عبد النبي العكري
من المعروف أن شركات الميديا الأمريكية مثل جوجل وتويتر وميتا التي تضم "فيسبوك وانستجرام وواتساب" ، وغيرها، تكاد تحتكر فضاء التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى امتداد العالم.
بالطبع هناك استثناءات لدول مثل الصين وروسيا، استطاعت أن توفر تطبيقات التواصل الاجتماعي (السوشيل ميديا) الخاصة بها، لكن الاختراق الأبرز لاحتكار الشركات الأمريكية أمريكيا وعالميا هو تطبيق "تيك توك"، والذي تملكه شركه "بايت دانس" الصينية والذي يستخدمه أكثر من مليار مستخدم حول العالم منهم ما يقارب 150 مليونًا معظمهم من الشباب في أمريكا، والمهم أيضًا أنه يُستخدم كوسيلة لترويج الأعمال والحملات السياسة والإعلام وغيرها.
وهناك 3 جهات على الأقل تعمل على إخراج "تيك توك" من سوق الولايات المتحده الأمريكية أو تملك عملياتها والسيطرة عليها وهي شركات الميديا الأمريكية والمنظومة الأمنية في أمريكا واللوبي الصهيوني في أمريكا.
منذ مدة وشركة تيك توك مستهدفة في الولايات المتحدة بدعوى القلق من قيام تيك توك بجمع معلومات شخصية من قبل مستخدميها للاستفادة منها بشكل غير قانوني، لكن ذلك ينطبق أيضًا على جميع شركات التواصل الاجتماعي وهي الأكثر انتشارا وخصوصا الشركات الأمريكية. أما مصدر القلق الكبير فهو أن تيك توك يمكن أن تسلم هذه المعلومات إلى الحكومة الصينية والحزب الشيوعي الصيني وهو ادعاء لم يتم إثباته حتى الآن رغم نفي الشركة المتكرر وتحقيقات الكونجرس والأجهزة الأمنية الفيدرالية وعقد جلسات استماع متكررة في الكونجرس مع قياديي الشركة وفي مقدمتهم المدير التنفيذي شو زاي تشو.
لكننا في هذا المقال سنركز على دور اللوبي "الإسرائيلي" لإخراج تيك توك من الفضاء الأمريكي أو السيطرة عليها. من المعروف أن هناك هيمنة للوبي الصهيوني على الإعلام الأمريكي التقليدي وقد كان ذلك فاقعًا خلال حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة وباقي فلسطين المحتلة وانحيازا فاضخا للجانب الإسرائيلي والصهيوني إلى حد الشراكة الإجرامية. وبالنسبة لشركات التواصل الاجتماعي فهي منذ زمن وضعت قيودا على من ينتقد "إسرائيل" واللوبي "الإسرائيلي" والحركة الصهيونية ويتبنى القضية الفلسطينة من أفراد ومنظمات وحجب حساباتها. لكن ما يجري منذ اندلاع الحرب الأخيره في 7 أكتوبر2023 لا سابق له. وقد مثل التحول في مواقف إيلون ماسك مالك منصة إكس (تويتر سابقا) نموذجًا على موقف شركات التواصل الاجتماعي الأمريكية. ذكر ماسك أن الدافع لشرائه شركة تويتر بملغ خيالي 28 مليار دولار، هو المحافظة على حرية التعبير على المنصة. لكنه وبعد اندلاع الحرب الأخيرة؛ حيث وجد الرأي المناهض "لإسرائيل" هامش حرية معقولة على المنصة، فقد عمدت شركات كبرى معلنة من خلال منصة أكس ومنها جوجل لوقف إعلاناتها ما لم تضع منصة أكس حدًا لهذه الأطروحات وشن اللوبي الصهيوني حملة تشهير ضده. كما استُدعي إيلون ماسك لزيارة الكيان المحتل بما في ذلك مستعمرات غلاف غزة حيث تحول إيلون ماسك إلى مدافع شرس عن الكيان الصهيوني وجرى ارتداد منصة أكس عن هامش الحرية الذي أتاحته وضبطت سياسة النشر لصالح "إسرائيل" واللوبي "الإسرائيلي". ويمكن قياس ذلك على باقي شركات التواصل الاجتماعي الأمريكية الأخرى.
