إسماعيل بن شهاب البلوشي
هذه الأرض التي نعيش فيها نحن بنو البشر وما شاء الله أن يشاركنا عليها من مخلوقات وعلى مر الزمن تعاقبت عليها حضارات وديانات وأقوام منهم ما هو معروف والأكثر في علم الله سبحانه وتعالى وحينما نقسّم الأرض من خلال القارات عليها نجد اختلافًا في كثير من الأحيان وتكاملًا في أحيانٍ أخرى وكذلك تكاملًا في جانبٍ آخر بين بني البشر في عاداتهم وتقاليدهم وألوانهم والكثير الكثير مما يمكن تسجيله عن طباعنا نحن البشر.
الملفت في الأمر أن القارة الواحدة وحين يتم قراءة تاريخها منفصلًا نجد أنها ترقى أكثر من غيرها مثلًا، ومع ذلك فإنَّ قلةً من الناس يدقق في الأسباب التي قد تكون جوهرية وإلى حدٍ ذي تأثير مفصلي على قاطني تلك القطعة من الأرض ولعلي اليوم أتلمس بعض الأسباب التي توجد فارقًا جماعيًا بين القارات بشكلٍ عام.
إن أهم الأسباب التي تجعل من أمة بعينها تعيش الكرامة والقوة والغنى هو ذلك المفتاح الذهبي الذي يمكن أن يفتح كل شيء، ذلك المفتاح وكلما صغر كان قادرًا على فتح كل شيء وأن كبر قلت فعاليته حتى يصل إلى عدم المقدرة على فتح أي شيء، هذا المفتاح هو الإجماع على حب العمل الجماعي وعلى قلب إنسان واحد وبرؤية واحدة والنظر إلى المصلحة العليا لأي وطن بأكثر أهمية من حب الذات وتفرع ذلك وانقسامه يبدأ بحب الذات والعمل المفرد وهنا يكبر المفتاح الذي ننتظر منه الأجمل غير أنه يصبح دون فائدة، زد على ذلك الاختلاف الديني والمذهبي والقبلي وجوانب لا حصر لها.
ومن خلال تعمقي في هذا الجانب، وجدت أن أهم أدوات التعرف على الأفراد والجماعات في هذا الجانب هو ذلك التوجه لهم بين إبراز الإنجازات الفردية والشكر من أجل الطموح، وبين آخرين لا شاغل لهم إلا النقد وإظهار الأخطاء وإشاعة السواد على المظهر العام متنقلًا بعضهم من الأخطاء العامة للأمة والأوطان والتوجهات متدرجًا في ذلك إلى ما لا نهاية ولا حدود لذلك النقد لأنها أصبحت صفة جماعية لكل القاطنين في مكانٍ ما والتي أصبحت في العمق البعيد حجةً ومخرجًا لكل تأخر، علمًا بأن ذلك المنتقد هو شريك أساسي في رسم تلك الصورة العامة بما لها وما عليها وهو جزء لا يتجزأ من كل شيء.
وهنا نتساءل بعمق: لماذا تكون بعض الفئات البشرية في مكانٍ ما بهذه الصفة وأخرى بصفات مختلفة؟ وأني توصلت إلى مفهوم شخصي بأن الإنسان ومهما كان دوره ومستواه يُريد أن يُبرهن لنفسه ومصداقيته وللعالم أنه مؤثر وذو قيمة وهو شريك أساسي لا يقل عن أي أحد في المجتمع فإذا لم يجد ذلك ولم يكن من بين أهل العطاء والإيجابيين والفاعلين، فإنه حتمًا سيتجه إلى التيار الناقد؛ بل إنه قد يصل إلى تبني الحقد، وما هو أكثر من ذلك؛ لأنَّ الاعتقاد الأصيل للفرد أنه يمتلك صفات لم يمكّنه المجتمع من إظهارها، ولم يتمكن أن يقول لمن حوله هذا هو أنا لست بأقل من أي بشر. ونعم كل إنسان على هذه البسيطة يمتلك شيئًا، ولكن هل هو في بيئة جاذبة أو هي طاردة؟
هنا سندخل في فصلٍ آخر سيذهب بنا بعيدًا لن يخدم رؤيتي المحددة في هذه العجالة، ولكن بقي أمرًا في غاية الأهمية أود أن أوضحه للجميع وعلى أي مستوى، وهو أن الإنسان يدرك في عمقه البعيد أن الحياة الأزلية والأكثر أهمية هو ما بعد الدنيا، ولذلك فإن إنجازاته الفعلية مهما ذهبت في تناهي الصغر والدقة فهو يريد لها الدوام لتعكس صورته في سجل الأبطال الفاعلين والمؤثرين وممن لهم دور فيما نرى من إنجازات.
يجب على أي وطن يريد أن يرتقي ويعيش رافعًا لرأس من هُم عليه، أن لا يستهين بأي إنسان؛ بل عليه أن يبحث له عن أي شيء ليكون شريكًا وحاميًا للمنجزات، ويجب أن يختفي من المشهد أولئك الذين يحملون اعتقاد الصفة أنهم الأبرز وأنهم السبب الوحيد الذي ينجز كل شيء، ولذلك فإن من الضروري استنباط شهادات التقدير والأوسمة وقوائم التميز، وأن يجد كل إنسانٍ له مكانًا يدفعه للعمل بقوة لتختفي صفة النقد والتي أهم أسبابها عدم وجود مكان للفئة التي يمكن الاستفادة منها بطرقٍ أخرى.