حتمية انتصار المقاومة.. الممكنات والبراهين (1)

 

محمد بن سالم البطاشي

 

 

إذا بلغ الفطام لنا صبيا

تخر له الجبابر ساجدين

رحم الله سيد بني تغلب الملك الشاعر أبا الأسود عمرو بن كلثوم، الذي رصع معلقته الشهيرة على جبين الدهر، ومنها هذا البيت الذي افتتحنا به هذا المقال وهو تجسيد لواقع حال أبطال المقاومة ومجاهديها، في غزة المجد والسؤدد، الذين يسطرون اليوم أنصع صفحات التاريخ وأعظم الملاحم في تاريخ فلسطين منذ أكثر من 100 عام.

في هذا المقال والمقال الذي يليه-إن شاء الله- ساستعرض وإياكم الممكنات التي تجعل الانتصار في هذه المنازلة الكبرى حتميًا، وذلك بناء على عنصرين أساسيين هما ممكنات هذا النصر وبراهينه.

وبعد التوكل على المولى سبحانه سأتناول في هذا الجزء بعض الممكنات التي ترسخ هذا النصر المبين، والتي لا يمكن حصرها في مقال واحد، فهي كثيرة ومتشعبة وتحتاج إلى دراسات مستفيضة لتحيط ببعض منها، وهذا ليس مقامه هنا ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ومن هذه الممكنات على سبيل المثال:

أولًا: عامل المفاجأة الذي فاجأت به المقاومة العدو بعد طول خداع استراتيجي مارسته القيادة السياسية والعسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والذي شل حركة العدو وأفقده توازنه وكسر معنوياته بشكل لم سبق له مثيل، كيف لا وهو الذي خسر خلال ساعات فقط من يوم السابع من اكتوبر 2023م. ما لم يخسره في حروبه السابقة منذ أكتوبر 1973م.

ثانيًا: إن المعلومات التي حصلت عليها المقاومة خلال الأيام الأولى للهجوم والاعترافات التي أدلى بها كبار ضباط الجيش الذين وقعوا في الأسر ساعدت المقاومة على تتبع العدو وكشف خططه وإحباطها وضربه في مقتل.

ثالثًا: إن المقاومة تخوض هذه الحرب وقد استعدت لها جيدا، بخلاف العدو الذي فاجأته الأحداث على حين غرة، ثم أجبر على دخول الحرب.

رابعًا: إن المقاومة تقارع المحتل وهي على أرضها وبين أهلها وحاضنتها، والعدو وجد نفسه غريباً في هذه الأرض يعاديه البشر والحجر، وهذه ميزة عظمى تجعل لأصحاب الأرض اليد الطولى في ساحة الهيجاء، لمعرفتهم التامة بتضاريس ودهاليز الأرض التي يقاتلون عليها، وهذا يفسر الوحشة والخوف الذي يعاني منه جنود العدو والخسائر البشرية الهائلة التي يتكبدها.

خامسًا: الإيمان العميق لدى رجال المقاومة بعدالة وقدسية القضية التي يدافعون عنها، وهو عمود هذه المنازلة ومحركها الأساسي، وهو ما يفتقده جنود العدو لأنهم كانوا وما زالوا من شذاذ الآفاق لا تجمعهم إلا الغريزة النفعية.

سادسًا: تلك الشجاعة والإقدام- الذي رأيناه جميعا- لدى المجاهدين، وشدة تسمكهم بأرضهم فأصبحوا يطلبون إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.

سابعًا: تلك الروح الإنهزامية التي ظهر بها جنود العدو وبقائهم في دباباتهم وآلياتهم وعدم قدرتهم على التجوال خارجها إلا فيما ندر، وأغلب من خرج تم استهدافه، الأمر الذي جعل جنود المقاومة يبدعون في تدمير واستهداف آليات العدو وتحشداته وتحصيناته المختلفة.

ثامنًا: الأنفاق التي بنتها المقاومة تحت قطاع غزة، والتي أصبحت الورقة الرابحة؛ حيث أمَّنت المقاومة من القصف الوحشي جوا وبرا وبحرا، وفشل العدو في كشفها وتتبع مساراتها.اف آليات العدو وتحشداته المختلفة  يتكبدها.

لبشر والحجر، وهذه ميزة عظمى تجعل لأصحا

تاسعًا: الحاضنة الشعبية التي تتمتع بها المقاومة، بالرغم من كل الدمار الذي ألم بالقطاع بعد أن تعمد العدو إلحاق أكبر قدر ممكن من الدمار الذي شمل كل شيء متحركا وساكنا، على أمل إثارة أهل القطاع ودق إسفين بينهم وبين المقاومة، وهو الهدف الذي فشل فيه فشلًا ذريعًا.

