قصة القرية العالقة (18)

 

الكاتب: حمد الناصري

وفي وثيقة سرية ، كشفتْ بأنّ الغُرباء توعّدوا أهل قريتنا بالشرّ والسُوء وأغلظوا في حِقْدهم .. فقال كبيرهم "سنجعل القرية العالقة وقرية البحر وساحلها الطويل والرمال الناعمة والاخوار المُهادنة قرى صغيرة مُقطّعة الأرض والبحر والجبال، سنجعلها على شكل مخروطي، ضَعيفة التوافق وإلى زمن بَعيد، وسنجعلها عُرضة للتشتت والتشرذم وقابلة للانفجار ولو بَعْد عشرات السّنين.. سنجعل كُل قرى الساحل والأخوار المُهادنة في اختلاف دائم وشِقاق في البرّ والبحر، وسَنلغي قِيَم ونُنشئ أخرى ، ونجعل منها أجْزاء مَفتوحة وأخرى مُغلقة ونَخلق لكل واحدة منهنّ بيئة لتعزيز الشُعور بالأمان وتسهيلاً لتدخّلنا إذا ما نشبَ بين الرجال مُشاحنة أو ثارتْ بينهم خلافات وانتشرت بين أوسطاهم وتمتّع كُبراءهم بالرّفاه ، وعندئذ سيكون التقارب مُثار إعجابهم وسنعُدّ لهم حُريّة الفكْر وفق منافع لنا ، ونُحرر منافعهم بغاية الاختلاف.؛

وبكل صراحة فهذه هي الكياسة التي ننشُدها لخلق إنسانية جديدة بعقلية جديدة تلك هي المُكافأة ، فتكبُر الهُوّة بينهم بإدخال تعديلات في توحيدهم بينما هو مسموح وجائز ومرغوب والتفريق بينها بإدخال تحسين بين لُغة دوافع الشهوات وشوائب المُعاملات وخَلْق علاقات تتماشى مع علاقاتنا ، بدءً من حريّة المُعتقد وتسامح الدِيْن إقراراً بمُعتقد مُتنوّع ومُختلف .. فكما جئنا بها نُفرّقهم عليها.. ذلك ما يستحقون.؛

 

ـ إنها قِمّة الحقارة والنذالة.؟ "قال أحمد غاضباً ولم يزد."

 

ـ الغُرباء يا ولدي، حَمقى ، ودّوا لو تُهلك أمّتنا عن بكرة أبيها، يَكرهوننا ولا يُوادّوننا أبداً ، قلوبهم مُنكرة وحاسدة مُستنكرة  وحاقدة، مُلئت غيظاً  دفيناً ، يَغارون من نِعْمَة السماء في رمالنا ولا يُقرّون خزائنها في أرضنا ويتمنّون لو أنّها أصبحتْ كرمادٍ اشتدّت به الريح فلا يكن لها أثراً .


قال أحمد بضيق شديد :

ـ تلك هيَ العَداوة المُتجددة وذلك هو الحِقْد القديم .. فماذا بَعد الحِقْد إلاّ الجُور؟ فالعَداوة جهل ، وليس بينهما اعتدال مُشترك إلا صَواب واسْتقامة .. والاحتفاظ بخزائن أرضنا ومَكنونات تُراثنا ، حقٌ مشروع نُؤمن به ونعتقد جازمين بأنه هو الحقّ وهو اليَقين .؟ لنْ نتركهم يَعبثون بخيراتنا وأرضنا إلى حدّ الوقاحة وتدنيس القِيَم والاخلاق والدّين؟

 

ـ الغُرباء طُبِعوا على الغدر والخيانة والتدليس ونقض العهد .. وما يحزّ في النفس أنّ ثُلّة من أبناء جلدتنا أعْواناً لهم.. ولم يتوقفوا عن أفعالهم الدّنيئة وإنْ تناغمتْ مع نصّ الوثيقة فانفصال قريتا البحر عن القرية العالقة واستقلال الرمال الذهبية عن سائر الجبال ، أو تقطّعت الاودية وعَلِقَت الأخوار .. فالمَقولة "فرّق تَعِش بين الفُرقاء " حماقة ،  ومن الواجب أنْ لا ننظُر إليها ولا نُعْطِيها بال ،حتى وإنْ اشْتُهرت في كثير من المَرجعيات التأريخية.

