جابر حسين العماني
نعيش في زمن تكثر فيه الكثير من الأقاويل والأخبار والقصص المفبركة، ما بين إشاعة وكذب وخداع وافتراء، والكثير من تلك الأقاويل والأخبار والقصص تبنى على المبالغة والتضخيم والسبق الإعلامي الذي لا داعي له في كثير من الأحيان، وغالبا ما يكون النقل المتسرع بحاجة ماسة إلى الدقة وتحمل مسؤولية النقل، والاعتماد على المصادر الصحيحة، سواء كان ذلك عبر الإعلام المرئي والمسموع، أو وسائل النقل المختلفة كبرامج التواصل الاجتماعي، والتي من خلالها تتناقل الأخبار الأسرية والاجتماعية، دون الالتفات إلى تحري الدقة، مما يسبب انتشار ظاهرة الإشاعات وتفشي الأكاذيب، وغرس بذور الفرقة وتأجيج الخلافات بين أبناء المجتمع الواحد.
لقد حث القرآن الكريم بصراحة ووضوح على أهمية التثبت والدقة قبل نشر المعلومات المراد ترويجها وإيصالها إلى عقول الناس، وذلك ليتمكن المجتمع من الاستقرار والاطمئنان، وتحقيق المصلحة العامة للجميع، ومنع انتشار الفتنة والفرقة والتنازع بين أبناء المجتمع الواحد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
وفي زماننا الحاضر تنتشر عبارة يكتبها البعض في أسفل الأخبار النصية أو في بدايتها أحيانا، وهي: "كما وصلني والله العالم"، والغريب أن البعض يعتمد هذه العبارة وهي غير دقيقة ولا توحي بصدق المنشور المراد نشره، مما يسبب ذلك انتشار المعلومات والأخبار المغلوطة التي لا أساس لها من الصحة، بل ولا موقع لها من الإعراب في الداخل الاجتماعي.
فمتى يصحو أولئك الذين يمارسون نشر الجهل والأكاذيب في مجتمعاتهم؟ بسبب منشوراتهم التي لا تنم عن وعي إدراكهم بخطورة انتشار الإشاعات والأكاذيب والفتن الضارة للمجتمع، وكم هو مؤسف إصرار البعض على عدم تحري المعلومة المنشورة من مصادرها والترويج لها تحت شعار "كما وصلني"، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).
ومن المؤسف جداً وصول البعض إلى حالة من الاستعجال في نشر المعلومات، والعمل على سرعة تداولها، وعدم الالتفات إلى صدقها، ودقة مصدرها، وهو أمر يجعلنا اليوم أمام ظاهرة ينبغي الوقوف عندها بهدف علاجها والسعي الجاد من أجل إيقافها حتى لا تكون سببًا في تجهيل المجتمع، وإبعاده عن العلم النافع الذي ينبغي تأسيسه وزرعه وترويجه في الداخل الأسري والاجتماعي.
اليوم هناك ما يسمى بالمعلومات الحقيقية والمعلومات الزائفة، أما الحقيقية فهي التي تكون مبنية على الأدلة العلمية والثابتة، وقيل في ذلك: نحن أبناء الدليل حيثما مال نميل، أما المعلومات والأخبار الزائفة فهي تلك التي لا تبنى على الأدلة العلمية الثابتة، لذا ينبغي على الناشر والمروج للمعلومات الالتفات جيداً إلى تحري المعلومات الحقيقة من مصادرها والتأكد من صحتها، واجتناب نشر المعلومات غير الحقيقية والتي لا تستند على المصادر العلمية ودقة النقل.
إن التثبت في ما يكتب وينشر هو أمر في غاية الأهمية، فالإنسان محاسب أمام الله تعالى في كل ما يقدمه من معلومات وأخبار وقصص عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي من أهمها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي هي الأكثر انتشاراً بين الناس في زماننا الحاضر، خصوصا ونحن نعيش في زمن الفتنة وانتشار الكثير من المعلومات الوهمية والمفبركة وغير الدقيقة، فهناك من يتلقون الأخبار والأقاويل المنشورة بألسنتهم لا بآذانهم وعقولهم قال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15].
ختاماً: على الناشر والمروج للأخبار والقصص وغيرها أن يعلم أن المواد التي يقوم بنشرها يجب أن تكون مدققة وخالية من إثارة الفتن والإشاعات، ذلك أن القانون يجرم كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في نشر كل ما يمس بالنظام العام، فيعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني ولا تزيد على ثلاثة آلاف ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استخدم الشبكة العنكبوتية في إنتاج أو نشر أو توزيع أو شراء أو حيازة كل ما من شأنه أن ينطوي على المساس بالقيم الدينية أو النظام العام [قانون جرائم تقنية المعلومات/ المادة 19]، فضلاً عن مصادرة الأجهزة التي استخدمت في نشر الشائعة أو ترويجها [وفق نص المادة 32 / أ] من ذات القانون.
كما إنه على الناشر والمروج عندما لا يقوم بالتثبت من دقته في النقل، أن يدرك جيدا أنه سيكوى بنار الأخبار الكاذبة، وسيكون ضحيتها، وحينها لن ينفع الندم. قال تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18].