عاشرًا: هذا التضامن العالمي المنقطع النظير مع القضية الفلسطينية عامة ومع قطاع غزة على وجه الخصوص، والذي اجتاح العالم شرقا وغربا وفي مقدمتها عواصم العدوان، والذي تمثل في المظاهرات الحاشدة وحملات المقاطعة لمنتجات الشركات والمؤسسات والمنظمات التي تدعم العدوان بحيث تكبدت خلالها خسائر فادحة أدى إلى إغلاق محلاتها وتسريح موظفيها.

أحد عشر: اشتعال بؤر التوتر والحرب في جبهات عديدة والتي ينتظمها محور المقاومة، الأمر الذي أجبر العدو على توزيع قواته وأربك خططه العسكرية وأجبر قرابة نصف مليون مستوطن على الجلاء عن تلك المناطق المشتعلة، بما رافق ذلك من تكاليف اقتصادية هائلة.

ثاني عشر: هذا الصمود الأسطوري لمقاتلي المقاومة وسكان القطاع، والذي أذهل العالم أجمع، رغم ضراوة القصف والكميات الهائلة من المتفجرات التي أسقطت على القطاع.

ثالث عشر: انهيار معنويات جنود العدو وتساقطهم كالذباب أمام ضربات المجاهدين، وفرارهم من ساحات الوغى أو تبلدهم عند رؤيتهم لمقاتلي المقاومة.

رابع عشر: امتلاك المقاومة لمخزون هائل من الأسلحة المتطورة والمتنوعة والتي أضحت تفاجئ العدو كل يوم بالجديد.

خامس عشر: التكتيكات والخطط الحربية المبتكرة، والتي لم تخطر على بال قادة العدو وباتت توقع في صفوفه خسائر فادحة لم يكن يتوقعها مطلقا.

سادس عشر: الضغط المتصاعد الذي يمارسه أهالي أسرى العدو لإجبار حكومتهم على التفاوض من أجل إطلاق سراحهم.

سابع عشر: امتلاك حركة حماس وباقي فصائل المقاومة لأقوى أوراق الضغط المتمثلة في العدد الكبير من الأسرى ذوي الرتب العالية والجنود ورفات بعض من النافقين منهم.

ثامن عشر: امتلاك المقاومة لقدر كبير من المعلومات والأسرار العسكرية الحساسة والاستخباراتية والتي استولت عليها وأصبحت تؤرق دولا عديدة متواطئة ومتورطة ومتعاونة في أنشطة عديدة مع العدو.

ثامن عشر: استمرار وتعاظم العبء المالي الذي يتحمله العدو نتيجة توقف نشاطه الاقتصادي والتعبئة العامة للحرب التي أجبرت المنشآت الاقتصادية إما على التوقف الكلي أو التشغيل الجزئي وكذلك عمليات النزوح الجماعي من الشريط الحدودي لقطاع غزة وشمال فلسطين المحتلة.

تاسع عشر: الارتباك وسوء التخطيط والتخبط الذي أظهرته قيادة العدو العسكرية في الميدان مما أثر على جنوده وزاد في انهيارهم وذعرهم، بحيث سادت الفوضى في صفوفهم ودب الرعب بين صفوفهم خصوصا مع توالي ضربات المقاومة القاصمة، ووصل بهم الأمر أن يطلقوا النار على بعضهم خوفا وجزعًا من رجال المقاومة.

عشرون: سقوط أخلاقي مريع للقيادتين العسكرية والسياسية والذي تمثل في جزء منه باستهداف المدنيين وأغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ والمدارس والمستشفيات والمساجد والبنى التحتية ومنع الدواء والغذاء والماء وكل شيء، كمهرب من هزيمتهم المدوية في ساحة القتال، مما جلب عليهم نقمة شعوب العالم أجمع وأظهر الصهيونية العالمية وداعميها على حقيقتهم البشعة.

واحد وعشرون: تهافت أعداد غفيرة من اليهود على الهروب إلى أوطانهم التي جاءوا منها، بعد انهيار دولة الرفاه التي كانوا يحلمون بها، بحيث اكتظت بهم المطارات.

اثنان وعشرون: هروب الاستثمارات خارج هذا الكيان بعد أن اتضح للمستثمرين هشاشته وضعفه.

وأخيرًا وليس آخرًا.. فقد كان ذلك غيض من فيض الدلائل التي تؤكد بشارات النصر والتي أجبرت العدو على الركوع والتسليم بالأمر الواقع بحيث بتنا نسمع منه اليوم القبول والتسليم صاغرا بشروط المقاومة الباسلة الصامدة.