 

ـ وماذا تعني الوثيقة السرية .؟

 

ـ الوثيقة السرّية هي نتاج ما خلّفته أخلاق الغُرباء المُنْبَتّة.؛  وتراكمات حقدهم على قريتنا الكبرى، فالتأريخ أحداث وشواهد وآثار يتركه السّلف لمن يأتي بعده بعصر مُختلف.؛ بشيء مُختلف ، فيه خير ، وكما يقال " خير خلف لخير سلف.."  حكمة بالغة ، عرفتها أُمّتنا وسار عليها رجالنا قريتنا منذ سنين . وفلسفتها ، أنّ اللاحق ، أي " الخَلَف" سيأتي بشيء أفضل ويكون عطاءهُ خير من الأول ،  وزيادة عمّا قدّمه "السّلف".

والسؤال أطرحه عليك يا أحمد ، لتفهم الصواب.. ماذا قدّم الغُرباء لأمتنا ولقريتا البحر والعالقة والساحل والاخوار.؟ والجواب ببداهة ، لا شيء.؛ لم يُقدم شيء مُطلقاً.؛  بل صَبّ جامَ جُهده مُتسلّطاً علينا وناقِماً بقوة مَشحونة بالحِقد المُفرط وأخرج ما في داخله من البُغض والحسد الدفين ، فعرّض أمّتنا للتفريق والتشرذم وعرّض أخوار الملح لأخطار قادمة ، قابلة للانفجار في أيّ لحظة.

 

وضع أحمد يده على شفتيه وأوقفَ نظره في عين خاله حمود وأردف :

 

ـ لا أعرف بالضبط، لماذا نحن لا نعتزّ بهويتنا؟ إننا وجدنا جدار أمّتنا في تصدّع واسع، إنتماء للمكان دون اللغة والإيمان. وقد سمعت من جدي سَعيد يقول.. "أنّ تاريخ القرية عظيم ، فتأريخنا يُعدّ كأوثق مرجعية تأريخية ، ورجالنا كانوا مُلوكاً ، ولا تزال آثارهم حافلة بالتميّز والرّفْعَة ، وفي كل بُقعة من حضارتهم الواسعة تعايشوا بسلام.؛".

 

ـ العم سَعيد  ، هو بمثابة حكيم القرية وذو رأي مُتفحّص ثاقب ، رحَل عنّا ولكنّ سِيرته باقية لم ترحل.؛  حدثني مرة ..  الغُرباء ـ يا حمود ـ لا خير فيهم ، سَنُّوا قَيَماً وأقرّوا صَكّ الاعتراف بالأخوار وجزء من ساحل القرية تحقيقاً لمنافع لهم في البحر المَفتوح، وخونة الدّار تعاونوا مع الغُرباء، لتجفيف منابع خيراتنا ونهب كنوزنا ومَحو تاريخنا .

 وفي اتفاقية الساحل انكشفتْ مُحاولاتهم ـ الغُرباء ـ فأضافوا عليها صِبْغة المكان وأطلقوا عبارة ، الساحل المُهادن .. لكنّ رجالُ القرية البحرية غضبوا ورفضت القرية العالقة ، وازداد غضبهم ، فحضر أحد الغُرباء ومعه ثُلة من أشرار القوم أؤلئك هُم شرٌّ على القرية ، واعادوا صبْغة أخرى ، ساحل القرية المُهادن ، وتحدّث الغُرباء ، عن دور عرب الاخوار " دورهم لا يعدوا عن كونه جسراً لتمكينكم على ساحلكم المُهادن ، فنحن نسعى لاستقرار ساحلكم الطويل".

ومُنذ زمن طويل كان الغُرباء يبحثون عن خائن بيننا ، فوجدوهُ في الأعراب فهم الذين تنطبق عليهم غوامض  السّخط والخُذلان ، فوجدوها في شخصية عاقّة ولها مآخذ في سيرة أهل قرية البحر وسيرة أهل القرية العالقة.. وظهرت رغبة الرجل العاقّ، الحاقدة على القرية والساحل ، أعرابٌ وُصِفوا مُنذ زمنٍ بعيد بأنهم أشد الناس نفاقاً وخيانة ، وأجدر أنْ لا يَعلمون منافع لهم وأبْعاد قِيَم رمالهم.؛

ولا غرو فأنّ زعامة أعْراب الساحل ليستْ هيَ قيادة أو وعي فكري مُناهض ولكنها زعامة تُحقق أهداف الغُرباء ومُخططاتهم على رمالنا الواسعة .. ذلكم خبرٌ من عند انفسهم وفي مُتون مَعلومات سريّة مُتحصّلة عن مُخطط خطير لـ قرية البحر والرمال الواسعة والقرية العالقة والمَدخل الضيّق ومَعبر البحر العميق والبحر المفتوح والاستيلاء على منطقة البحر النّشطة.