هنا برزت منصة تيك توك الاستثناء المزعج فهي لم تضع قيودا على مختلف المواقف ووجهات النظر تجاه الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني كما يعبر عنها عبر المنصة في أمريكا وسائر بلدان العالم، حيث أضحت في ظل القيود والإجراءات التي فرضتها الشركات الأمريكية الأخرى المنفذ الرئيسي لإيصال وجهة النظر المناهضة للصهيونية والمؤيدة لشعب فلسطين.وتكمن أهمية تيك توك في أن مايقرب من 150 مليون مستخدم أمريكي معظمهم من الشباب يستخدمونها ليس فقط للتعبير عما يريدونه بل للترويج لأعمالهم التجارية وخصوصا رواد الأعمال من الشباب.
هنا وجد اللوبي "الإسرائيلي" والحركة الصهيونية الفرصة السانحة للتحرك تجاه المؤسسة المسيطرة على الشعب الأمريكي لتقويض شركة تيك توك وإخراجها من الفضاء الأمريكي أو الاستيلاء عليها في تناقض فاضح مع الحقوق الدستورية للشعب الأمريكي وهي حرية التعبير وحرية التجارة والتملك والنشاط الاقتصادي خلافا لمبدأ حرية التجارة عالميا وللشركات الخاصة. ومن الواضح أن استهداف تيك توك دون غيرها من شركات تطبيقات الميديا والتي بمقدورها أيضًا الوصول إلى المعلومات الخاصة للمستخدم يستهدف معاقبة الصين ولصالح شركات الميديا الأمريكية العملاقة مثل ميتا وفيسبوك وأكس وغيرها على حساب المستهلك الأمريكي ويصب في اتجاه الاحتكار. وفي ذات الوقت فإن للوبي الإسرائيلي الصهيوني مصلحة حيوية وهي إحكام السيطرة على وسائط التواصل الاجتماعي دون وصول الرأي الآخر حيث تيك توك من أهم منافذه.
في تسجيل مسرب حذر جوناثان غرينبلات رئيس رابطة مكافحة التشهير الصهيونية الأمريكية ومن أهم لوبيات "إسرائيل" أن ما ينذر بالخطر هو توجه مزيد من الشباب الأمريكي لتأييد حماس ومعاداة "إسرائيل" والسامية ومن أهم وسائلهم التواصل عبر التيك توك. كما أن وزير الخزانة الأمريكي السابق ستيفن منوشين يعمل لإقامة تحالف يضم شركات أمريكية و"إسرائيلية" لشراء عمليات تيك توك في أمريكا إذا ما أقر الكونجرس ذلك. وقد سافر إلى جانب شريكه التجاري ديفد فريدمان لزيارة "إسرائيل" وعرض مشروعه.
أما المشروع المطروح حاليا أمام مجلس النواب الأمريكي؛ فهو أن يعدل الوضع القانوني لشركة تيك توك والمملوكة من قبل الشركة الصينية بايت دانس؛ حيث إن 60% من أسهمها تعود لمستثمرين من خارح الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة خصمًا أجنبيًا لا يسمح له بتوفير أو توزيع تطبيقات للمستهلكين الأمريكيين. ويعطي مشروع القانون، الرئيس صلاحيات تحديد هذه التطبيقات والخصوم الذين يتحكمون فيها. وإذا ما أُقِرَ القانون بعد موافقة مجلس الشيوخ عليه فإنه خلال 180 يومًا ستُخيَّر شركة بايت دانس المالكة لتطبيق تيك توك، بين تخفيضها للمساهمة الصينية في ملكيتها إلى 20% أو تحويل شركة تيك توك إلى شركة مستقلة بنفوذ محدود للصين فيها؛ أي استحواذ الأمريكييين وغيرهم على غالبية أسهمها. وإذا رفضت شركة بايت دانس ذلك فإن شركة تيك توك ستشطب وتمنع من العمل في السوق الأمريكية.
ورغم أن غالبية الأمريكيين وخصوصًا مستخدمي تطبيق تيك توك يعارضون ذلك؛ لأنه يعد انتهاكا صارخًا لحرية التعبير والحقوق الدستورية وتمكينًا للاحتكار وتدميرًا للحياة الاقتصادية لملايين الأمريكيين، خصوصًا الشباب ورواد الأعمال، إلّا أن نفوذ اللوبي الإسرائيلي ومصالح الرأسمالية الاحتكارية تضغط من أجل ذلك في ظل حكومة وكونجرس داعم "لإسرائيل " ومعادٍ لفلسطين والصين.