فلسطين والعرب.. من يُحرِّر من؟!

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

لا شك أنَّ "طوفان الأقصى" جعل جُهد المعركة ظاهريًا على أرض غزة، ولكن من يقرأ ما بين السطور وما وراء الخبر، يُدرك أنَّ المعركة الحقيقية تدور بصمتٍ وضجيجٍ- معًا- في جغرافيات وعواصم إقليمية ودولية عن مصير العالم بعد الطوفان، وتُدرك كذلك أنَّ الطوفان ما هو إلّا رأس جبل الثلج لتحوُّلات إقليمية ودولية خطيرة سيشهدها العالم قريبًا جدًا.

تداعيات طوفان الأقصى لن تقتصر على جغرافية فلسطين المحتلة، ولا على محور المقاومة، ولا على الوطن العربي؛ بل ستمتد إلى قوى عالمية وجغرافيات كثيرة، وسيُعيد الطوفان تشكيل الوعي السياسي والضمير العالمي، والأهم على الإطلاق من كل ذلك هو اعتماد طيف واسع من الغرب- بشقيه الرسمي والشعبي- مستقبلًا، للرواية العربية حول الصراع العربي الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، في الخطابين الإعلامي والسياسي.

الأخطر اليوم هو ضيق خيارات الكيان الصهيوني ورُعاته بعد تبخُّر أحلامهم في القضاء على فصائل المقاومة، وتصفية قادتها، وإجبار سكان قطاع غزة على الهجرة قسرًا إلى سيناء هربًا من جحيم المعركة وبفعل الحصار والتجويع.

لغاية اليوم، النتائج واضحة ومعروفة للجميع، ولكن ما هو غير معروف ومتوقع هو فرض الكيان الصهيوني ورعاته وبالإكراه على كلٍ من مصر والأردن القبول بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة. فبعد مُسلسل المغريات المالية لكلا البلدين والتي لم تُجدِ معهما، لن يجد الكيان ورعاته مخرجاً من المأزق الوجودي سوى باستخدام أسلوب القوة المُفرطة تجاه كل من مصر والأردن؛ الأمر الذي سيُجبر البلدين على إلغاء اتفاقيات السلام، وخوض حرب مباشرة مع الكيان الصهيوني وخلط أوراق الأزمة، وبهذا يعود الصراع العربي الصهيوني إلى مربعه الأول.

لم تكن الحشود العسكرية الهائلة للجيشين المصري والأردني على الحدود مع فلسطين المحتلة بقصد الاستعراض أو لمنع تسلل المهاجرين من فلسطين؛ بل رسالة جلية للكيان بأن خيار القوة المسلحة لمواجهة مخططاته المصيرية ما زال قائما ومطروحا، كما إن مراجعة مجلس النواب الأردني لبنود اتفاقية وادي عربة مع العدو الصهيوني، ومطالبات أعضاء مجلس النواب المصري بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد ليست مناورات إعلامية؛ بل خيارات واردة تنتظر التنفيذ.

خطوات الكيان الصهيوني ورُعاته بعد الهدنة هي التي ستُقرِّر مصير المنطقة والعالم وترسُم ملامح الصراع العربي الصهيوني وأبعاده؛ فالكيان الصهيوني لم يبق له من خيارات حقيقية على الأرض بعد مراجعات الطوفان وتداعياته، سوى الانتحار على طريقة نيرون "عليَّ وعلى أعدائي"!

أمريكا والغرب عمومًا يُدركون اليوم أن مدنيَّتهم على المحك، وأن خياراتهم وقراراتهم تجاه مواصلة دعم الكيان ستكون مصيرية، وبحجم وجودهم من عدمه، لهذا لا غرابة أن نرى في قادم الأيام تنكُّرًا وتنصُّلًا غربيًا من مهمة مواصلة دعم الكيان بعد أن أصبح المزاج الشعبي الغربي في منسوب الخطر تجاه الصهيونية العالمية، وفي المقابل التعاطف الشعبي الغربي الكبير تجاه فلسطين وقضيتها، بعد تحررهم من غشاوة تضليل الإعلام الصهيوني الموجه لهم لعقود خلت.

قضية فلسطين بعد الطوفان، ستصبح مؤشرَ سياساتٍ في الغرب، ليس بالضرورة لنصرة حق عربي؛ بل لاستعادة سلة قيم غائبة ومُغيَّبة في الوعي العام الغربي، ولم يبق منها سوى شعارات فارغة.

أعود إلى التذكير بالقول إن الطوفان اسم على مسمى، وإن ارتداداته ستكون مصيرية في بقاع وجغرافيات كثيرة، وستغير مفاهيم ومواقف عميقة سرت لعقود دون مراجعات أو تغيير. والله غالب على أمره.

قبل اللقاء.. "إذا الشعب يومًا أراد الحياة // فلا بُدَّ أن يستجيب القدر". أبو القاسم الشابي.

وبالشكر تدوم النعم.