"ضربني وبكى.. سبقني واشتكى"

 

 

د. قاسم بن مُحمد الصالحي

نقض العهود والمواثيق عادة قبيحة توارثها اليهود؛ فالقوم الذين شاهدوا عن كثب المعجزات الناصعة والمنجية للأنبياء، لم ينسجموا معها، بل بادروا لمقارعتها ومناهضتها في سبيل تأمين متطلباتهم النفسانية، فخالفوا كلاسيكية الحياة في غياب الرادع، واستمر ضررهم، وانتقلوا من مخالفة إلى أخرى وأصبح أذاهم روتينا وجزءا من الشخصية الصهيونية في العصر الحديث؛ فوصل الوضع مع هذه الفئة مرحلة لا يستطيع من خلالها التعامل معها.

وباستشراف ما آلت وستؤول إليه حال فلسطين ماضيا وواقعها الذي يعيشه الفلسطينيون حاضرًا، من نكث للعهود مع هذه الفئة، وما تخبئ خلفها من مكر وخداع وتسويف وكذب وسلب للحقوق، فالزمن ما انفك يتغير بمدى كبير تاركا قوانين تذروها الرياح.

 كانت شكواهم ومجادلاتهم ونكثهم للعهود مع الأنبياء، والتصرف وكأنهم فئة مختارة أعلى من البشر، وأنهم هم من يحددون مقاييس الحياة لغيرهم، كانت ولا تزال رايتهم الشكوى وقلب الحقائق، شعارهم أن الآخر هو المخطئ دائما وهم لم يخطئوا.

 الحقيقة أنَّ الشعب الفلسطيني ضاق ذرعا بأفعال الصهاينة المحتلين، التي تدل على ممارسة هؤلاء الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني عامة وسكان غزة خاصة، وقد تجاوزت أفعال الصهاينة الحدود واتَّسعت دائرة الخلاف بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وفكرت المقاومة الفلسطينية ألف مرة قبل أن تصبح دماء الأطفال والنساء والشيوخ على أرض فلسطين، أو حتى يتم هدم البيوت على رؤوسهم، وطالبت العالم الحر بردع الصهاينة كالقابض على الجمر في صمت وهدوء، ولكن لا حياة لمن تنادي.

 كان الفكر العنصري لدى الصهاينة هو المسيطر على تراكمات القضية الفلسطينية، وباتت مناشدات الفلسطينيين بلا فائدة، ومخططات وأفكار وأفعال وأخطاء الصهاينة تتصارع مع صبر وقيم وأخلاق الفلسطينيين بلا حل، ولكن استشراف الفلسطينيين لتاريخ اليهود شحذ الهمة والطاقة لديهم وهو ما عكسته معركة "طوفان الأقصى" بمعدل فاق التصور، ووصل إلى قناعة بأن ديدن اليهود يتطابق مع القول الشعبي "ضربني وبكى، سبقني واشتكى"، ويوجد ما يردع هذه الفئة الباغية "المقاومة" وسط أمواج متلاطمة من العنف الذي يمارسه الصهاينة، فالمقاومة فيها إبرة بوصلة الحرية والاستقلال واستعادة الحقوق وإن كان نتيجةَ ذلك زلزالٌ عنيفٌ وأنهارٌ من الدماء.

نعم.. شعر الشعب الفلسطيني بالضيق من روتينه الذي يعيش، ذلك الذي أغلق نافذة الأمل مع محتل متغطرس يمارس ساديَّته الهمجية، فَقَد المُثل الإنسانية، وغادر القواعد والأخلاق والأعراف، وخرج إلى هاوية الإجرام، ليجرب حياة اللامبالاة، والخروج عن مألوف المجتمع البشري، متنازلا عن السلام لصالح التصارع وسفك الدماء، فأعلن هذا الكيان المارق أنانيته، ولم يراعِ مُثلًا ولا أحكامًا ولا قواعد دولية.

صحيح أنَّ الكيان الصهيوني خرج أو أوجد كاسرا لكل المُثل، سائرا على جسر من سراب، لكنه لم يجد ثابتا لقدميه مهما تباكَى أو اشتكى، لأن لا ثابت له أصلا، وقد دخل في صراع من جديد بين العودة والاستمرار في الصعود نحو هاوية إسلافه، ليقيس طريق اللامبالاة، التي كانت وسيلتهم مع رسل وأنبياء الله، ليخرج بعدهم الأحفاد بسمومهم الكامنة منذ زمن طويل يستغلونها ويركبون موجتها ضد الشعب الفلسطيني المطالب بحقه المسلوب.

لقد كان السابع من أكتوبر يومَ حساب عسير على الصهاينة المغتصبين، وقطعان المستعمرين، زادهم قبحا على أنغام تاريخ أسلافهم، وقد بعث هذا اليوم برسائل كما البركان، كان أهمها تلك التي بعثت من قبل غزة الفلسطينية مفادها "ما ضاع حق وراءه مطالب"، فعملية "طوفان الأقصى" كانت قد عصفت بالنظام الصهيوني ليلة وراء ليلة كضرب موج البحر لصخور شاطئ غزة العزة، تضرب بقوة دون كلل أو ملل.

وما زاد الطين بلة على النظام الصهيوني، هو نظرة العالم الحر إليه وتباكيه وسرديته المزيفة، التي تغيرت لتصبح في جانب مظلومية فلسطين، وأصبحت صورة الاحتلال الغاشم في أسفل سافلين؛ بعدما تخلى عن الأعراف الإنسانية، فجاءته الصيحات إلى بابه تقول "أنت ظالم لمن كانوا حولك"، وكانت كافية لتحرمه النوم، مفكرا فيما آل إليه الكيان برمته.. ليلة السابع من أكتوبر كانت القاضية.

تعليق عبر الفيس بوك