أردوغان وضربة الانتخابات المحلية القاسية

 

 

صالح البلوشي

 

في الانتخابات الرئاسية التركية التي عقدت في الصيف الماضي وانتهت بفوز صعب جدا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية بفارق ضئيل، بعد أن حصد 52.15 من إجمالي الأصوات مقابل أقل من من 48 بالمئة لمنافسه كمال كليجدار أوغلو، كاد أن يُتهم بالكفر والخروج من الإسلام كل من انتقد أردوغان أو تمنى خسارته.

وساهمت وسائل الإعلام والحسابات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في كثير من الدول في هذه الحملة التقديسية التي وصلت إلى مقارنة الرجل بكبار الصحابة وقادة المسلمين الأوائل. لكن لم تمض إلا أيام قلائل حتى ظهر التناقض بين ما كانت تروجه الحسابات الدعائية لحزب العدالة والتنمية في وسائل التواصل الاجتماعي وبين ما يحدث في الواقع، حيث بدأت السياسة البراجماتية لحزب العدالة والتنمية ورئيسه؛ سواء في تعامله مع المهاجرين العرب في تركيا، أو أثناء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي أو في العلاقات الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني الغاصب.

ولكن من يتابع الشؤون التركية بعيدًا عن وسائل الإعلام الدعائية لا يجد هناك أي تناقض، فكما يعلم الجميع أن تركيا حسب دستورها هي دولة علمانية، ولا يستطيع أي حزب أو رئيس مهما كانت هويته إسلامية أو يسارية أو قومية أن يخرج عن علمانية الدولة ومصالحها، ولكن يبدو من خلال مجريات الأحداث أن هناك خطابين لحزب العدالة والتنمية، خطاب علماني سياسي داخلي يركز على القضايا الداخلية المهمة مثل التضخم والبطالة والمهاجرين وسوء الأوضاع الاقتصادية وغيرها، وخطاب دعائي خارجي يروج له الإعلام الخارجي للحزب ووسائل الإعلام وحسابات التواصل الاجتماعي التابعة للإخوان المسلمين في العالم العربي، ويركز على تلميع صورة تركيا.

هذه الصورة التقديسية للرئيس أردوغان تعرضت لضربة قاسية جدًا بعد عملية "طوفان الأقصى" والعدوان الصهيوني الغاشم على غزة بسبب المواقف الضعيفة التي أبدتها تركيا حيال ذلك، مما شكل صدمة قوية للشعوب العربية والإسلامية التي كانت تتوقع موقفًا قويًا لأردوغان ليس أقله طرد السفير الصهيوني من تركيا، ولكن بدلًا من ذلك تداولت الأخبار عن استمرار العلاقات الاقتصادية بين تركيا والكيان الصهيوني دون أدنى اعتبار أو مراعاة لما يحدث في غزة، ولم تستطع وسائل الإعلام والحسابات التابعة للإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية الناطقة بالعربية الدفاع عن هذه العلاقات أو إيجاد تبرير لها؛ بل إن كثير من المحسوبين على "الإسلاميين" في الوطن العربي انتقدوا الموقف التركي ووصفوه بأنه موقف مخذٍ لغزة وللشعب الفلسطيني.

الموقف من غزة جعل بعض العرب يبتهجون بالهزيمة الكبيرة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التركية؛ بل إن آخرين أظهروا الشماتة للحزب وتمنوا هزيمته في الانتخابات الرئاسية التركية في 2028، وهناك من وصف الهزيمة بأنها رد فعل من الشعب التركي على موقف أردوغان من العدوان الصهيوني على غزة.

هذا الانقلاب الشعبي في كثير من الدول العربية تجاه تركيا وأردوغان يؤكد أن الشعوب العربية بحاجة إلى قراءة سياسية أعمق لفهم مواقف الدول الأخرى بعيدًا عن القراءات العاطفية والآيديولوجية والطائفية، فالشعب التركي لم ينتخب أردوغان لأنه قائد إسلامي، ولم ينتخب المعارضة في انتخابات البلدية بسبب موقف أردوغان من غزة، وإنما كان هاجس الناخبين الأتراك قضايا تركية داخلية مثل الأزمة الاقتصادية وقضية اللاجئين والحوكمة المحلية والسياسات الاجتماعية وغيرها.