العرب والغرب.. من ماضٍ سيئ إلى حاضر أسوأ

 

 

صالح الحارثي **

 

لم تدخر الإدارة الأمريكية جهدًا ومعها معظم الدول الأوروبية ولم تدع شاردة ولا واردة إلّا وافتعلتها من أجل الإساءة إلى العرب ودينهم وثقافاتهم، ولأجلِ ذلك سخّرت وبدعم وتخطيط من اللوبي الصهيوني المتنفذ في البيت الأبيض المبالغ الباهظة للسيطرة على الإعلام الأمريكي وتوجيهه بما يخدم مصالحها الاستراتيجية ومصالح ربيبتها إسرائيل داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.

وليس بغريب أن نرى كل هذا الانقياد الأعمى من جانب واحد للرواية الغربية حول ما يدور من أحداث في الشرق الأوسط، إلّا بسبب التأثير الهائل لتلك الآلة الإعلامية الغربية الجبارة المسيطرة على عقول شريحة واسعة من الشباب حول العالم.

وما فيلم "سقوط لندن London Has Fallen" وروايته الدنيئة المثيرة للكراهية عن إرهاب المسلمين، وأفلام أخرى مشابهة والصحافة المضللة، إلا غاية في المكر والخداع وأحد الشواهد الحية على  ذلك السقوط الأخلاقي لصنّاع السياسات الغربية ومهندسيها.

وكدتُ بنفسي أن أصدق وأنا أشاهد بعض من تلك الأفلام المحبوكة بالمقاطع المثيرة للعاطفة ذلك الكم الهائل من الافتراء الممنهج على الإسلام والصورة النمطية عن المسلمين التي ترسخت في ذهن المشاهد الأجنبي الذي انطلت عليه قصة تفجير مبنى التجارة العالمية في نيويورك والتي من خلالها تمكّنت الولايات المتحدة الأمريكية من الولوج إلى الشرق الأوسط من أوسع أبوابه بحجة مكافحة الإرهاب العالمي، في تهديد واضح وصريح على لسان رئيسها جورج بوش الابن الذي من داخل بيته الأسود قال عبارته المشؤومة "من لم يكن معنا فهو ضدنا"، وذلك على مبدأ فرعون اللعين الذي قال لقومه "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" جعل العالم كله ينقاد إليه بعدها طوعًا أوكرهًا.

ولأنَّ المطامع الغربية في المنطقة العربية كبيرة وواسعة ولا تتوقف عند حد فلم تتوان الولايات المتحدة الأمريكية عن تنفيذ مخططها المشؤوم باحتلال العراق بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل فدمرت جيشه وقتّلت أبناءه ونكَّلت بأهله ونهبت خيراته ودمرت بنيته التحتية واتلفت مزارعه؛ بل وأطلقت يد إسرائيل في المنطقة دون حسيب أو رقيب فنكّلت هي الأخرى بالفلسطينيين شر تنكيل وتوسعت في أراضيهم ولم تكتف بذلك بل وتسللت هذه الحية الرقطاء إلى الوطن العربي الكبير فبثت سمومها فيه من خلال مسرحية التطبيع فتغلغل سمها القاتل داخل الجسد العربي وأحدثت فيه الوهن والتفكك والضياع.

ولأنها حية خبيثة لا تصبر عن طبعها القاتل، لم ترض بالسلام الذي دعت إليه الدول العربية فنفخت في مزمارها إعلان الحرب على غزة وأمعنت فيهم تقتيلًا وتشريدًا وإبادة بدعم غربي غير مسبوق بالمال والحال والسلاح فكانت بصدق الحية التي وُلدت من رحم الأفعى الغربية.

في حقيقة الأمر، لا أدري ما الذي يجبر الدول الغربية على استعداء الشعوب العربية والتضحية بكل هذا الإرث من العلاقات الطويلة معهم وبهذا الحجم الضخم من الاستثمارات والتبادلات التجارية مقابل الانقياد الأعمى لإسرائيل وضمان أمنها الواهي.

الآن وقد سقطت ورقة التوت الأخيرة، بات على هذه الدول أن تزن مصالحها بميزان الربح والخسارة؛ فالخيارات العربية كثيرة، وعلى الدول الغربية أن تترك جانبًا سياسة الكيل بمكيالين هذا من شيعتي وهذا من عدوي، وأن تخلع عنها قميص يوسف الملطخ بدمٍ كذبٍ، وأن لا تحمّلنا عقدة الذنب التي تطوّق رقبتها، فهذا أمرٌ يخصها وحدها ولا يعنينا في شيء، وأن تنسى كذلك الشعارات الزائفة الرنانة حول الحريات العامة وحقوق الإنسان التي هي نفسها لم تحترمها على الإطلاق.

العالم من حولها لم يعد كما كان ولم تعد كذلك تنطلي عليه مثل هذه الأقاويل والأكاذيب المَمجُوجة التي صمّت بها أوروبا آذان العالم وأسماعه على مدى عقود طويلة.

وعليها أن تعلم كذلك- ونحن صادقون فيما نقول- أننا شعوب مُحبة للسلام ونسعى إليه ونمد أيدينا بكل حب إلى كل محب للسلام؛ فالعالم لا يحتمل كل هذا الدم والألم وبالأخص إسرائيل الصغيرة التي لم تجن شيئًا من عنادها وإرهابها سوى جلب الخراب والدمار لها ولغيرها.

إنَّ إسرائيل مسالمة متعاونة مع محيطها وجيرانها تعترف للفلسطينيين بدولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وتعيد الأراضي العربية المحتلة إلى أصحابها، خير من إسرائيل معادية لجيرانها حاضنة للإرهاب ومجرمي الحرب والدمار.

إن 450 مليون عربي مسنودين بالحال والمال بمليارين من المسلمين حول العالم قادرون على أن يجعلوا منها جنة الله في أرضه، أو يحولوا حياتها إلى قلق دائم وعذاب مستمر، ولها أن تختار أي الطريقين تسلك، أمْ حسِبتْ أنْ تُترك سُدى تعيث في  الأرض الفساد دون ثمن باهظ تدفعه.

الشعوب العربية هي صاحبة القرار الحقيقي والفعلي النافذ بالتعامل مع إسرائيل من عدمه وهي لا تقبل على الإطلاق إلّا بفلسطين حرة أبيّة مستقلة، وما عدا ذلك فهو محض هراء وافتراء.

** سفير سابق

تعليق عبر الفيس بوك