رمال متحركة يغرق فيها المنطق

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

الحياة على كوكبنا الأرض، معانيها ونماذجها البشرية وغير البشرية تبقى تستمر إذا وضعت لها الاستقامة منهجا، والبعد عن السقوط في الشرور والغطرسة والتكبر والغرور، هذه الصفات هي عيوب تقتل الحياة البشرية وتجعلها صماء، والحقيقة فيها تصبح مزيفة، تقضي على تدفق الزمان وتجمده، وتعزل عناصره عن بعضها البعض، وتجعل الماضي والحاضر والمستقبل، مكونات معزولة، لا تتحرك بترابط واندماج شامل، لا تعبر طبعا عن الحقيقة.

وقد ارتبط اليهود ومن يدينون لهم بالولاء والوفاء بخدش صورة الفطرة البشرية، واستمر في الحاضر أحفادهم الصهاينة بصفاتهم وغطرستهم وكبرهم وغرورهم، وما يندى له جبين البشريّة حياءً، أن العالم يُجوّز لهم ذلك، وفق أسطورتهم السائدة وأنّ من حقّهم الدفاع عن وجودهم، في حين أن إنزال العذاب من الله عزَّ وجلَّ على اليهود بسبب كفرهم وعصيانهم، وهو ثابت في كتبهم التي يقدسونها لتظل شاهدًا على افترائهم وكذبهم.

والتأثر بالصهاينة يعد قاسمًا مشتركًا بين جميع من يريدون أن يكونوا في صفاتهم النرجسية، أو أن يؤثروا في حياة مَن حولهم، وغالبًا ما يعدّ التخلي عن الغطرسة والكبر، بالنسبة لهم، أمرًا مستحيلًا، إذ يعد هؤلاء ممن أدمنوا الغطرسة والتكبر والغلو والادمان في سفك الدماء، ويصعب على كثير منهم أن يعودوا إلى حياة الفطرة الآمنة المطمئنة، وليس غريبًا أن يسعوا إلى أن يكونوا متغطرسين لممارسة أي تأثير لأنهم لا يشعرون بالسعادة حتى مع أنفسهم؛ وأدمغتهم ليس بها قدر كاف من الانسانية.

بعض المؤرخين والمحللين ورجال السياسة نظروا إلى الصراع الإسرائيلي- العربي من نطاق سياسي واستعماري- وقد يكون هذا صحيحًا، ولكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الجزء الأشمل من الصراع يرتبط بالدين إلى حد كبير، والأدلة على ذلك كثيرة للغاية، يأتي في مقدمتها عقيدة الاختيار والإحساس بالتفوق التي تمكنت من الشخصية الإسرائيلية، وجعلتها تنظر للآخر بشكل دوني، ممَّا أدى إلى الصدام الحاد بين الجماعات اليهودية في كل البلاد والشعوب التي عاشوا بينها وعلى امتداد كل العصور، إضافة إلى فرضية "الوعد" بميراث أرض فلسطين وما يترتب عليه من حشد القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية لتحقيقه بصرف النظر عن الحقوق وعن القوانين الدولية، لم تتردد الصهيونية منذ نشأتها وحتى الآن في التوظيف السياسي للدين، بهدف الوصول إلى السلطة وإقامة الدولة، ولجأت في ذلك إلى استثارة المشاعر الدينية لدى الجماعات للموروثات الدينية اليهودية، فضلًا عن استدرار عطف المجتمع الدولي زورًا وبهتانًا لكي تحقق أهدافها، فقد أُقيمت دولتهم بالتوظيف السياسي للدين من خلال تفاسير تتماشى مع هدفهم، وهو أمر يثبت في عمومه أن الغاية عندهم تبرر الوسيلة حتى ولو كانت خداعاً.

ومن يظن أن دولة اليهود هي تلك التي تقع على 21 ألف كيلومتر مربع في فلسطين فإنه مخطئ في حقيقة الأمور، دولة إسرائيل أو دولة اليهود تحتكم على معظم دول العالم، فهي دولة تم التخطيط لها منذ عدة قرون مضت وما كانت إقامة دولة إسرائيل عام 1948 إلّا محصلة نهائية لخطط ومؤامرات عالمية من اليهود أو المؤيدين لهم، وهي التي عرفت تاريخياً بالحركة الصهيونية العالمية؛ حيث احتكرت هذه الحركة القرارات السياسية عن طريق التحكم باقتصاد الدول، وحصل ذلك عن طريق إعطاء المرابين اليهود القروض، أدت لاحقًا إلى التحكم بقرارات الدول وجعلها مدينة إلى حد بعيد لأرباب المال العالميين الذين هم المرابين اليهود ومؤسساتهم، لأن فكر الصهاينة قائم على الطمع المادي ليس طمعا إيمانيا روحيا مثل طمع المؤمنين الصالحين في رضا الله ورحمته وجنته، أو طمعا أخلاقيا مثل طمع أهل الإحسان والكرم في تحصيل السعادة النفسية عند البذل والجود والإنفاق، أو طمعا عقليا مثل طمع أهل الحكمة الذين يجدون لذاتهم وسعادتهم في التفكير والاعتبار، لذا نجد اليهود يحرصون أول ما يحرصون على الاستحواذ، والغرور الصهيوني هو الرمال المتحركة التي يغرق فيها المنطق.

تعليق عبر الفيس بوك