الامتحانات غش أم مساعدة؟

 

 

محمد الصواعي

 

أصبحنا في زمن المتغيرات وفي عصر الغرائب وفي حقبة العجائب، نسمع ونرى ونشاهد ونواكب الأحداث ومختلف المواقف هناك ظاهرة تفشت في مجتمعاتنا وانتشرت كهشيم النار ولها آثار سلبية وعواقب وخيمة إن لم يتم تدارك هذه الظاهرة فإنَّ الأمور ستتراكم وسيجني المجتمع على نفسه ويصيب الدولة والوطن في مقتل وستكون المخرجات نفس البذرة التي زرعتها وكما يقال: "إنك لن تجني من الشوك العنب".

هناك أفعال وتصرفات يتم التستر عليها بمُسميات جذابة حتى يخفت وقاحة الفعل وقبيح العمل ومن هذه الأفعال هي الغش في الامتحان فيتم التلميع وزخرفتها على أنها تقديم مساعدة ويثاب فاعله بنيل الأجر والثواب من الله عز وجل وتقديم العاطفة والمجاملة على الواقع والمنطق. والأمر الأكثر غرابة ترى المجتمع ينظر لمن يمنع ظاهرة الغش ويعمل لأرضاء ضميره أمام الله عز وجل على أنه (حاسد وحاقد وقاسٍ ومتشدد ومتزمت)؛ فيتحول هذا الإنسان في نظر المجتمع أنه رجل لايقدر الطلاب ولايثمن رغباتهم ولايملك ذرة رحمة أو رشفة شفقة.

وقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال:

صاغوا نعوت فضائل لعيوبهم

فتعذر التمييز والإصلاح

وهكذا ترى الشخص المخلص المصلح الحريص على مصلحة الطالب من الإنزلاق في آفة الغش وضرورة الاعتماد على نفسه ومحاولة منه لتكريس هذا المبدأ وصقله يصبح غريبا مهمشا متروكا فيغدو وحيدا كالشخص الذي ارتكب جرما ويرغب في التستر عن أعين الآخرين كي لا يروا سوءته أو يتذكر ذنبه كلما شاهدهم.

ومما يؤسف له ويندى له الجبين تفاقم الظاهرة؛ لترى من يكون في موضع القدوات يسهل عملية قتل الطالب من الوريد إلى الوريد لأن الغش يقتل ملكة الإبداع والابتكار لدى الطالب، فتكون العملية عكسية وهو ابتكار أساليب متنوعة في الغش كاستخدام القصاصات وسماعة البلوتوث مثلاً وغيرها، وهذه من الأمور الهدامة لعقلية الطالب والأجيال الناشئة؛ حيث يتبنى الطالب فكر الاتكال والاعتماد على الآخرين فيجعل عقله مرهوناً بيد الآخرين لا بذاته وإرادته.

ومن الغرائب تلاحظ أن المجتمع القاصي والداني العالم والجاهل الكبير والصغير يستأسد ويدافع بكل ما يملك من طاقة بضرورة التساهل مع الطلاب وتقديم المساعدة فيتم فتح اللجان ويتناقل الجميع أو البعض الإجابات فتبتهج القلوب وتطرب الأنفس وتنهال عبارات الشكر والثناء كهطول المطر على المراقب أو التربوي أو من ساهم في هذه العملية ومن ثم هذه الأجيال تجلب الدمار والخراب للمجتمع فتغش في ميادين عملها وتختلس في الوظيفة فيتضرر الجميع أو فئة من فئات المجتمع.

ويح نفسي! كيف لمن اعتاد على الغش وحصل على من يشجعه ويدعمه أن يتورع من الغش في الوظائف والمؤسسات وأمور الحياة؟

أين نحن من قول الشاعر:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على

حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

كما يذكر المثل النيجيري :"يموت القط والدجاجة في فمه"؛ للدلالة على المماطلة والتحايل في الحصول على الهدف الذي يسعى إليه عبر الخداع والغش.

 وعلى ضوء ما سبق نرجع عجلة التدوير إلى الخلف ونتساءل من المسؤول؟

أليس تلميع الغش تحت مسمى المساعدة وصفاء القلب وحب الخير هو سبب ما وصلنا إليه؟ وقد قيل في الأثر "من أمن العقوبة أساء الأدب".

إنَّ غياب الوازع الديني والخوف من تكالب فئات المجتمع ضده، والضجر والملل من المراقبة، واستباحة الغش تحت ذريعة أن الفساد استشرى في المجتمع ونخر المؤسسات، واعتبار تغشيش الطلبة مساعدة وتكريس هذا المبدأ في عقله وفكره ونشره بين أبنائنا الطلبة وتفشى ذلك بين الأجيال أسباب جوهرية بل مرتكزات أساسية في انتشار ظاهرة الغش واستمرارها وستستمر لأن القلوب غافلة تستهوي الباطل لحلاوة مذاقه وتبغض الحق لمرارته فمتى تمسكنا بكتاب الله وسنة نبيه الكريم قولًا وفعلًا وعملًا في الميدان انزاحت هذه الخصال الدنيئة وتغيرت عقول المجتمع وأصبحت أكثر وعيًا.

إن غش الطالب في الامتحانات هي بمثابة خيانة عظمى يرتكبها الطالب في حق نفسه وأهله ومجتمعه ووطنه كونه سيحصل على شهادة مزورة في النجاح والتفوق، كما إنها تربي النفس وتقومها على الخداع الذاتي وخداع المجتمع بالحصول على التفوق والدرجات بطرق ملتوية وغير مشروعة، كما أنها تزرع في نفوس طلبتنا الاتكالية دون الاعتماد على نفسه، كما تولِّد لدى الطالب البلاهة وجمود العقل من النشاط والحركة فالغش عبارة عن تراكمات لأفعال سلبية ستظهر تبعاتها في المستقبل أمام الطالب نفسه وأمام المجتمع في مختلف الوظائف فمن شبَّ على شيء شاب عليه.

فمتى نشحذ الهمم ونوقد العزائم ونحارب آفة الغش ونكرس في طلابنا ضرورة الاعتماد على النفس وأن الغش مستنقع خطير يؤدي بصاحبه إلى الهاوية عاجلا أم آجلا؟

 جميعنا يتحمل مسؤولية ما وصل الطلاب إليه من استهواء الغش واعتباره سلوكا حميدا واستحسانه لأننا اعتدنا على النظر والانبهار بالقشور ولم نحكم نظرتنا إلى المضمون والمحتوى وما ستؤول إليه النتيحة بعد سنوات من الزمن.

يجب أن تكون لنا شجاعة في قول الحق والجرأة في مواجهة هذه المعضلة الشائكة؛ لأنَّ حبالها طويلة وستلاحق الأجيال القادمة. لذا يجب تكريس عادة الغش أنها مذمومة أمام جميع فئات المجتمع ونشر المطويات وتعليق النشرات وبهذا ستذبل المثبطات وستروض الصعوبات وستمحى صورة الماضي وتخلق صورة أكثر وعيًا وتماسكًا ومستقبلًا أكثر إشراقًا وأمانًا لطلابنا.

تعليق عبر الفيس بوك