تأرجح الفكر بين الإيجابية والسلبية

 

 

أحمد بن موسى البلوشي

الفكر مُهم في حياة الإنسان، ويلعب دورًا حاسمًا في حياته، وهو الذي يوجه تصرفاته وقراراته، ويجعله ينجح أو يفشل. فهو العملية العقلية التي تتضمن تحليل المعلومات وفهمها، وتكوين أفكار جديدة، وإصدار أحكام، وكما تتأرجح الحياة بين السعادة والحزن، والنجاح والفشل، كذلك يتأرجح الفكر بين الأفكار الإيجابية والأفكار السلبية.

وفي مقالي هذا، سأضرب مثالين فقط متعلقين بطريقة الفكر الحالية لمجموعة من البشر، ومنتشرين في هذه الفترة في أوساط وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة؛ أولهما: فكر المقاطعة؛ الذي يُعرف على أنه رفض التفاعل مع شخص، أو مؤسسة، أو دولة معينة، أو منتج معين؛ وذلك كشكل من أشكال الاحتجاج أو الضغط أو الرفض لسلوك ما، وقد يكون هذا التفاعل على شكل رفض لشراء منتجات محددة أو خدمات تقدمها بعض الشركات، أو المؤسسات، أو التعامل، أو التواصل معها بشكل مباشر أو غير مباشر، أو الاعتراف بها.

الغالبية العظمي من البشر تُؤكِّد وتتفق على أنَّ "المقاطعة" أداة فعالة يمكن استخدامها لتحقيق مجموعة من الأهداف؛ لأنها ترسل رسالة قوية إلى الشركات والمؤسسات والحكومات؛ من خلال رفض شراء منتجاتها أو التعامل معها، ويحق للناس إظهار رفضهم لبعض الممارسات التي تعتبر غير عادلة أو غير أخلاقية من قبل هذه الجهات. وفي كثير من الأحيان يُؤدي ذلك إلى الضغط على الشركات والحكومات لتغيير سياساتها أو ممارساتها. وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" في العام 2023، فإن 75% من الأمريكيين يعتقدون أن المقاطعات هي أداة فعالة للتغيير.

وهناك الكثير من المؤشرات الايجابية الحالية حول موضوع مقاطعة المنتجات التي تدعم العدوان الإسرائيلي، وقد أثبتتْ نجاحها في الكثير من المواد والسلع والمنتجات المختلفة، ولكن يأتيك صاحب الفكر المختلف ويحاول أن يقنعك بأنَّ المقاطعة ليست ذات جدوى ويقدم الحجج والبراهين الواهية، ويضرب الأمثلة التي لا تَمُت لهذه الفكرة بصلة، ويُبيِّن قيمة الضعف الذي وصل له البعض في التفكير، وأننا لا نستطيع العيش بدون هذه المنتجات والأدوات، وفي نفس الوقت وجدنا أنَّ هناك الكثير من البدائل والحلول لهذه المنتجات، فنحن ربما سيطرت علينا هذه المنتجات الداعمة في التعامل معها، وأصبحتْ لدينا فكرة بأنها هي المنتجات الوحيدة التي نستطيع العيش بها، ولكنَّ القضية الفلسطينية في الوقت الحالي كشفت الغمامة عن وجوه الكثيرين منا بأنَّ هناك الكثيرَ من المواد التي تدعم الكيان الصهيوني يُمكننا التخلص منها واستبدالها بمنتجات وطنية أو منتجات لشركات غير داعمة، وأننا يمكننا أن نقاطع كل منتج يدعم هذا الكيان.

عزيزي صاحب الفكر المختلف، فكرك يبقى لك ونحترمه، ولكن أن تفرضه بهذه الحجج والهوان فأنت تفكر بتفكير عقيم وسلبي.

وثانيهما: فكر "المقاومة"؛ الفكر الذي يختلف فيه مجموعة من البشر في طرحهم له في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو عدم أحقية المقاومة الفلسطينية فيما فعلته وتفعله، بأي منطق حكمت عليهم؟ وبأي فكر أصدرت رأيك؟ أليس من حق الأفراد والمجتمعات في الدفاع عن أنفسهم ومجتمعهم وتحقيق حقوقهم الوطنية والإنسانية؟ أليس ردة فعل المقاومة تأتي كرد فعل طبيعي ضد الاحتلال والانتهاكات الواضحة للقانون الدولي؟ شعب يتعرَّض للقمع والتنكيل يوميًّا منذ عقود، أليس له الحق في أن يبحث عن حريته ويسترجع وطنه؟ لا تحكم على المقاومة وأنت تعيش في وطن يُعزك ويحترمك، تعيش في أمان بين أسرتك وأهلك، فهم يبحثون عن أبسط حقوقهم في أرضهم.. فكر برَويَّة وتأنٍّ قبل أن تصدر حكمًا عليهم.

عندما يستخف الإنسان بفكره الذي يطرحه، فإنَّه يصبح عُرضة للنقد والاستهزاء من الآخرين، الفكر حقٌّ لكل شخص بشرط أن يتناسب مع الواقع والمعطيات، أما أن يكون الجميع متفقًا على فكرة معينة وتأتي أنت بما يخالفها، فمنك المعذرة؛ فأنت صاحب فكر عقيم.

تعليق عبر الفيس بوك