◄ الكتابة والوظيفة مساران متكاملان.. ومهنة الطب ملهمة للكتابة
◄ الأعمال الأدبية والفنية لا تعالج القضايا إذا لم يتخذ المسؤولون خطوات ملموسة لحلها
◄ الكتابة فتحت لي آفاقا أكاديمية وقانونية وتدريبية
◄ أفكر في كتابة رواية ثالثة لاستكمال مسار "خطان متوازيان" و"حضور من سراب"
الرؤية- ناصر أبوعون
أكدت الكاتبة الدكتورة فوزية البدواوية أن الكاتب يحمل على عاتقه مسؤولية تثقيف المجتمع وتسليط الضوء على قضاياه الملحة، لافتة إلى أن حلول المشاكل والقضايا المجتمعية لا تكون من خلال الأعمال الأدبية والفنية، وإنما يستلزم حلها تدخلا من الجهات المسؤولة.
وصدر للبدواوية 4 روايات ومجموعة قصصية، إذ بدأت برواية "خطان متوازيان" عام 2016م، عن حلم واحد يجمع شخصين من بيئتين متناقضتين في قالب رومانسي، ثم أصدرت رواية "حضور من سراب" عام 2017م، وهي بمثابة عدسة أخرى مسلّطة على نفس الشخصيات في رواية "خطان متوازيان" حيث تتشابه الشخصيات ويختلف الراوي، وهذه الرواية من ضمن 10 كتب الأكثر مبيعاً بمعرض مسقط الدولي للكتاب عام 2018م، وصدرت رواية "ذاكرة من حنين" عام 2018م، وهي رواية اجتماعية تطرّقت لشخصية تُعاني من مرض التوحد، وأيضاً كانت ضمن الكتب العشر الأكثر مبيعًا معرض مسقط، ثم كتاب "غارقون في الخطيئة" المنشور في عام 2019م وقدّ تصدّر الكتاب أيضًا قائمة الكتب الأكثر مبيعًا بمعرض مسقط الدولي للكتاب 2019م، والذي يحوي بين طياته قصصًا لأشخاص تعرضّوا للابتزاز، فكانت الرسالة هي كشف حيل المبتزين، وخدعهم وتوعية المجتمع من الوقوع ضحايا لهذه الجريمة الإلكترونية العابرة للحدود الجغرافية.
وقد حازت البدواوية على العديد من الجوائز منها: المركز الأول في جائزة إبداعات شبابية في القصة القصيرة عامي 2015/2016 والمركز الثالث في جائزة الكاتب عبدالله سعيد باقلاقل.
وإلى نص الحوار..
ما تأثير وظيفتك كطبيبة على إبداعك الأدبي، وما تأثير الكتابة على مسارك الوظيفي؟
في حقيقة الأمر كلاهما يستند على الآخر، حيث إن أغلب كتاباتي الأدبية كانت وليدة ضغوط الحياة، بما فيها ضغط العمل كطبيبة أسنان، وضغط دراسة التخصص ذاته سابقا، وبذلك تكون المهنة عاملا ملهما للكتابة مع توفير مجال خصب للمعلومات والأخبار ولقاء المرضى والمراجعين وسماع قصصهم والتعرّف على أفكارهم.
أما بالنسبة للشقّ الثاني من السؤال فالكتابة قد فتحت لي آفاقا واسعة لاتخاذ المسار أو المسارات الوظيفية، حيث لإن هناك مجالات عديدة يمكن أن يعمل فيها طبيب الأسنان غير علاج المرضى، ومنها الجانب الأكاديمي أو تدريب الموظفين في ذات التخصص، أو تناول الشقّ القانوني في قضايا الأخطاء الطبية، أو حتى الجانب الإداري وغيره.
