المصارف الإسلامية والاستدامة

 

عيسى بن سالم الريامي **

 

الاقتصاد الإسلامي بمرونته وشموليته قدَّم للعالم تجربة مُختلفة عن الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الاشتراكي؛ حيث يتميز الاقتصاد الإسلامي بمقاصده وأهدافه مع استخدام بعض الآليات والتطبيقات المشتركة مع الاقتصاديات الأخرى والتي لا غنى عنها من الناحية التقنية في عالم المال والأعمال الواقعي، ومن ناحية أخرى يقر الاقتصاديون بأن النظام الاقتصادي الإسلامي أكثر استقرارا وأفضل أداءً من النظم الاقتصادية التقليدية الأخرى.

ويُعرَّف الاقتصاد الإسلامي بأنَّه النشاط الإنتاجي والتوزيعي والاستهلاكي المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأحد أهم مفرداته هو التمويل الإسلامي الذي يشمل المصارف والصكوك والتأمين التكافلي وصناديق الاستثمار والتمويل المجمع والوقف.

والتمويل الإسلامي هو النشاط المالي للمؤسسات المالية المبني على أحكام الشريعة الإسلامية، وقد ساهم التمويل الإسلامي بعناصره المبينة أعلاه في الاستثمارات المسؤولة اجتماعيًا وذلك من خلال اعتماده على تعاون رأس المال والعمل في مجالاته الاستثمارية التي تقوم أساسًا على توافقها والمبادئ الشرعية، بل أبعد من ذلك أن التمويل الإسلامي هو المجال الأول لدراسة التطبيقات المعيارية للمبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة أو ما يعرف بـ ESG لقطاعات التمويل وذلك بالرجوع للمبادئ الرئيسية والحاكمة للتمويل الإسلامي والتي ترتكز على الطيبات من التعامل والرزق والاستثمار وبالتالي ومن خلال تكوينها فهي لا تشجع على أي مشاريع ينتج عنها ضرر للبيئة أو للمجتمع بل تدعم وتشجع على الاقتصاديات الخضراء ذات الطابع المستدام.

وبعد مضي أحد عشر عاما تقريبا على ممارسة الصيرفة الإسلامية في سلطنة عُمان – منذ 2012؛ حيث صدر مرسوم سلطاني رقم 69/ 2012 الذي عدل بعض أحكام القانون المصرفي وأجاز ممارسة الأعمال المصرفية الإسلامية- فإننا نجد توسعا في أعمال مفردات التمويل الإسلامي؛ حيث ساهمت بشكل مباشر في رفد الاقتصاد المحلي ودعم الخطط الحكومية للتنمية والاستدامة فالمستقصي لأعمال البنوك الإسلامية يدرك التوسع اللافت خاصة للاقتصاديين فخلال فترة قصيرة أصبح إجمالي أصولها نسبة 18% تقريبا من سوق أصول القطاع البنكي العُماني، وقد واجتمعت في السلطنة النماذج الثلاثة المعروفة للبنوك من حيث الشكل القانوني، وهذا أمر مهم للباحثين للاطلاع على التجارب البنكية للبنوك المستقلة والبنوك التابعة لبنك آخر ونوافذ الخدمات المالية الإسلامية من البنوك التقليدية. ومن المؤمل أن تزداد فرص البنوك الإسلامية في رفد ودعم الاقتصاد الوطني وذلك من خلال مواكبة متطلبات المرحلة وفقاً لرؤية "عُمان 2040" ومن خلال الأداء المؤمل للبنوك الإسلامية في المرحلة القادمة فقد توقع تقرير "موديز- أكتوبر 2023" أن يبلغ إجمالي أصول البنوك الإسلامية في السلطنة بحلول عام 2030 نسبة 25% من أصول القطاع البنكي العُماني.

وتعد أنشطة قطاع التمويل الإسلامي حاضرة في السلطنة ومتنوعة بين البنوك الإسلامية وشركات التأمين التكافلي والصكوك، والتمويلات المجمعة، والأوقاف، وصناديق الاستثمار، وهذا التنوع شكل عملا مشتركا لدعم قطاعات الاقتصاد الإسلامي المحلي وفتح آفاق التعاون الخارجي لتعزيز الدور المميز للاقتصاد الإسلامي.

