يوم المعلم العماني.. تطلعات وتجليات

غنية الحكماني
Alhakmania85@gmail.com
لم تحظ مهنة بهذه القدسية ومُمتهنها بهذا الشرف إلا لعظمة تلك المهمة الجليلة، فالخامس من أكتوبر من كل عامٍ هو يوم الاحتفال العالمي بالمعلم، وعُمان ارتأت أن يكون لها يوم خاص للاحتفال بالمعلم العماني وهو يوم الرابع والعشرين من فبراير من كل عامٍ، فتلك اللفتة العالمية والوطنية والإشادة العظيمة بالمعلم؛ اعترافا بفضله وقدره وسمو شأنه ومكانته، وتكريما لخدمته المتفانية في سبيل مخرجاتٍ طامحة واعدة وهمم وقادة رائدة، فالأمم تعقدُ به أمل تطورها ونهضتها وارتقائها، وبقدر الاهتمام بالمعلم والتبجيل له بقدر الصدق في الرسالة التربوية والولاء الوظيفي والانتماء المؤسسي، فله أحقية الاحتفاء بهذا اليوم الذي يزيد من رفعته واعتزازه وامتنانه، وتقليده أوسمة التميز والعرفان لحمله الأمانة الإنسانية وخدمة التنمية المستدامة.
ولا يقتصر دور المعلم على نقل معلومة أو بناء معرفة أو إكساب مهارة وباستخدام إستراتيجيات تعليمية وطرائق تدريس تحفيزية مختلفة فحسب بل تعددت أداوره وتشعبت مهامه، فهو يمسك زمام القيادة التربوية والنفسية والإرشادية والتوجيهية، وبمتابعة إشرافية مباشرة منه، طلبته هم أسرته الثانية التي يقف على مسؤولية تعليمها إلى جانب تربيتها ورعايتها، وصدق الإمام الغزالي حين قال : "حق المعلم أعظم من حق الوالدين، فإن الوالدين سبب الوجود الحاضر والحياة الفانية، والمعلم سبب الحياة الباقية، فأبو الإفادة أنفع من أبي الولادة". ولا يوفي أجره شيئا، ولا يوزن عمله بمقدار ولا عطاؤه بمكيال، فهو يبذل منتهى إمكانياته وطاقة جهده في تنشئة جيلٍ يتمتع بسمات عالية في كافة جوانب التربية، مرسخا للقيم الفاضلة ومهذبا للسلوك وغارسا للأخلاق، ومعززا الثقة بالنفس وقوة الشخصية، وحريصا على تنمية روح الوطنية وقيم المواطنة وتأصيل المسؤولية والانضباط، منقبا عن المواهب الدفينة ونفخ روح التصقيل فيها، بالتشجيع على إبرازها ومشاركة لمسات إبداعاتها مع بيئات حاضنة لمختلف المستويات.
وفي عصر الانفجار المعرفي والتطور التقني والاكتشافات العلمية تكبر المهمة على كاهل المعلم، فهو في وسط تراكمات معرفية متجددة وقفزات تكنولوجية متسارعة، مما يتوجب عدم الاكتفاء بالمخزون الذاتي أو المنهاج المعتمد بل مواكبة آخر صرعات العلم الحديث في فضاء العولمة المعرفي، ومجاراة الركب المعلوماتي للحاق بقافلة التقدم الحضاري. فأصبحت الأمية الآن رقمية وتقاس بجهل استثمار تلك التقانة التكنولوجية في المجال التعليمي والتربوي، ولا مفر من التعامل مع تكنولوجيا الثورة الجديدة كالذكاء الاصطناعي وتقنياته المتعددة والخوض في غمار إمكاناتها المعززة وسد الفجوة الرقمية، فهي جزء رئيسي في العملية التعليمية ولمزيد من الكفاءة والتفاعلية والجاذبية، ومزيد من خيارات وأساليب تقييم الأداء، وحل المشكلات المعقدة إضافة إلى اختصار الوقت وتقليل الجهد وسرعة الإنجاز وخفض التكلفة، وتقديم الدعم الفوري والتغذية الراجعة، وقائمة من المزايا والاستفادات التي لا حصر لها مقابل بعض التحديات الدخيلة والمنعطفات السلبية التي تفرزها تلك التكنولوجيا.
لذا؛ أصبحت التربية النقدية والمحاكمة العقلية ضرورية أمام هذا الطوفان الجارف من كم المعلومات والحقائق والتطبيقات، وبتغييب المعلم للمنهجية النقدية يعني التعطيل الكامل للعقل المفكر وسد منافذ البحث والتحليل والتفسير، وتجميد خلايا التفكير وقتل القدرات العقلية، مما يؤدي إلى التسليم التلقائي والتشبث بمسلمات وقناعات سائدة، والاحتكام إلى مرجعيات سابقة والذود عن حياضها، والارتكاز على قوالب تفسيرية جاهزة، دون كشف اللثام عن وجه التزييف والمغالطات المنطقية، ودون تفعيل مبادىء السببية والبرهنة، باحثاً عن الحقيقة ممحصا عنها، مستخدما العقلية النقدية المبنية على التساؤل الحر والتحليل المستقل والشك المدحض، وثمة مقولة تقول: " اعطني تعليما عقلانيا أعطك شعبا يقود الحضارة". فتلك العقول الغضة النضرة المفكرة هي السبيل في إنجاح الشعوب وارتقائها سلم الحضارة، وبها تتم مجابهة التحديات وحل المشكلات وصناعة القرارات، باستخدام العقل كدليلٍ يرشدها ويلهمها.
 أخيرا فالمدرسة بمنتسبيها دورها واعد فهي منطلق الهمم ومنبع القيم ومعبر القمم، والمحركة الأولى لعجلة التنمية في مختلف المجالات، وللمجتمع المحلي دور في إكمال مسيرة تشكيل وبناء الإنسان وصياغة الأهداف مع المؤسسة التربوية. تتعاضد جميع الأطراف في بناء تحتية المنظومة التعليمية وإضافة لبنات الرسالة وتطلعاتها، دعما للرؤية التي ترنو المؤسسة التعليمية جاهدة إلى تحقيقها. والتركيز بلا شك على المعلم في بلورة تصورات وسياسات التعليم، نفحاته هي من تبقى متيقظة في مستقبل الناشئة وبصمته تبقى متجذرة في أفهامهم متجسدة في مسالك حياتهم، فكل عام وشعلة المعلم متوقدة أبد الآبدين لا يطفئ توهج ديمومتها حائل، وتبقى شهادة الجميع مجروحة فيه.

تعليق عبر الفيس بوك