لله درك يا أبا ذي يزن

 

د. أحمد بن علي العمري

 

تذكرت مشهداً للسلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وكأني أراه الآن، على الرغم من أنَّه حدث في السنة الأولى من بداية النهضة العُمانية عام 1970م، عندما وقف أمام مجسم لخارطة العالم وهو يقول "أريد أن أرى سفارة لسلطنة عُمان في كل بلد من العالم"، ومع أنَّ العمل الداخلي والبنى الأساسية كان شغله الشاغل، إلّا أنه- طيب الله ثراه- لم يغفل الجانب الخارجي فقد انتهج نهج الاعتدال والثوابت والمبادئ والقيم الراسخة.

سياسة عُمان الثابتة تقوم على عدم التدخل في شؤون الغير وعدم السماح للغير بالتدخل في الشأن العُماني، وعلى هذا يمكن قياس كل الأحداث الخارجية، فعندما وقّعت مصر اتفاقية السلام، قطع الجميع العلاقات معها؛ بل ونقلوا مقر جامعة الدول العربية إلى تونس، إلّا أن عُمان أبقت وبكل رسوخ على علاقتها مع الشقيقة مصر، فلا يمكن أن تفرض عُمان على مصر أو أي بلد آخر في العالم مع من تتعامل وكيف تتخذ قراراتها، المهم أن حبل الود يبقى ممدودًا ودون أي انقطاع.

هكذا مضت السنون، وفي كل حدث تُثبت عُمان موقفها الثابت الراسخ المعتدل، مثل موقفها من الحرب العراقية الإيرانية ثم الغزو العراقي للكويت وأخيرًا حرب اليمن.

الآن وبعد رحيل السلطان قابوس- طيب الله ثراه- ها هو حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- قائد النهضة المتجددة، يؤكد نفس التوجه ونفس الثوابت منذ الخطاب الأول بمناسبة تولي مقاليد الحكم، وهو الذي توسم فيه السلطان الراحل الخير والحكمة وأوصى به لتولي مقاليد الحكم من بعده.

الموقف الشهم النبيل من سلطنة عُمان تجاه أحداث غزة، وغيرها من المواقف الشامخة، تدفعنا أن نقول للسلطان الراحل- طيب الله ثراه- نمْ قرير العين في جنان الخلد إن شاء الله؛ فسلطنة عُمان وشعبها الأبي في أيدٍ أمينة حكيمة صادقة، كما إن علاقات عُمان ممتدة مع كل دول العالم، ولا يوجد للعُماني أعداء على وجه الكرة الأرضية. وما الزيارات التي يقوم بها جلالة السلطان بين الحين والآخر إلّا تأكيد ومواصلة لهذا التوجه، كما إن إعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطبيق قواعد الحوكمة والمتابعة والتدقيق وتثبيت نهج العمل المؤسسي الناظر للآفاق البعيدة وتقليص الدين العام وإنشاء المجلس الأعلى للقضاء برئاسة جلالته لضمان استقلالية السلطة القضائية، وإعادة صياغة النظام الأساسي لمجلس عُمان، ثم منظومة الحماية الاجتماعية بمنافعها المتعددة، وتوحيد صناديق التقاعد والإعفاءات بين الحين والآخر عن بعض المعسرين والمضي بخطوات واثقة على مسار رؤية عُمان 2040.. كل هذه الإنجازات العظيمة حدثت في خلال 4 سنوات فقط، وهي مدة زمنية قصيرة جدًا؛ الأمر الذي يؤشر ويدل ويؤكد أن سلطنة عُمان ينتظرها مستقبل باهر وزاهر بإذن رب العالمين.

نعم إنه خير الخلف لخير السلف.. حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.