القرية العالقة 12

بقلم / حمد الناصري
 

 عَلم المسؤول أنّ نفرٌ من رجال رفضوا المشروع وتجمهروا أمام موقع الإدارة التنفيذية للمشروع.

انطلق المسؤول مُسرعاً إلى حيث اجتمع الناس وتحدّث إليهم بلغة ليّنة:

 ـ إنّي أحدثكم بأن رفضكم فيه كثير من التجاوز  ، ولا أرى ما تفعلونه مُقنعاً، ولا أريد أنْ يحدث هذا في قريتكم. ومال برأسه إلى أحمد الجبل وسَرّه بكلام خافت:

 ـ صدّقني هذا لن يُغيّر شيئاً ، فخدمة المُجتمع ، في ما ينفعهم .؛ نحن أن  تكون ذو مقام كبير في القرية وتكون محلّ ثقتنا  وأنت بين أهلك وناسك.؛ وهذا المشروع الكبير من أجل خدمة القرية وأهلها ،  بكلّ ما يحمله من تفاصيل.

 وقفتكم معنا سيذكرها التاريخ ، ولنْ تُمّحى من ذاكرة الأجيال ، أبيك صنع جميلاً للقرية لكن أعداؤها ، ظنوا بأن مجد القرية في مُعارضة المشروع. وهذا لن يكون.؛

   اسمع يا ـ أحمد ـ بُلهاء القوم قد ظنوا أننا نحسدهم على قريتهم وأننا نريد بهم شراً وكيداً ، حاولنا بكل ما أؤتِينا من عقل أن نُبصّرهم لكنهم يرفضون بحمق ولا يُصدّقون ما نقول. فالواقع يا أحمد ، هو ما تراه العيون ، وسعادة الناس فيما ندافع عنه بأفكارنا ونحن به مُقتنعون.؛

 قال أحمد مُحدثاً نفسه :

ـ إذا كان المشروع مُجدياً فلماذا أخالفهم؟ أيعقل أن أعارض مشروعاً ضخماً له علاقة بالمجتمع وذا فائدة للقرية؟ ثم أنّ أبي لم يكن يُعارض المشروع وإنما عارض نقل أهل القرية من قريتهم.؟ سحب نفساً عميقاً وهزّ رأسه ، ورفّت أهداب عينيه وانتضبت عيناه.. استشعر صوت خاله حمود يأتيه ثقيلاً .. المشروع الساحلي له مَفاسد وضرر لأبناء القرية.؟ أخبرني ما هيَ تلك الفوائد التي سنجنيها من مُعارضتنا للمشروع لو كان خيراً للقرية وأهلها.؟ وما هو مُستقبل القرية في المشروع الساحلي .؟

ليس لي جواباً غير هذا .. المَمر العميق وقرى الساحل. القرية العالقة. ثلاثة ورابعهنّ المجتمع ،  جميع أؤلئك قضيّة واحدة .. والخامسة البَلْدات الساحلية، تاريخاً وحضارة جميعهنّ امتداد طبيعي للقرية .. والبحر العميق كنز لم يطّلع عليه أحد.؛

يومئذٍ تحدّث أبيك بقوة شامخة .. قرية البحر والمَمر العميق والجبل الاعلى والقرية العالقة والبَلدات الساحلية خط أحمر .؛ ونحن مُستعدون لمواجهة تهديدهم بعزمنا وإنّا على ذهابِ مَكرهم لقادرون .؛ ولن نسمح بتقطيع القرية او تجزئتها، ولن نرضخ للغُرباء ما حيينا .؛

كان أهل قريتنا رجال عقيدة ، لم يتخلّوا عنها ،  رجال صدقوا فانتصروا وأخلصوا لأهلهم وكانوا سنداً حقيقياً للقرية.؟ 

رفع بصره ومدّهُ في عين المسؤول وتقدم خُطوة منه :

ـ  أنا ابن رجل دافع عن القرية ، وكانت رسالة أبي التاريخية ، عدم إلحاق الضرر بالقرية.؛ وقد اشتق جبلها الاصمّ من اسْمها .؛ وكُنيته إبن البحر.؛ وقد عُرف بحرنا الكبير بأنه امتداد للبحار العميقة وبحر الظلمات .. ويُلقب جدي بالبحار العظيم ، ذلك البحار كان خطراً كبيراً على تجارة الغُرباء في بحرنا الكبير شرقاً وغرباً .. ولستُ بغريب عليكم ،  فأمي خديجة بنت الأسعد ، عُرفت ببنت الراس. نسبة إلى قرية الراس بالجبل الاعلى.

تراءتْ أمام عينه، بُيوتُ قديمة، أمكنةُ رائعةٌ، خلاّبة، انتفختْ وجنتاه وبانَ صدره وقد مُلئ غيضاً وكراهية.. وهزّ رأسه :

ـ لا يُمكنني فِعْل ذلك ، للأسباب التي سَمعتموها ، لن أتعاون معكم .. تُراب القرية وبحرها وجبالها ومن عليها ، خط أحمر.؛

ردّ المسؤول هامساً لـ أحمد:

ـ انتظر يا أحمد لا تتسرع، لا نُريد منك خيانة القرية ، ولا نريد عرقلة أهلها فرأي الناس تجاه المشروع مُهم لنا ، لكنا ننظر إلى منافع قادمة لهم .. نحن نُريدك أنْ تقنعهم بأنّ ما نفعله لأجلهم، وأنّا نهتمّ بما ينفع القرية وساكنيها .؛ فالمشروع كبير، يخدم القرية والبَلدات الساحلية كافة.؛ وأذكرك بأنّ نصيبك سيكون كبيرا.؛

  وقف المسؤول مَشْدوهاً وهو يرى تغييراً في فكر أحمد ومدهوشاً من الردّ الصادم وأخذ يُفنّد له الاسباب ومقاصد المشروع ثم اردف:

 

ـ ما رأيك ، أن تقول لهم ، البحر والجبل لنا والزرع والارض لكم ، إنها قسمة عادلة .. أليس كذلك.؛

تخايل أحمد مَشهد الجرّافة وهي تزلزل الأرض أمام عينيه رجفت أفكاره وارتعب جسده واهتز .. وأردف بسخط وغضب :

ـ التاريخ لن يرحمنا إنْ سكَتْنا ، وقرية البحر العالقة تُفتدى بدماء العِزة والكرامة.؛

              يتبع 13

تعليق عبر الفيس بوك