ومن خلال هذا المقال أضيء المواضع التي تميز المصرفية الإسلامية وهي محل استفسار الباحثين وبعض المهتمين وذلك من خلال العناصر الآتية:

  • الرقابة: تخضع البنوك الإسلامية للرقابة الشرعية علاوة على الرقابة المالية وذلك على كافة أعمالها لضمان تطبيقها للأحكام الشرعية الإسلامية وذلك من خلال جهاز شرعي رقابي مستقل يتألف من هيئة الرقابة الشرعية ومن إدارة الرقابة الشرعية الداخلية، وتتكون هيئة الرقابة الشرعية من عدد من العلماء المختصين والموسوعيين لا يقل عن ثلاثة أعضاء ويتم تعيينهم من قبل الجمعية العمومية للبنك وموافقة البنك المركزي العُماني، أما إدارة الرقابة الشرعية الداخلية فهي تتألف من المراجع الشرعي الداخلي ويساعده قسم الالتزام الشرعي، وقسم التدقيق الشرعي ويعينهم البنك بالتشاور مع هيئة الرقابة الشرعية.
  • تملُّك الأصول: تعتمد في استثماراتها على تملك الأصول الثابتة والمنقولة وذلك من خلال العقود التمويلية والاستثمارية المتعددة من مثل عقود المشاركات والإجارات والمرابحات والاستصناع والسلم وغيرها الكثير حيث يعتمد اختيار العقد على طبيعة المعاملة المطلوب تنفيذها.
  • المخاطر: يتحمل المصرف الإسلامي مخاطر الملكية والمخاطر الائتمانية ومخاطر تذبذب الأسعار ومخاطر الاستثمار وغيرها.
  • الجدوى الاقتصادية: إن تلبية المتطلبات التمويلية تقوم على دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع المطلوب تمويله بالإضافة إلى المقومات الأخرى.
  • العائد المُحرَّم: لا يدخل ضمن أرباح المصرف مهما كانت قيمته فمن حيث المبدأ يطبق البنك المعايير الشرعية للاستثمار وفي حال انحراف أي من الاستثمارات عن تلك المعايير فيتم تطهير الأرباح وتجنيب العائد المحرم وفقاً لسياسة صندوق حساب الخيرات.
  • التحايل: أي تحايل على الشريعة قد يقوم به طالب التمويل لإقناع المصرف بتمويله من شأنه أن يؤثر على صحة المعاملات التمويلية وبالتالي قد يبطل العقد التمويلي أو يؤدي إلى فسخ العقد أو فساد بعض شروطه.
  • حالات الإعسار: يعمل بمبدأ الرأفة والتسامح الذي دعت إليه الشريعة السمحاء مع المدين الذي يثبت إعساره فيُعان ويُمهل. ولحفظ حقوق المساهمين والمستثمرين فإن الزبون المُماطل يُلزم بدفع مبلغ التزام بالتبرع يُصرف لصالح الجمعيات الخيرية، ولا يدخل هذا التبرع في حسابات البنك ولا يُضاف في مديونية الزبون.
  • الاستثمارات: تعتمد المصارف الإسلامية في استثماراتها على تعاون رأس المال والعمل باستخدام العقود والصيغ الشرعية.
  • الإيداعات: يستثمر البنك الإيداعات ويشرك أصحاب حسابات التوفير والودائع لأجل في الأرباح وفقاً للنسبة المتوقعة لأنها تقوم على عقود المضاربة والوكالة الاستثمارية.
  • التمويلات: ينفذ المصرف تمويلاته ببيع أو تأجير البضائع أو الخدمات أو المنافع أو يشترك مع الزبون في مشروع استثماري.

ومن خلال العناصر أعلاه، تتألف الصورة الكاملة عن أداء البنوك الإسلامية ومزاياها التي تحقق لها التفرد وتبرز مواطن التقيم التي يعتمدها المختصون للتدليل على الاستقرار والأداء الأفضل، وكذلك يمكن أن يعتمد العناصر المبينة أعلاه الباحثين للمقارنة بين البنوك الإسلامية والبنوك التقلدية لأن تلك العناصر هي الأساس وهي مراجع المقارنات من وجهة نظري، كما أنها كذلك منطلقات لمن أراد أن يبرز علاقة المصارف الإسلامية بمفردات التمويل الإسلامي الأخرى من مثل علاقة شركات التأمين بالنوك الإسلامية وعلاقة الأوقاف بالبنوك الإسلامية خاصة مع حداثة التجربة في السلطنة وفتح أبواب استثمار الأموال الخيرية السائلة وأثر ذلك في تطور الأوقاف وازدهارها.

** رئيس إدارة الالتزام والتدقيق الشرعي- بنك العز الإسلامي

تعليق عبر الفيس بوك