 إنّ عرب الساحل وأخوار الملح أشرار ، فُتِنُوا بما يَحْلمون به وما يَتمَنّونه في أنفسهم ، كانوا لا يُعيرون القِيَم إهتماماً ولا العادات والتقاليد ، ولا يُبالون بأعراف وتُراث قرية البحر ، فقد خرجوا عن العهود والمواثيق ، فكانوا اشدّ الناس حماقة على بني جلدتهم وعروبتهم من الغُرباء انفسهم وأقرب مودة إلى المُبغضين على أهلنا والحاقدين على تُراث رمالنا وكنوز بحارنا.؛ إنهم كالأوباش مُغيّبين عن الصّواب ، لا يفقهون مَسيرة حياة إنسان قريتنا بل هم غير مُبالين ، مُعرضين عن كل القِيَم ، لا يُؤمنون إلا بالشرّ  وحده.؛

وفي الوثيقة السريّة كُتب " يقوم الغُرباء بتمكين عرب أخوار الملح لكتابة التاريخ وتحريفه بالزيف والأكاذيب وتلفيقات سردية باطلة وحكايات لا أساس لها ولا مَصدر" .

وفي نصّ الوثيقة السريّة ـ أيضاً ـ يَمنح الغُرباء أشْرار الأخوار يقصد بها عرب أخوار الملح.. "حقّ السُلطة النخبوية للغُرباء  فَهُم ـ أيّ الغُرباء ـ أصْحاب الفِكْر والثروة والجَاهْ ولهم الحقّ في البحث والتحرّي عن أسْرار عُمق الجبال أو اكتشاف ثروة الرمال واستخراج كنوز البحار والاخوار لسنين طويلة يُقدّرها الغُرباء بأنفسهم ويتصرّفون فيها كيف شاءوا ورغبوا ولا يحقّ لـ عرب الاخوار أنْ يُديروا حواراً أو التصرّف بإقامة علاقات مع غيرهم دون إذن مُسبق وتمحيص بما يخدم السُلطة الفوقية ؛

ـ ماذا تَعني السُلطة الفوقية .؟

ـ  تعني أنّ الغُرباء يَعتبرون عرب الاخوار كأداة تنفيذية غير فاعلة ، تُملى عليهم حروف التنظيم وتضع لهم معايير العلاقات وأسس اخلاق الحياة الاجتماعية والثقافية.؛

ـ ولكن ، هذا ظُلم كبير .. فمجتمع الساحل مُجتمع مُرتبط ببعضه، وامْتداد أخْواره بقرية البحر وليس بخافٍ عنكم ، بأنه ليس بالأمر السّهل أنْ تُفَكّك ارتباطها ، فلها أدوار أساسية في عملية التنظيم وأيّ إقْصاء لحقوق التأريخ هو عَرْض غير مَقبول وحِقْد عنيف لا مَبدأ له في العلاقات الانسانية ناهيك عن كونه لا سابقة له في تاريخ قرية البحر.

ـ في اعتقادي ، أنّ هدف الغُرباء هو وضع أيديهم على القرية العالقة وزعزعة استقرار مُحيطها البحري والجبال والاخوار العميق والقضاء على موروث قرية البحر .

قاطع أحمد خاله .. قائلا:

ـ إني أؤكد لك بأنه سيبقى مُجرد حُلُم ولنْ يتحقّق منه شيئاً ، وقرية البحر عصيّة على كل مُعْتد غاشمٍ وإنْ كانَ بعضهم لبعض ظهيراً وعوناً.

وفي عُجالة بدا أحمد مُتوتراً :

ـ هبْ أنّ قرية البحر انتفضتْ ، وقاومت الغُرباء وانتصرتْ على الأشرار وأعادت الاخوار إلى أصْلها ، وضمّت قرى الساحل الطويل وأخوار الملح إلى قرية البحر. وفي ذلك نبأ عظيم فتجربة البحر والغوص في أعماقه  وامتدادهم شرقاً وغرباً حتى غدتْ بلا مُنازع فكانَ البحر هو مُلكها العظيم.

