مدرين المكتومية
"وعملًا بمبدأ التدرج في سياساتنا وقراراتنا، ومتابعة مِنَّا لما سيُثمر من نتائج مأمُولة.." هيثم بن طارق - سلطان عُمان (14 نوفمبر 2023م)
------
نَتَشارك جميعًا الرأي والقناعة بأنَّ أفراحنا -نحن أبناء عُمان- بنوفمبر المجيد هذا العام لم ولن تكون كسابق احتفالاتنا، كنتيجة طبيعية لمُعطيات قاسية نَشهدها بأم أعيينا من مشاهد الدماء والخراب والدمار على أراضي فلسطين العزة والكرامة، ولكنِّي لا أخفِي سِرًّا بأنَّ إطلالة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم -حفظه الله ورعاه- صَبِيحة أمس خلال ترؤسه -أبقاه الله- افتتاح دور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان بمبنى المجلس، بثَّت في نفسي -كغيري من أبناء هذا البلد- آمالا عريضة تتجدَّد كلَّ عام مع الذكرى الغالية لليوم الوطني للنهضة، سيَّمَا مع ما عكسته مضامين الخطاب السامي من مدى قُرب واطلاع ودراية ورعاية جلالته -أبقاه الله- بالتحديات والآمال الوطنية وتفهمُّه -أعزه الله- لها والتوجيه للعمل على مُعالجتها لتحقيق الاستدامة من جانب، ورسم صورة ناصعة لمعنى الحياة الكريمة للمواطن من جانب أكثر شمولاً.
وبلا أدنى شك، فالخطاب والسياق والزمان والمكان جميعها كانت مُشعَّة بالأمل، باستهلال مُميز جدَّد جلالته -حفظه الله ورعاه- التأكيد من خلاله على الشراكة الأساسية لمجلس عُمان -بغرفتيه الدولة والشورى- في منظومة الدولة أولاً، والمسيرة الظافرة من التطور والنماء ثانياً، متبوعًا بتثمين المقام السامي للجهد الوطني من أبناء عُمان فيما وصلت إليه بلادنا من إنجازات متواصلة في مسار التنمية الشاملة والحفاظ على مُكتسبات الوطن، وما استعرضه جلالته -أبقاه الله- من نتائج طيبة وإنجازات مُهمة تحقَّقت على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والأداء المالي، رُغم التحديات.
كلمات الخطاب المُنتقاة بعناية، عكستْ رعاية سامية للأمل العُماني في غدٍ أكثر ازدهارًا ونماءً، ولعلَّني هنا أستعيد بعضًا مما ورد في المنطوق السامي: "رسمنا خططنا بشكل مدروس بعناية، وبأهداف تلبي متطلبات الحاضر وتسعى لتحقيق النمو المستدام..."، "كما أن البرامج الوطنية التي أطلقناها أسهمتْ بشكل جيد في دعم النمو الاقتصادي، وتعزيز الاستثمار في القطاعات الواعدة"، "نُؤكد عزمنا على الاستمرار في بذل المزيد من الجهود..."، "إننا لن نتوانى عن بذل كل ما هو مُتاح لتحقيق ما رسمناه من أهداف وتطلعات رؤية عمان 2040".
كما كانت الشمولية عُنصرَ الأساس المميِّز للخطاب، بدءًا من ثناء جلالته على مستوى الاستفادة الوطنية من إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وانعكاس ذلك على تعزيز فاعلية الأداء الحكومي وكفاءته، وتحسين عملية اتخاذ القرار، وقياس الأداء المؤسسي، تبسيطًا للإجراءات وتحقيقًا لانسيابها لتصبح سمة بارزة في الأداء الحكومي، مرورًا بتطوير مرفق القضاء وتعزيز دوره تحقيقًا للعدالة الناجزة، فضلاً عن التطورات الهائلة بقطاعات الصحة والتعليم والخدمات، ومسار التحول الرقمي والابتكار والقدرة على الاستفادة من التقنيات الحديثة وتوطين هذه الصناعة على كافة المستويات والصُّعد، من أجل تحسين مؤشرات الإنتاج والإنتاجية.
ومن منظُور الشمولية كذلك، جاء التأكيد السامي على الاهتمام بتنمية المحافظات، بمثابة استكمال متجدِّد لمسار التحول إلى الإدارة المحلية القائمة على اللامركزية، سواء في التخطيط أو التنفيذ؛ تكريسًا لدور المجتمع المحلي في التنمية والتطوير، اتساقًا مع الإيمان الراسخ بأن المواطن العُماني هو حجر الأساس والقطب الرئيس في مسيرة نماء ورفعة هذا البلد.
ولكم لامست كلمات جلالته -حفظه الله- عن الوضع في غزة، غُصةً في القلب: "نتابع بكل أسى ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين المحتلة من عدوان إسرائيلي غاشم وحصار جائر"، هوَّنت منه التأكيدات الراسخة على مبادئنا الوطنية الثابتة في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، بما في ذلك دعوة العالم والمنظمات الدولية للمسارعة في إيجاد حلول جذرية لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وحفز خُطط السلام في المنطقة.
... إن خطاب حضرة صاحب الجلالة كَتَب عنوانًا جديدًا لفصول مسيرة وطن طَمُوح، يسعى بكل جد نحو الغدِ الأفضل، وفق أسس ومبادئ راسخة، وقناعات لا تتبدل بأنْ تظل عُمان على ألقها، بروح نهضتها المتجددة. فدامت إطلالتك السامية سيدي مبعث أمل واطمئنان لأبناء شعبك الأوفياء.