محطات لندنية (2)

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي **

قبل أن نتحدث عن علاقة بريطانيا بعُمان، والخليج وبعض الدُّول العربية ومُستعمراتها في الهند وإفريقيا، نودُّ القول إن علاقة بريطانيا العُظمى، أو الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بمُستعمراتها، لم تكن دومًا على وفاق، فمُعظم هذه الدُّول والشعوب لم تكن راضية عن تصرفات بريطانيا وسياساتها تجاه دُولهم وشُعوبهم.

اتضح هذا السخط الشعبي في المُظاهرات والاحتجاجات، والعصيان المدني والمطالبة بالاستقلال، ورفع دعاوى إلى هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وألخص هذه الحالة بتصريح جاك سترو وزير الخارجية البريطاني الأسبق، الذي قال: إنَّ بريطانيا هي سبب المشاكل والنزاعات، والخلافات والحروب التي حدثت في العالم، بسبب سياساتها، والقنابل الحدودية الموقوتة التي زرعتها، وَذَكَرَ العديد من الدَّول التي زرعت فيها بريطانيا الأزمات والقلاقل، كمشاكل كشمير والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها من الدُّول، واعتذر جاك سترو عمّا اقترفته بريطانيا بحق هذه الدُّول والشعوب، وَفَاتَ جاك سترو أن يشير إلى ما نهبته بريطانيا من الشعوب التي احتلتها،  أو استعمرتها من ذهب وألماس ومجوهرات وعاج وآثار ونِفط وغيرها من الموارد والخيرات.

ونضيف إلى ما قاله "سترو" أنَّ بريطانيا صنعت أنظمة ودعمتها، وأزاحت أنظمة من الوجود، لأنها تتعارض مع مصالحها على مدى قُرون تقريبًا.

وأذكر أنَّ هذا التصريح نُشِرَ في صحيفة عُمان منذ سنوات طويلة، وسنشير إلى مجموعة من الكُتَّابِ العُمانيين، والعرب، والبريطانيين الذين تحدثوا عن هذه العلاقة، وسنبدأ بالكُتَّابِ العُمانيين، ونذكر منهم الشيخ: محمد بن عبد الله السالمي، الملقب بالشيبة في كتابه: "نهضة الأعيان بحرية عمان"، ومحمد بن عبد الله بن حمد الحارثي في "موسوعة عمان الوثائق السرية (1- 6)" التي تُعطي خلفيات تاريخية، ووثائق التآمر البريطاني على الامبراطورية العُمانية.

والواضح أنَّ الباحثَ والمترجم اعتمد على بعض وثائق ويكيليكس، ووثائق الأرشيف البريطاني التي أفرج عنها، وأصبحت مُتاحة للباحثين والقُراء.

ومن هؤلاء الكُتَّابِ العُمانيين أيضًا الدكتور: هلال الحجري في كتابه: "عُمان في عُيون الرحالة البريطانيين"، قراءة جديدة للاستشراق، ومنهم كذلك: ناصر الرِّيامي في كتابه: "زنجبار.. شخصيات وأحداث".

ومن الشعراء العُمانيين الذين تناولوا العلاقة المتوترة بين بريطانيا وعُمان الشاعر: أبو مسلم البهلاني، والشاعر: عبد الله الطائي، والشاعر: عبد الله الخليلي، وبخاصة في سِينيته التي يذكر فيها بريطانيا صراحة.

وننتقل إلى الكُتّاب العرب الذين تحدثوا عن العلاقة العربية البريطانية والعُمانية البريطانية، ونذكر منهم الشيخ الدكتور: سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة في كتابه: "تقسيم الإمبراطورية العُمانية"، والدكتور: حسين غباش في كتابه: "عُمان الديموقراطية الإسلامية"، و"تقاليد الإمامة والتاريخ السياسي الحديث 1500- 1970". وقد أشار فيه إلى مقولة اللورد سالزبوري رئيس وزراء بريطانيا الأسبق الذي قال فيها: "إننا- يقصد بريطانيا- لن نستطيع حكم الدول أو المستعمرات من على بُعدِ آلاف الأميال"، وقد تأكدت مقولة سالزبوري عندي خلال قراءاتي ومتابعاتي لسياسة بريطانيا في المنطقة منذ سنوات طويلة، ورأيت ذلك واقعًا ملموسًا بأم عيني عندما زُرتُ بريطانيا لأول مرة في هذا الصيف من عام 2023.

ومن الكُتّاب العرب الذين تحدثوا عن العلاقات العِراقية البريطانية الدكتور: عبد الله النفيسي في كتابه: "دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث".

ومن الكُتب التي تحدثت عن علاقات مصر والسودان ببريطانيا مُذكرات الخديوي عباس حلمي الثاني، الذي أماط اللثام عن التوتر الحاصل بين الخديوي والشعب المصري تجاه بريطانيا، وأشار إلى حادثة دنشواي التي خلدها أحمد شوقي في قوله:

يا دنشواي على رباك سلام // ذهبت بأنس ربوعك الأيام

شهداء حكمك في البلاد تفرقوا // هيهات للشمل الشتيت نظام

وللخديوي عباس حلمي الثاني تسجيل نادر متلفز بعد خلعه ونفيه من قِبل بريطانيا وهو يتحدث باللغة الإنجليزية من منفاه عام 1929.