في رواية "خطان متوزايان" تمنيت أن يتقابل الخطان، وفي رواية "حضور من سراب" حاولت تحقيق هذا الحلم، هل هناك رواية ثالثة؟
كنتُ قد فكّرت بالأمر سابقا، ولكن وجدت أني لن أقدّم شيئا جديدا ومميزا أكثر مما قدّمته في رواية "حضور من سراب" خاصة أن الموت قد غيّب أحد الشخصيات المهمة والرئيسية في الرواية، أما رواية "خطان متوازيان" فكانت نهايتها واضحة منذ البداية كون أن الخطوط المتوازية لا تلتقي أبدا، وكوني اكتب بواقعية لم أرغب كسر هذا المفهوم أو القانون العلمي، ولكن لا أحد يدري ربما أجد فكرة أكثر إلهاما وأكمل بها هاتين الروايتين، كون الرواية الأولى "خطان متوازيان" ركزت على بيئة الدراسة في كلية طب الأسنان لشخصيتين "هيثم وأسيل"، ثم جاءت الرواية الثانية "حضور من سراب" لتركّز على بيئة القرية والفرق بينها وبين المدينة، وكيفية تأثير الأسرة في اتخاذ قرارات مصيرية، فربما تأتي الرواية الثالثة لتحكي واقع بيئة العمل في المجال الطبي- تحديدا طب الأسنان- وربما أتناول فيها شيئا من قضية الباحثين عن عمل كون أغلب أطباء الأسنان الآن باحثون عن عمل.
"ذاكرة من حنين" تسلط الضوء على نظرة المجتمع للمريض.. هل يمكن تحويلها إلى عمل فني لمعالجة هذه القضية؟
كان قرار إكمال رواية "ذاكرة من حنين" أكبر تحدِ بالنسبة لي، كون المعلومات الموجودة عن التوحد غير كافية في وقتها مع وجود الكثير من الاستفهامات، لذلك أردت توعية المجتمع عن هذا الاضطراب من خلال إيجاد شخصية توحدية وهو الطفل ياسر، وكيفية معاناة أحلام- والدة الطفل- معه وردّة فعل المجتمع السيئة بمن فيهم أباه أحمد حيث كان يظن أن طفله به مسّ من الجن، وشعوره بالعار والخزي من مرض ابنه.
"تبا لمجتمع يُقبل فيه ببناء مستشفى نفسي وتخرّج طبيب نفسي ولا يقبل بوجود مريض نفسي. إنها تكاد تكون حماقة بالفعل!".. من وجهة نظري أن الرواية والدراما لا تُعالج القضايا ما لم يتخذ أصحاب الشأن الخطوات اللازمة لذلك، وإنما هي تثير التساؤلات وتفتح الأذهان، وقد تبقى لفترة ما وقد تغيب عن البال لتحلّ محلّها أفكار أخرى، أما بخصوص معالجة الرواية لتصبح دراما تلفزيونية فإنه لا مانع لدي وقد راودتني الفكرة مرارا وتكرارا إلّا أن العمل السينمائي يحتاج لفريق يعمل من أجل قضية واحدة وأن دخول عدة أطراف قد يرفع التجربة الكتابية عاليا، وقد يكون له ردّة فعل عكسية على العمل- وهذا ما أخشاه- ، وأرى أن التجربة السينمائية في عمان غير ناضجة بعد وأنها تكاد تكون مخاطرة بالفعل.
هل هناك مشاريع أخرى مشابهة لرواية "لا أريد أن أكبر"؟ وأي فئة من الجماهير تستهدفين؟
الرواية لاقت إعجابا لا يقل عن بقية إصداراتي الأدبية، خاصّة أنها تسلّط الضوء على ظاهرة الطفل الداخلي وأسبابها وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الحياة الدراسية والمهنية والزوجية، وكيف يمكن أن يساهم ذلك في اتخاذ قرارات نندم عليها لاحقا.
وبالطبع هناك مشاريع كتابية تتناول قضايا حصرية وغير منتشرة، كوني أملك إيمانا راسخا أن الكاتب هو معلّم والمعلم رسول ومن واجبه الكتابة عن قضايا العصر حتى يساهم في تسليط الضوء عليها، وتثقيف المجتمع عنها والمساهمة في معالجتها، أما بالنسبة للجمهور الذي استهدفه ففي رواية "لا أريد أن أكبر" كان هدفي هو استهداف الآباء والأمهات والمربين، وحتى الشباب أنفسهم.
مجموعة "غارقون في الخطيئة" سلطت الضوء على الابتزاز الإلكتروني..كيف يمكن حل هذه المشكلة؟
للأسف كوني كاتبة فإن دوري يقف عند إصداري هذا الكتاب، مع مواصلة الكتابة والتحدّث عنه أمام العامة، أما بخصوص إيجاد حلول لهذه القضايا فهنا يأتي دور القانون والجهات والمؤسسات العقابية والإصلاحية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها من أصحاب النفوذ والصلاحيات.