هزّ حمود راسه، وأردف :

ـ نعم .. في أيام البشائر الاصيلة ، طرد أجدادنا الغُرباء من أرضنا وطهروها من رجسهم حين كانت لديهم العزيمة وقوة التصميم ، ويومئذ سُحِق  الغُرباء وضربوا أشرار البحر ضربة قاسية مُوجعة ، ولم يبقَ على أرضنا غير المُندسين من أبناء جلدتنا في القرية.؛ ولا أشكّ قَيْدَ أُنْمُلَة، بأنّ رجلاً فذاً ، مزّق وثيقة الساحل وأعاد ارتباط قرية البحر الكبير ، بالبحر المفتوح ذلك من شواهد التأريخ ، فأهلنا رجال عِز وفخر ارتبطوا بالبحر وأعماقه فكانوا أسْياداً على البحار قاطبة لا يُنازعنهم مُنازع لا في الساحل الطويل ولا في الاخوار ولا في البحر المفتوح.

مّد أحمد ناظريه إلى حدّ الشوف وظلّ ساكت ، فقال خاله حمود وكأنه يُثبت له قولاً ويُثني عليه بكلام ليّن :

ـ أنت رائع يا أحمد ، وعليك مسؤوليات جِسَام ، فأهل قريتنا لا يزالون أقوياء وتاريخهم مَشهود ، ولن يُخيّب التاريخ ظنّ الذين قالوا ، الزمن تاريخنا ، وصَفحاته سِجّل محفوظة في أذهان العارفين وأكثر المرجعيات التاريخية الشرقية منها والغربية في مُتونها السبيل الأمثل ، لما انتجه العقل البَصير لرجال قريتنا ، ويومئذ كانت بَصْمة امتدادهم مُشرّفة ، فأشرقت حيواتهم ، واستخلصوا من نتائجها مَجْداً شامخاً عالقاً لا يَمّحيهِ غارق في تَيه طعناته وقباحة مَسْلكه ، فأمّتنا تمكين للدّهر لا يَمّحيها تُرّهات تسعى بأكاذيبها بسرديات باطلة فتكون هي العدو.؛

ـ ولكن ـ يا خالي ـ حركة الغُرباء في البحار والرمال لم تتوقّف بل ظلّت  في رمالنا لسنين وخلّفت فِتناً وأنتجت سيرة حَمقى دمّرت البشرية.

ـ نعم ـ أحمد ـ لطالما وجدَ الغُرباء مُدافعاً واحد عن منافعهم ، فلن يتوقّف استعمارهم لأمتنا ، شرقية كانت أو غربية ،  ذلك هو المَسْرب لتمرير الخيانة بيننا... وإني لأعجز عن قولها ، فإنها تُؤلمني كثيراً ، فالأخوار وبقيّة من ساحلنا المُهادن ، كانوا مُشكلة مُعقّدة لتداعيات أمْننا البحري.؛ وكانوا هُم العُقدة التي انصبغتْ في الرمال الناعمة وكانت قدرٌ أن تكون جزء من أمننا في البحار والرمال وجذورٌ  ضاربةٌ في أعماق علاقتنا التاريخية.. ولأنها تتبع جذورنا التاريخية عبر الزمن ، فإنّ أي انشقاق بينها او فيها يُمثّل تهديدٌ لأمْننا البحري العميق والساحلي ورمالنا الذهبية غير بعيدة عن ذلك الخطر ، ونحن ننظُر إلى كلاهما معاً  بأنهما واحِدة لا غِنَى عن بعضهم ، وأما الظروف التي خُلقتْ في المنطقة البحرية والرمال فتلك مصلحة زائلة وعلينا أن نقف وقفة صامدة ، فما يمسّ أمننا يُهدد مَعيشنا ولن نقبل بفرضهِ علينا ، مهما تعدّدت الأسباب وخُلقت المشاكل أو سُيّستْ الظروف وقُسّمت إلى هويّات ، فأُمّتنا واحدة لا تتجزأ تحت أيّ ظرف كان.؛

والغُرباء يا ولدي، لم يأتوا إكراماً ولا إحساناً بل جاؤوا ليفرّقونا ويُقَطّعوا أرضنا ويَنهبوا خيراتنا ويُدمروا تُراثنا .. وقد تطاولوا على قِيَمنا الأصيلة التي تربّينا عليها وعلى مَوروثنا الذي نعتزّ به ونفخر.. وإنّا نراك قوياً عزيزاً ، حكيماً ، ونَفقه قولكَ وما تُجادلنا فيه ، وإنا لنعلم ما تُسِرّ به وما تُعلن ، فاتخذ نفقاً ، وسِرْ بنا  حيث تأمُرنا ولن تجدنا إلا سُلّم خير وعَون لك نَشُد من أزْرك ونُقوي أمْرك بالرجال لِنَصُون تُراثنا ونحفظ كيان أمّتنا .؛

