علي بن سالم كفيتان
من واقع قراءة المشهد السياسي في المنطقة لآخر عشر سنوات، يمكننا أن نلامس الحقيقة ومقارنتها مع عام 2014؛ كنوع من وضع ما يعرف بالنقاط المرجعية للسياسات ولعل المتتبع لذلك العقد (آخر 10 سنوات)، سينكشف له الواقع السياسي المتأزم اليوم اعتمادًا على ثلاثة مؤشرات مُهمة هي: الإطاحة بعدد من رؤساء المنطقة أو رحيلهم- الأزمة الاقتصادية التي رافقت انهيار أسعار النفط- تنامي الظلم والتقسيم غير العادل للثروات وزيادة معدلات بالبطالة.
ولا شك أن ما يفعله الغرب اليوم لم يكن مُمكنًا قبل عشر سنوات، خاصةً فيما يتعلق بإطلاق يد الكيان الصهيوني على الفلسطينيين في غزة دون حسيب أو رقيب، ولذلك سيتناول هذا المقال المؤشرات الثلاثة التي أدت للموقف الحالي بشيء من التفصيل.
يعتقد طيف واسع من المفكرين السياسيين أنَّ التغيير السياسي الدراماتيكي الذي حصل على مستوى الزعامات في المنطقة؛ سواء أكان ذلك قصرًا كما حدث في العراق وتونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، أو غياب الزعامات الأخرى بالرحيل الطبيعي كما حصل في دول مجلس التعاون الخليجي أو نشوب الفوضى في دول أصبحت غير قادرة على انتخاب رئيس لها أو حتى التوافق عليه كما يحصل في لبنان.. كل ذلك ولّد طيفًا غير متجانس من الزعامات، في الوقت الذي ظل فيه الثابت الوحيد في المنطقة هو النظام في إيران. وهذا الخليط من الزعماء الجُدد في وقت قياسي أفرز قيادات غير مؤهلة للحكم ولا تملك الخلفية الكافية لتقييم السياسات الدولية؛ لذلك قفز بعضهم في المحيط المظلم، وهو مغمض العينين كالمولود تمامًا، وكفر بكل ما سبقه من قيم ومبادئ ومواقف، وأصبح لا شغل له إلّا السباحة عكس التيار، بينما البعض الآخر جعل من آخر وظيفة كان يشغلها نهجًا لحكم بلد كامل، وهذا النوع ينظر للعالم من ثقب حياته المهنية قبل الحكم لا غير، ولم يستوعب بما يكفي فلسفة الحكم والتعاطي مع العالم وتراكم الخبرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في الوقت الذي حوّل البعض بلدانهم إلى حصالات نقود ترتفع فيها كل المؤشرات إلّا المستوى المعيشي للإنسان. في ظل هذا التناقض استحال عليهم اتخاذ موقف موحد أو حتى شرفي من جراء ما يحصل من إبادة جماعية للفلسطينيين على مرمى حجر من الجميع.
وفي المؤشر الثاني لمعضلة الزعامات في الشرق الأوسط أطلت أزمة انهيار أسعار النفط واختفاء الصناديق السيادية؛ فمن دول تعد ضمن العالم الأول أصبحت بين عشية وضحاها مديونة وغير قادرة حتى على توفير الوضع المتواضع للرفاه الذي كانت تعيشه تلك المجتمعات قبل هذه الأزمة، واستشرت البطالة، فلم يكن أمام النخبة الجديدة من الرؤساء سوى الاستعانة بكتالوج صندوق النقد الدولي، الذي قاد لمزيد من التأزم، من خلال إرساء مبدأ عدم مسؤولية الدول عن التوظيف، وترك الأمر لما يعرف بالعرض والطلب، ورفع الضرائب على الخدمات الأساسية للحياة. وقد يستغرب الواحد كونه في بلد سلعته الأولى هي النفط، بينما هي اليوم من أغلى السلع على المواطنين، وهذا فيه تناقض عجيب. والأمر ذاته على أي سلعة أخرى تُنتج في بلداننا؛ حيث نجد شعوبًا تلهث وراء المستورد لأنه رخيص، وتترك الوطني لأنه غالٍ، والأمثلة كثيرة؛ فالجميع بات مشغولًا بحل أزمته الاقتصادية التي وُضع فيها، أو التي ذهب إليها بقدميه، وفي الاتجاه المقابل يتنامى الرفض الشعبي الصامت لهذه السياسات غير المُنتِجة. وهذا الارتباك الاقتصادي جعل من القضية الفلسطينية قضية هامشية لزعماء المنطقة؛ فالكل يلهث خلف طوق نجاته، وهذا ما يُغذيه الغرب وينشده للإطاحة بما تبقى من الأوطان شبه المتماسكة، عبر توسيع البون بين الزعامات والشعوب وخلق المزيد من الفوضى في المنطقة.
راهن الغرب على التطبيع بين الغاصب والمُغتصب في الشرق الأوسط، وبذل كل ما في وسعه من الترغيب والترهيب، ومارس سياسات إجرامية غير مُعلنة لبلوغ الهدف، ولا شك أن الزعامات المراهقة تم استمالتها بغير عناء للتبشير بالشرق الأوسط الجديد وتصفية القضية الفلسطينية من أجندة المنطقة، ولم تعد هناك أي محرمات مطلقًا وما نشهده اليوم هو الفصل الأخير لهذه السياسات التي تقوم على تجويع الفلسطينيين المحاصرين في غزة، بعد أن هُزم الصهاينة عسكريًا هناك، فلا سبيل آخر غير منع الوقود والغذاء والماء والدواء ليسلموا وطنهم للمحتل ويتم التطبيع المنشود.
قبل الختام.. أجد في تعليق الكاتب والمفكر السياسي الكويتي عبد الله النفيسي بعض العزاء عندما يتحدث عن سلطنة عُمان ومواقفها الثابتة من القضايا التي تدور في المنطقة؛ حيث يقول النفيسي "السلطنة غير، هذه إمبراطورية ونهج حكم استمر لمئات السنين تعامل مع كبار العالم وفتح سفارات في الوقت الذي كنَّا فيه نرعى..... ونعيش في بيوت الشعر". حفظ الله بلادي.