علي بن سالم كفيتان
وقف سعادة الدكتور عبدالله بن علي العمري رئيس هيئة البيئة، أمام 160 رئيس دولة وحكومة على منصة الاجتماع رفيع المستوى لمؤتمر المناخ "COP 28" الذي عقد في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، وأطلق سعادته كلمة عُمان في المؤتمر، مُستحضرًا المواقف الراسخة التي لطالما وقفتها السلطنة في القضايا الدولية العادلة، ومستندًا على صلابة جبل سمحان وشموخ هامته في التعبير عن ازدواجية المعايير وتسطيح المواقف الإنسانية والحديث بنرجسية عن تغير المناخ العالمي في ظل الإبادة الجماعية لشعب بأكمله في فلسطين المحتلة.
فأي حديث سيكون منطقيًا عن تغير المناخ في ظل تصاعد شظايا البشر والمباني وانتشار الأمراض والأوبئة؟ وأي كلام سيكون قابلًا للاستيعاب عن حقوق الطفل والمرأة وحماية المدنيين العزل وحفظ النظم البيئة في ظل ما يحدث في غزة المنكوبة من عدوان إجرامي غاشم ينتهجه الكيان الصهيوني الظالم في تلك اللحظة؟ وقد أضاف سعادته موقفًا جديدًا يُحسب لعُمان تناقلته وسائل الإعلام وطارت به الركبان في مواقع التواصل الاجتماعي كورقة ضغط جديدة من خلال المنابر البيئية تُضاف إلى الموقف السياسي الثابت الذي دأب على التعبير عنه معالي السيد وزير الخارجية، والموقف الديني والأخلاقي المُشرِّف الذي يتبناه فضيلة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة، تجاه ما يحدث في فلسطين.. كلمة سعادة رئيس هيئة البيئة كانت في سياق التنبؤ بالمخاطر الجيوسياسية للاستقرار العالمي التي تنسجم مع البنود الأصيلة في كافة اتفاقيات الأمم المتحدة الإطارية (التنوع الأحيائي- التصحر- تغير المناخ).
أصبحت المعايير الغربية في مجملها غير مقبولة في العالم؛ بما فيها التوجهات البيئية التي تساوي بين الجلّاد والضحية؛ ففي الوقت الذي تتسبب فيه الدول الصناعية الكبرى بما يفوق 75% من الانبعاثات الكربونية العالمية، تدفع بقية دول العالم فاتورة باهظة لذلك، تتمثل في ازدياد العواصف والأعاصير ودخول مياه البحر لليابسة وذوبان الثلوج وازدياد درجات الحرارة. كما إن معظم الدول التي تصطلي بتغيُّر المناخ هي دول فقيرة ومجتمعات مُهمَّشة تعيش على الكفاف، ولهذا أطلق مؤتمر دبي صندوق الخسائر والأضرار، وضعت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة 100 مليون دولار، وبدأت الدول الأخرى بالمساهمة فيه لتوجيهه للدول الفقيرة المُتضررة من تغير المناخ؛ وهذه بادرة حسنة تحسب لصالح الأمانة العامة للاتفاقية وللدولة المُنظِّمة. ومن أجل ذلك لا بُد للدول- مهما كانت نسبة انبعاثاتها ضعيفة- أن تُجدِّد التزاماتها لتصبح جزءًا من منظومة التعويض؛ فعلى سبيل المثال انبعاثاتنا في سلطنة عُمان تقل عن نسبة 1%، لكننا دولة مُتضررة بشكل مباشر مما حتّم علينا الدخول في إجراءات التخفيف "Mitigation" من خلال تبنّي سياسات الحياد الصفري الكربوني وتحديد عتبة عام 2050 لبلوغ تلك الغاية. هنا قد يعتقد البعض خطأً أنه في ذلك التاريخ لن يكون هناك اعتماد على الوقود الأحفوري؛ والحقيقة هي أننا بحلول عام 2050 يجب أن نُحقق التوازن الصفري بين ما ننتجه من انبعاثات وما نُنتهجه من سياسات نحو الطاقة الخضراء، بحيث تصبح النتيجة صفرًا. فلو كانت مساهمتنا 1% من الانبعاثات العالمية من الكربون يجب أن تكون مساهمتنا بنفس النسبة من الطاقات الصديقة للبيئة.
أما الجانب الآخر فهو التكيف "adaptation"؛ ويعني ماذا نعمل تجاه ظواهر تغير المناخ في بلدنا؟ هنا دار حوار عميق بين الدول التي تساهم بنسبة عالية من الانبعاثات والدول الأخرى الأقل؛ ففي الوقت الذي يُطلب من الدول النفطية تقليل الانبعاثات من الوقود الأحفوري وهو مصدر دخلها الرئيسي، طالبت هي في المقابل بتوفير التكنولوجيا الكفيلة بتحقيق ذلك من الدول الصناعية. وفي مجال التكيُّف وُضِعَت عدة مبادئ؛ أهمها: تقليص الاستخدام، ورفع كفاءة الطاقة، وإعادة الاستخدام، وضمان التدوير، والتخلص النهائي من الكربون في المرحلة النهائية للوصول الى النمو الأخضر النظيف والمستدام، وبلوغ الهدف الرئيسي من اتفاقية تغير المناخ على المستوى العالمي؛ وهو عدم الوصول إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، وضمان خفض انبعاثات ما لا يقل عن 40% لكل دولة، علمًا بأن حرارة الأرض اليوم تصل الى 1.1 درجة أعلى مما كانت عليه في بداية النهضة الصناعية الكبرى في القرن الماضي.
وتبذل سلطنة عُمان جهودًا كبيرة في مختلف الحقول البيئية لبلوغ الغايات، وسجّلت العديد من المبادرات التي تطرق لها سعادة الدكتور رئيس الهيئة في كلمته أمام مؤتمر الأطراف في دبي، ونالت استحسان ورضا الأمانة العامة للاتفاقية، وأصبحت مثلًا يُحتذى به في السير بثبات لحماية بلادنا والمساهمة في حفظ الكوكب ورخاء البشرية.. وحفظ الله بلادي.