ـ ولكن الرجال بأنفسهم ، عرّضوا الأمة للشّقاق ، تنازلوا عن جزئهم التاريخي وفرّطوا في مكانتهم     ، بدءً من قرية البحر والقرية العالقة وقرية التُراث والبحر العميق والبحر الضيّق والساحل الطويل والساحل المُهادن وأخوار الملح.. كلّ أؤلئك إمْتِداد مُوثقٌ ومكتوبٌ في الوثائق التاريخية.

ـ نعم بُني ، ولكنّا عهدنا فيكم الإكْبار والعِزة  والقوة ، فلا تدع الاجيال اللاحقة تسألكم عن أشياء، أنتم مسؤولينَ عن تراخيها وعن خيانة مَجْدكم .. فعائلة أحمد الماجد عُرفتْ بعراقتها وامتدادها وتاريخها.. ونحن اليوم نُحمّلكم أمانتها ومَصيرها ، ولا تنسؤوا الشرق شاهد لمجدكم والبحر الناعم دليل طريقتكم والبحر العميق فيه ذِكْركم وشيء من باقيات السّيادة الراشدة في شرقكم ، آثارٌ وانتشارٌ وتفوّق وذاكرة  نجاح حفظتْ لكم حقّكم  مادامت الحياة نابضة بالأمل.

ـ نعم خالي ـ اعلم ما تُشير إليه ، فمَهما غدر بنا الغُرباء أو طال بنا الزمن أو قَصُر ، فإنّا لن نتنازل عن ذلك الامتداد بتاتاً ، إنه سِرّ سِيادتنا وسرّ قوتنا واقتصادنا الساحلي ، ولنْ نتخلّى عن كل شِبْر فيه ، حتى وإنْ لم يَبقى أحداً مِنّا ، فالقرية رمز تضحيتنا والرجال رمز قوتنا وعائلة الماجد اعتزاز نطمئن به ، ومُذ هذه اللحظة ، أعدك بأنْ أكون مسؤولاً ، أنا ومن يجيء بَعْدي عن القريتين والساحل الطويل وأخوار الملح جزء لا يتجزأ من امْتداد القرية.

 

ـ كونوا رجالاً أشدّاء على الغاصبين أقوياء بأهلكم، أعزّة بتراث قريتكم الكبرى ، ولا تُطع الغُرباء ولا تَغُرّك المَظاهر الخادعة.. إني لك ناصحٌ ومُحذراً من غُرور الرجل التافه؛ الذي يَكُن العداوة والبغضاء لإمتدادنا وتُراثنا ولا حديث له غير الحَماقة والتفاهة ، إنه رجل حاقد ، كارهٌ لقريتنا .. قال مرة،  واصِفاً بغُرور " الأخوار وطن التراث ".؛

وما زُلت أحتفظ بوثيقة تأريخية " قرية البحر والقرية العالقة والساحل والاخوار والبحر الكبير، حقّ يمَسّ تأريخ وجُغرافية قرية البحر الكبرى وكُلّ ذلك الامتداد أمة واحدة ،بل هو كالجسَد الواحد إذا اشتكى منه عُضواً تداعتْ له الاجساد الاخرى بالحُزن والألم ، إنه جُزء من مَوروث قرية البحر ،  لا يتجزأ منه شيئاً أبداً ، خُوراً مالحاً أو وادياً عذباً.؛

 ـ خالي أعدك وعْد رجال بني الاسعد أنّ طوفاناً سيعم القرية العالقة وغضبٌ سيُصيب كل أحَد وسَيَمتد إلى البحر المَفتوح ويومئذ سيكون كل شيء في قبضتنا ، الاخوار والساحل والرمال والبحر العميق والبحر المفتوح.

سَيُعيد رجال قريتنا الكبرى سيرتهم الاولى، بدءً من الجبال العالية والرمال الناعمة وقرية التراث والامتداد الساحلي سِيْرة بحرية كاملة ، غير منقوصة  .. وسوف يَذْكُر التأريخ ثمن شُموخ القِيَم وعِزّة الرجال وكرامة الامّة، بأننا وقفةٌ واحدة ، لا هَوْن فيها ولا ذُلّ ولا نُطيع الغُرباء أبداً.

يتبع 19

تعليق عبر الفيس بوك