وائل الدحدوح.. رجل بأُمَّة

 

د. أحمد بن علي العمري

 

القضية الفلسطينية ليست قضية حماس ولا الجهاد الإسلامي ولا فتح ولا أي من فصائل المقاومة، وليست قضية الفلسطينيين ولا حتى العرب وحدهم، إنِّها قضية ملياري مُسلم ومعهم جميع أحرار العالم، كما أثبتت جنوب أفريقيا في قضيتها التي رفعتها ضد الاحتلال الإسرائيلي تتهمه فيها بتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.

ما يحدث في غزة منذ ثلاثة أشهر يندى له جبين الإنسانية، من هدم المنازل وتسويتها بالأرض؛ إذ لم تنجُ حتى المدارس ولا المساجد ولا المستشفيات ولا البنى التحتية من القصف الغاشم، وكأنما إسرائيل عازمة على تدمير كل عناصر الحياة في غزة، إضافة لقطع إمدادات الدواء والغذاء والماء ووسائل التواصل والإنترنت، واستهداف كل شيء يتحرك على الأرض، وذلك لإجبار الفلسطينيين على الهجرة إلى خارج القطاع، كما لمح وقال بعض ساستها، إذ يطالبون بتهجير الفلسطينيين إلى الدول المجاورة، كما حصل في سوريا والعراق وأوكرانيا!

لكن الأبطال في غزة يُصرِّون على البقاء ويرددون دائماً "باقون.. ما بقي الزعتر والزيتون"، بعزيمة لا تلين وقوة لا تضعف، متشبثين بأرضهم ولو لم يجدوا سواها فراشاً لهم وسمائها غطاءً لهم.. الله أكبر ولله درهم.

إن الرجل الذي أريد أن أتحدث عنه هنا ليس سياسيًا ولا مقاتلا ولا زعيمًا، إنِّه إعلامي مهني بأعلى درجات الاحتراف، عملاق في همته، هادئ في كلامه قوي في عزيمته، سلس في طرحه صادق في تعبيراته.. إنِّه وائل الدحدوح (أبوحمزة) الصابر المُحتسِب المؤمن الصادق الوفي المخلص الشامخ القوي ذو عزيمة فولاذية وإرادة جبارة، وصاحب صبر يضاهي صبر أيوب.

استهدف الاحتلال المنزل الذي انتقلت إليه أسرته كملاذ حسب الدعوات الإسرائيلية المُضلِّلة وارتقت زوجته وابنه وابنته وحفيده والعديد من أهله شهداء، ومع ذلك بقي صامدا صابرا محتسباً، ثم استُهدِف هو وزميله المصور ليرتقي زميله ويُصاب هو. وأخيرًا استهدف الاحتلال الإسرائيلي ابنه البكر الإعلامي حمزة الدحدوح، ليقف على قبره ويُشهد رب العالمين ويُشهد الحضور أن ابنه حمزة كان بارًا مطيعًا مؤمنًا حقًا، ويطلب من له أي دين عليه بأنه ملتزم به، ومع كل هذا يزلزل العالم بكلمة لا تعرف الخنوع ولا الخضوع "مستمرون"!

فأي إرادة هذه وأي قوة وأي صبر وأي تحمل وأي جلادة وأي احتساب وأي إيمان؟! إنه رجل يُعادل أمّة كاملة.

الرجولة عندما تقف أمام وائل الدحدوح فإنها تحني رأسها وترفع قبعتها احترامًا وإجلالًا له. إنه في ظهر ذلك اليوم يقف على قبر ابنه البكر حمزة وفي مساء ذلك اليوم ينقل أخبار غزة على الهواء مباشرة، ولم يذكر أي شيء عن ابنه، على الرغم من أن المذيعة بدأت معه الحديث بتقديم واجب العزاء، فرد عليها "شكر الله سعيكم". ثم استرسل في الحديث لينقل ويوثق أخبار غزة، وكان بالإمكان أن يبقى لأيام بعيدًا عن عمله، يعيش أحزانه، لكن قمة المهنية هي التي يمتلكها وائل ولا يُمكن تدريسها في المعاهد والجامعات؛ لأنها تأتي من الميدان وليس من الأفكار والكتب.

إنني أو غيري عندما نكتب عن هذا الرجل فإن حبر الأقلام سينتهي دون أن نوفيه جزءًا من حقه؛ لله دره، وربنا يتقبل شهداءه، ونسأل الله أن يحفظه ليقدم لنا المزيد من البطولات الميدانية ويسطر للإعلام العالمي نماذج نادرة.

ولا يفوتني أن أسجل بكل الفخر والاعتزاز موقف بلادي سلطنة عمان النبيل سلطانًا وحكومة ومفتيًا وشعبًا وهو الموقف الذي يحمل شيم المبادئ وعاليات القيم.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.