حالات ومسارات

 

مدرين المكتومية

 

تستهويني بشدة الكتابة عن النفس وما يجول داخلها من خواطر وأفكار، والبحث عن تفسيرات منطقية أو حتى شعورية حول سلوكيات الإنسان ومشاعره وأحساسيه تجاه نفسه وتجاه الآخرين، وكيف يتأثر المرء منَّا بما يجري من حوله؛ سواء في محيطه الاجتماعي الخاص أم المحيط العام.

هنا أجدني أغوص في أعماق النفس البشرية، أبحث عن المختلف، وغير المألوف في علاقات البشر ببعضهم البعض، أسعى لفهم هوية واستيعاب كينونة الذات ومن حولها. وحتى لا أخوضُ كثيرًا في التنظير، أودُ هنا التوضيح بأنَّ هناك نظرتين شائعتين في حياة أي إنسان؛ الأولى: نظرة ذاتية، تتأمل في الشخصية، والثانية: موضوعية، تنظر إلى الآخر وتقتفي أثره.

وبالحديث عن النظرة الذاتية، أعتقد أنَّ كل إنسان يرى في نفسه فردًا يعيش في هذا المجتمع يؤثر ويتأثر به، فمثلاً الموظف في بيئة عمله، يلتقي يوميًا بزملائه ورؤسائه، ويتفاعل معهم ويؤثر فيهم ويؤثرون فيه، لكن في اللحظة التي تتباين الآراء وتتداخل المواقف وربما المصالح، يصبح هذا التأثير سلبيًا، وذلك التأثر غير مُثمِر. وهنا يجب على المرء منّا أن يضع حدًا فاصلًا بين ما هو شخصي وما هو وظيفي، فاختلاف وجهات النظر مع زملاء العمل بل وحتى الرؤساء، لا يعني بأي حال من الأحوال إساءة شخصية لأي طرف. فعندما أطلب من زميل العمل أداء مُهمة بعينها ويعتذر عن القيام بها، لأسباب قد تكون موضوعية أو لا تكون، فلا ينبغي اعتبار الأمر بأنه رفض تجاه من أصدر التكليف أو الأمر الوظيفي، وهنا الحل يكون في اتباع الإجراءات التأديبية وفقًا لما تنص عليه اللوائح الداخلية في كل مؤسسة، أو حتى بما يتوافق مع قانون العمل.

ولذلك أُخبر زملائي دائمًا أن علينا أن نُنحي الخلافات الشخصية جانبًا، وأن أي تباين في الآراء بشأن كيفية أداء العمل لا يتعلق بالأشخاص، بل بطريقة الإدارة، وهو حق مكفول لكل موظف ومدير ورئيس.

وحتى على مستوى العلاقات الخاصة الشخصية، يجب أن يكون الاحترام والتقدير بمثابة القاعدة التي تتأسس عليها العلاقة، وحقيقةً أندهش كثيرًا من العلاقات التي تخلو من الاحترام أو يتراجع فيها مستوى التقدير، فما الذي يُجبر إنسان على إقامة علاقة منزوعة الاحترام؟! وهنا لا أجدُ سبيلًا سوى الحُب والود ليكونا أساسين من أساسيات أي علاقة، فالحُب هو الذي يمنحنا الأسباب الكافية من أجل مواصلة العلاقة مع الطرف الآخر. والحب الذي أتحدث عنه ليس هذا الحب الغريزي، بل الحب الفطري الذي يتحقق بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص بطريقة لا إرادية، أو كما نقول في العامية "حب لله في لله". هذا النوع من العلاقات يمنحنا الشعور بالدفء والفرحة، يُعزز في داخلنا السعي نحو تقديم الأفضل في حياتنا، سواء وظيفيًا أو شخصيًا أو عائليًا، فلا يُمكن تصوُّر الحياة دون محبة الآخرين، ولذلك استغرب للغاية من أولئك الذين يعيشون حياتهم في عراك وخلاف مع جميع من حولهم، وأتساءل في نفسي: كيف يتحمل هؤلاء تلك القسوة في الحياة، ولماذا يقسون على أنفسهم هكذا؟

لقد تولّدت لديَّ قناعة لا تتزحزح بأننا يجب أن نحافظ على علاقات طيبة ووطيدة مع الجميع، وأن نتبع أسلوب التجاهل مع أولئك الذين يُصرون على الاحتكاك بنا ومضايقتنا، لأننا إذا توقفنا عند كل ما يقومون به من تصرفات، سنجد أنفسنا وقد خسرنا كل شيء، وفقدنا الأمل في المستقبل، وضعفت في داخلنا العزيمة على مواصلة العمل والعطاء. أيقنتُ أن اللُطف في التعامل مع الآخرين لا يعود إلّا بلطف مُماثل، حتى وإن لم يتحقق بنسبة 100%، فلا حقيقة مطلقة في هذا العالم، والحياة كلها نسبية، لذلك لا أنشغل كثيرًا بالنسبة الضئيلة التي لا تتوافق معي؛ بل أنظر دائمًا إلى الأغلبية الساحقة التي نتماهى معها في الكثير من التصرفات والأفعال.

وأخيرًا.. أقولها صريحة لكل من يقرأ كلماتي هذه، وينتقل بين سطوري.. لا تبخلوا يومًا بمنح الحب والعطاء لكل من حولكم، وابذلوا جهدكم في أن تعيشوا حياة مليئة بالطمأنينة والاستقرار، ولا تتوقفوا كثيرًا عند الصغائر، وابتعدوا عن الخوض في التفاصيل، وليكن شعارنا جميعًا الحب من أجل السعادة، والرفق من أجل الوفاق، والتسامح من أجل استمرار الحياة.