وإذا انتقلنا إلى الكُتَّابِ والرَّحالة البريطانيين، سنبدأ بجورج بيرسي بادجر (1815-1888) الكاتب والمُبشر والرَّحالة الذي ألف كتاب: "مُقدمة تاريخ أئمة وسادة عُمان"، ويُقال إنه استفاد من كتاب: "كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة" لسرحان بن سعيد الازكوي العُماني الذي كتبه عام 1728م.

ومن الرحالة البريطانيين: ويلفريد ثيسيجر الملقب بـ"مبارك بن لندن" في كتابه: "الرمال العربية "Arabian Sands. ومن الكتب المهمة التي توثق لرحلات الغربيين ومنهم البريطانيون كتاب: "الرحالة الغربيون" في الجزيرة العربية لروبن بدول، وترجمه الدكتور عبد الله نصيف أستاذ الآثار بجامعة الملك سعود، وقد أهداني الأستاذ الدكتور نسخة من هذا الكتاب بتوقيعه وأرسله مع أحد الطلاب العُمانيين الذي يحضرون أطروحة الماجيستير في الآثار تحت إشرافه.

والكتاب قيُّم ويصوِّر أهداف هؤلاء الرَّحالة التي منها أهداف علمية وأهداف استشراقية، وأهداف تجسسية تخدم الدول الاستعمارية، وعلى رأسها بريطانيا، ومنهم الرَّحالة برترام توماس (13 يونيو 1892 - 27 سبتمبر 1950)، وهو أول مُستشرق يعبر صحراء الربع الخالي.

ومنهم كذلك الرَّحالة البريطاني مايلز (1874) الذي كتب مذكراته عن عُمان متناولًا مُعظم الجوانب المختلفة السياسية والاجتماعية والتاريخية.

ومن الرَّحالة البريطانيين كذلك وليام غيفورد بالجريف، وهو عالم لغوي ومُبشِّر وجاسوس، يُعدُّ من أشهر الرَّحالة الذين زاروا الجزيرة العربية والخليج العربي، وُلِدَ في عام 1826، وتوفي عام 1888، واستغرقت رحلته عامًا واحدًا.

وقد أرسلت نسخة مما كتبه في مُذكراته عن صحار ومسقط إلى معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي عندما كان يشغل منصب الأمين العام لوزارة الخارجية، وقتذاك كنتُ مُلحقًا ثقافيًا للسلطنة في القاهرة، وقد أُعجب معاليه بما كتبه هذا الرَّحالة، وطلب المذكرات كاملة، فأرسلتها له، لأنه كان يريد أن يقدم نسخة منها لمعالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية آنذاك، لكن النسخة لم تكن واضحة، فأخبرت مكتب معاليه أني صورتها من المجمع الثقافي بأبوظبي، وعليهم التواصل معهم للحصول على نسخة أوضح إن أرادوها.

ومن هؤلاء الكُتَّاب والرَّحالة جي. بي. كيلي في كتابه: "الحدود الشرقية لشبه الجزيرة العربية" الذي ترجمه الدكتور فالح حنظل، يتناول الكتاب الحدود الشرقية لشبه الجزيرة العربية خلال 150 عامًا.

ومن هؤلاء الكُتَّاب السير شارلز بلجريف مستشار حكومة البحرين من 1926-1957 في مذكراته التي يتحدث فيها عن بدايات ظهور النفط في البحرين والسعودية، وقد زَارَ عددًا من دُول الخليج منها عُمان ودَوَّنَ مشاهداته وملاحظاته في هذه المذكرات.

ومنهم كذلك الرَّحالة البريطاني جيمس ولستد (1805-1842)، سافر على نطاق واسع في شبه الجزيرة العربية عام 1830، ومن كتبه: "سرد الرحلة في عُمان الداخل عام 1835م".

ومنهم كذلك الرَّحالة البريطاني آلان هندرسون المُلقب بـ"ابن هندر"، الذي استعان به السلطان سعيد بن تيمور هو والشيخ سلطان بن سيف الحوسني لإقناع بعض القبائل للسماح لشركات النفط بالتنقيب في مناطقهم. ومن الكُتب الأخرى ذات الصلة بهذا الموضوع كتاب: "دليل الخليج" للمؤرخ البريطاني لوريمر، وكتاب: "الخليج بلدانه وقبائله".

وقد استعنت بالكثير من هذه الكتب في مقالاتي ومُحاضراتي التي أعددتها عن صحار ومسقط ونزوى.

ومن الذين كتبوا عن سلطنة عُمان السفير البريطاني الأسبق السير دونالد هولي في كتابه: "عُمان ونهضتها Oman and its Renaissance"، وقد درسنا هذا الكتاب في مادة الترجمة في مرحلة الماجستير بجامعة السلطان قابوس.

** كاتب وأكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك