكتوبر 2023. وما أحدثته من صدمة زلزلت الاحتلال بكل أركانه وكادت أن تسوي به الأرض لولا هرولة واشنطن وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي لإنقاذ ربيبتهم وقاعدتهم المتقدمة على وجه السرعة، ومع بدايات استفاقة العدو من هول الكارثة التي حلت بساحته وتوعده ووعيده وإطلاق حملته العسكرية أملا في استعادة زمام المبادرة وشيء من هيبته التي سقطت وصدور البيان العسكري لأهداف الحرب التي أراد منها حفظ ماء وجهه المسكوب والظهور بمظهر المتماسك أمام قطعان المستوطنين والعالم، والتي تتمثل في القضاء على حركة المقاومة حماس وباقي فصائل المقاومة واستعادة الأسرى لدى المقاومة.

بعد ستة أشهر من القتال الشرس لم يستطع العدو تحقيق أيٍ من أهدافه أو حتى الاقتراب من تحقيقها؛ فبالرغم من التدمير الممنهج للبنى التحتية للقطاع واستهداف البشر والحيوان والحجر يقف الاحتلال عاجزًا وفاغرًا فاهه أمام عظمة صمود المقاومة واستبسالها؛ حيث أظهرت المعارك حقائق ومعطيات ميدانية جديدة في مواجهة الروايات والتصريحات الإسرائيلية المتعاقبة؛ سواء في أعداد قتلى العدو وجرحاه، أو من خلال المشاهد المصورة التي حرصت المقاومة على نشرها وحملت عناوين متعددة مثل الأنفاق والمسافة صفر والياسين 105 والميركافا والنمر وغيرها، إضافة إلى ذلك ما يواجهه جيش الاحتلال من انتقادات واسعة من بعض أعضاء حكومة الاحتلال وفي أوساط الجمهور الإسرائيلي، سواء بسبب فشله في منع الهجوم الصاعق أو في طريقة أدائه على ميادين المعارك أو فشله في تحقيق أي من أهداف هذه الحرب.

ويمكن تلخيص أبرز نقاط المأزق الذي تلبس الاحتلال وقادته في نقاط منها:

1- الفشل الذريع في إدارة الحرب وتعاظم أعداد القتلى وتفاقم أعداد الجرحى ذوي العاهات المستدامة.

2- طول مدة الحرب وما رافقها من دمار وخسائر بدون نتائج حتى الآن.

3- الفشل في تحقيق أي من نتائج الحرب المعلنة أو حتى الاقتراب منها.

4- تصاعد الغضب الشعبي وتفاقمه من قبل عائلات الأسرى ومناصريهم بحيث بات يهدد بانقسام داخلي عميق.

5- عدم رضوخ نتياهو للمطالب الشعبية العارمة بالاستقالة والذهاب الى انتخابات مبكرة تأتي بحكومة تستطيع التفاوض وإطلاق سراح الأسرى وإنهاء الحرب.

6- استمرار النزيف الاقتصادي نتيجة التهجير القسري الذي مارسته المقاومة في نطاق مغتصبات غلاف غزة والتهجير الآخر الذي فرضته المقاومة على المغتصبات والمغتصبين في شمال فلسطين المحتلة في مناطق الجليل الأعلى، حيث إن تلك المغتصبات هي الرئة الاقتصادية للكيان، وما يفرضه التهجير وإسكان النازحين والمهجرين من تكاليف اقتصادية ونفسية وتعويضات هائلة.

7- هذا الصراع الداخلي الذي نشهد تصاعده بين العلمانيين والحريديم على خلفية قانون التجنيد الإجباري الجديد الذي لا يفرق بين المتدينين والعلمانيين في التجنيد، والذي تراه الجماعات الدينية بمثابة تهديد وجودي لها، وتفضل الموت على القبول به.

8- التراجع الواضع في مكانة وسمعة الكيان على الصعيد العالمي وتنامي الانتقادات العالمية لتصرفاته الهمجية التي فاقت كل وصف في مواجهة المدنيين العزل وارتكابه جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية وتنامي الغضب الدولي في أوساط الكتاب وقادة الرأي والمفكرين والفنانين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي.

وللحديث بقية..